صفحات المستقبل

الويل لضابط ينشق عن الفيل


عمر حرقوص

قبل ايام أعلن التلفزيون السوري عودة الضابط السوري المنشق حسين هرموش إلى قبضة الأمن السوري، عرضت إحدى المقابلات معه تكلم فيها الكثير عن رحلته القصيرة في الفرار من الجيش والانشقاق عليه، كان الرجل يجيب على الأسئلة محاولاً قدر المستطاع أن يقول حقيقة الأشياء وبأسمائها، من اتصل به من المعارضين ومع من نسق وغيرها من القضايا، ولكن اللافت في تلك المقابلة التي بثتها أكثر المحطات التلفزيونية كان طريقة المذيع الشاب في إدارة التحقيق.

فالشاب المتخرج حديثاً من جامعة البعث للاعلام والصحافة، كان يدير الحوار كرجل أمن يحقق مع سجين لديه في الغرفة. أوامر وإعادة السؤال وفيه الجواب كما يريده المذيع أو الضابط الذي يدير الحلقة، “تصحيح” لكلام الهرموش وتعليمه اعادة الفكرة كما أرادها الإعلامي الذي بدأ بشق طريقه إلى الشهرة عبر مقابلة الهرموش. يعيد السؤال ويكرره، كأنه يريد تأكيد ان هرموش يستحق أكثر من الإعدام بكثير. كانت واحدة من المقابلات التي سيأتي يوم وتظهر فيه حقيقة ما جرى فيها مع هذا الضابط المنشق وكيف أجبر على تسليم نفسه بعدما كان يعيش في أحد مخيمات اللجوء في تركيا.

فعائلة هرموش والمقيمة في قرية ابلين بجبل الزاوية في إدلب عانت من حملة انتقام وجرائم شنيعة ارتكبها الأمن وعصابات الشبيحة بحقها بعد انشقاق هرموش. فقد اختطف أخوته وزوجاتهم وأبناؤهم وأصهرتهم وأقرباؤهم وعاد أكثرهم جثثاً هامدة، ومن لم يعد منهم لا توجد عنه أي أخبار، حتى ابناء عمه صغاراً وكباراً اختطفوا واستعملوا كورقة مساومة كما يقول عدد من أعضاء التنسيقيات في صفحات موقع التواصل الاجتماعي “فايسبوك”.

طار الهرموش وحطّ في سجون الشبيحة ووقع تحت مقصلة المراسل التلفزيوني الذي يعرف كيف يدير تحقيقاً أمنياً أطاح به كل قدرات جوزيف غوبلز (وزير الدعاية النازي)، وأطاح به أيضاً محمد سعيد الصحاف وزير اعلام محاربة

“العلوج” حين دخلوا بغداد.

يقول أحد الكتاب على موقع “المندسة السورية” أن فيلاً كبيراً وضخماً وأكبر من الفيلة الذين تعرفنا إليهم في تاريخنا المعاصر يعيش في سوريا. فيل كبير،

يستغرب الكاتب

كيف أن أهالي حلب ودمشق لم يروه ولم يروا أفعاله. هذا الفيل يسفك من الدماء أكثر مما سفك الحجاج بن يوسف الثقفي في العراق قبل 1400 عام، فيل ولكنه طويل جداً، ينام في الغرفة ويمد قدميه فيغطي

المشهد، فيل دخل الغابة مرة فدمر العشب، وقتل الناس وهجر الأطفال من بيوتهم وحياتهم.

فيل يا ابتاه، كما قال سامي حواط في واحدة من أجمل أغانيه، فيل يقتل ويقتل ويقتل، والعالم في المقابل يتفرج ويسجل امتعاضه الامتعاض يعني ألم بالبطن مع إسهال شديد عالم يكتشف الكون ولا يعرف طريقة سهلة من سبع خطوات أو ثلاث عشرة خطية لمنع ديكتاتورية من قتل الناس.

في بداية تسعينيات القرن الماضي رسم أحد الفنانين اللبنانيين لوحة أسماها “إنهم يقتلون الفيلة”، لم يكن الفنان التشكيلي محمد شمس الدين يدرك أن الفيلة في عصرنا تختلف كلياً عن الفيلة التي نحضرها على “ناشيونال جيوغرافيك” أو التي حدثنا عنها جدي القادم من إفريقيا بثروة ضاعت هباء في مبنى دمرته حرب أهلية. كان يظن أن الفيلة تأكل عشباً أخضر وترقص في السيرك وقد يستعملها البعض للزينة في غابات بعيدة عن الناس.

عشنا وشفنا كما قال المثل الشعبي، نعم لقد رأينا كيف تتحول الفيلة إلى آكلة للحوم البشر وخصوصاً الأطفال منهم. وكذلك رأينا كيف يعدم الحمير في البرية لأنهم يساهمون في نقل الجرحى أو ايصال الأدوية إلى القرى المحاصرة.

فيل لا تسامحه يا ابتاه لأنه يدرك جيداً ما يفعل.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى