مراجعات كتب

الياس مرقص في “حوارات غير منشورة” جوجلة لمناقشاته ماركسي – قومي معترض اجتهد لبناء العقلانية العربية/ جوزف باسيل

حكاية رزمة العصي التي اختبرناها عن صلابة الوحدة وشدتها، ونختبرها مجدداً عن سهولة الانكسار والضعف في التفرقة والتشرذم… هذه الرزمة تمثل مجموعة من المفكرين ذوي الصلابة والشدة في العقيدة والفكر التقدمي عبروا منتصف القرن العشرين منشدين احلاماً وطنية مشروعة مبنية على قلوب مفطورة على الاندفاع وعقول راسخة في الاقتناع… ومن هؤلاء الياس مرقص.

الياس مرقص احد المثقفين العرب البارزين الذين كانت لهم مساهمات لافتة وجريئة ومتعددة الجوانب في الفكر السياسي المعاصر، الى جانب صديقه ياسين الحافظ ونفر من المفكرين، حاولوا اقامة وشائج بين الفكر القومي العربي والنظرية الماركسية. وكانت خطوة جريئة معرفياً وسياسياً بمعايير ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، وهي الحقبة التي شهدت صعود أفكار اليسار والكفاح المسلح والتحرر الوطني والثورة الاشتراكية.

بين الماركسية والناصرية

ولد مرقص في اللاذقية عام 1929، وسافر الى بلجيكا في أول بعثة تعليمية سورية بعد الاستقلال، فنال الاجازة في علم الاجتماع، وعاد الى سوريا ليعمل في التعليم. طوال حياته استغرق في الكتابة والترجمة والمجادلات الفكرية وكانت محصلة ذلك مخزوناً من المعارف الفلسفية والسياسية واللغوية والأدبية.

كتب صقر ابو فخر في المقدمة ان مرقص “اراد ان يعيد الاعتبار الى الفكرة القومية وتحديداً فكرة الأمة في صفوف الشيوعيين، فاتهمه حزبه (الشيوعي السوري) باعتناق الناصرية وخيانة الشيوعية. وفي خضم هذه الانشقاقات والمجادلات والسجالات الماركسية كان مرقص حاضراً بقوة وتمكن من أن يحفر لنفسه خطاً فكرياً مميزاً ومختلفاً في آن”.

وكان مرقص كتب منتقداً الحركة الشيوعية العربية، وتحديداً الحزب الشيوعي السوري “مصفّياً” حساباً ثقيلاً مع تاريخه. ووصف ماركسيته بأنها عربية تمييزاً عن الماركسية الشيوعية الرسمية التابعة للاتحاد السوفياتي.

وظل حتى مماته خارج الاطار التقليدي للشيوعيين العرب، اذ دافع عن بوخارين الذي وصفه بأنه الأمين على خط لينين، فيما وصف تروتسكي وستالين بأنهما “مجنونان” وخاض معاركه الفكرية ضد الشيوعيين بذريعة انهم لم يفهموا ماركس، بل شوهوا افكاره، حتى أنهم “لم يقرأوه”.

ولأن كل صاحب فكر حر لا ينجو من التألب عليه من الطرفين، هكذا اتهمه خصومه بأن نقده الستالينية والاحزاب الشيوعية العربية قدم سلاحاً دعائياً وفكرياً للتيارات القومية العربية المناوئة للشيوعية، كما أن نقده للقومية العربية قدم سلاحاً موازياً للشيوعيين، فيما هو كان يتطلع الى صوغ ماركسية – لينية عربية.

الوحدة تحققها قوى الثورة العربية

شغلت المسألة القومية موقعاً مهماً في فكره وانتقدها والماركسية. وأحلّ قضية الوحدة العربية على رأس أولوياته، معتبراً ان تحقيقها لن يتم الا بسيرورة تاريخية كاملة سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية. لكن فشل تجربة الوحدة المصرية السورية عدلت به عن وحدة الأنظمة الى الوحدة التي تحققها قوى الثورة العربية باعادة بناء الوعي القومي على اسس انسانية وعلمانية وعقلانية وديموقراطية. ورأى ان السيرورة الوحدوية هي حركة الأمة وليست مقصورة على طبقة أو فئة أو حزب، وبالتالي يجب ان تكون صيحة احتجاج جماعية ضد التأخر والتجزئة والهيمنة الامبريالية والاحتلال الاستيطاني الصهيوني.

من خيبات مرقص ان الوقائع كثيراً ما كانت تسبق افكاره. لكن يحسب له انه اول من استعمل مصطلح المجتمع المدني بمفهومه الكلاسيكي الهيغلي أي المجتمع البورجوازي، وذلك في منظور التطورات اللاحقة في الفكر الاجتماعي والسياسي العربي المهتم بالتحول من التسلطية الى الديموقراطية. وكان هذا المفهوم أهمل في الفلسفة السياسية الحديثة بعد غرامشي وغيّب عن الادبيات الماركسية. كذلك يحسب له تقديم حركة الاصلاح الديني في اوروبا أول مرة في الفكر العربي الحديث في اطار نقدي يرتبط بقضايا التحول العربي.

ذكريات ومفاهيم

سجل طلال نعمة 65 ساعة حديث، اختصرت في نحو 350 صفحة في هذا الكتاب الصادر عن “المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات” تناول فيها قضايا الفكر والفلسفة والدين والتاريخ والثقافة والسياسة، وناقش مفاهيم كالحرية والاستبداد والأمة والشعب والوطن والمجتمع والحقوق المدنية والدستور والحريات السياسية والعلمانية والديموقراطية والتقدم والثورة. وفرّق بين التقدم والتغيّر والتحول. كما بين الثورة والتقدم.

وميّز بين الثورة التي تنتقل من حال الى حال او من نظام اجتماعي الى آخر، والانتفاضة التي هي احتجاج على نقصان العدالة او الحرية وربما هي التطلع الى السلطة، لذلك وصف ما يجري في الدول العربية خلال هذه السنوات بانتفاضات وليس ثورات.

يقول أبو فخر إن مرقص كان مفكراً حراً حاول دائماً ان يبني الحقيقة السياسية على الحقيقة الفلسفية.

مشكلة العرب عدم وجود فكر ديني حقيقي

يعتقد أن مشكلتنا كعرب لا تكمن في سيطرة “الفكر الديني” علينا، كما يرى كثيرون، بل في عدم وجود فكر ديني حقيقي… ويرى ان أي خطاب ديني إلهي لا يمكن ان يقدم نظرية علمية، والقرآن ليس نظرية علمية، والأفضل مقاربة الكتب الدينية بالآداب والقصص. أما الأمة العربية فلن تقوم إلا على الديموقراطية المتصلة مباشرة بالعلمانية والحرية الفردية، وهذا ما تطالب به الانتفاضات العربية حالياً.

ترك نحو 17 مؤلفاً و30 كتاباً مترجماً في مختلف القضايا والمشكلات السياسية والفكرية المطروحة في تلك الحقبة، خصوصاً ما يتعلق بالماركسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى