صفحات الرأيغسان المفلح

اليسار المأزوم أميركياً/ غسان المفلح

 

 

«إنّ على اليسار أولاً، إذا أراد أن يتمكّنَ من بناء ذاته، أن يكون يساراً كاملَ الهوية. فأيُّ يسارٍ ينتقص من هويّته، ويسْتر بعضَ قيَمه بغية التعاون أو التحالف مع قوًى أخرى، دينيّةٍ أو غير دينيّة، فإنّ هذه القوى ستبتلعه»، هذا القول للرفيق جلبير الأشقر، من مقدمة مقابلته المترجمة في ملف اليسار وسؤال الحرية الذي نشرته الجمهورية. واليسار عموماً في المنطقة العربية والعالم، محمولٌ على تراتبيات السيطرة والهيمنة العالمية، وليس طرفاً برانياً بأي حال. لا يستطيع أن يكون طرفاً برانياً، وهو ليس محمولاً عليها فقط، بل هو عنصرٌ منها.

هذه اللغة الهامشية لليسار، نظرياً وسياسياً، لا تجعله طرفاً فاعلاً خارج هذه المنظومة العالمية. تحديد هوية اليسار بالضد من اليمين!! هذا اليمين متعدد الوجوه، والمصالح والخطاب. ووفقاً للرفيق جلبير، اليسار في منطقتنا، محددٌ باليمين الذي هو قطب الأنظمة الديكتاتورية القائمة، وقطب الرجعية الدينية المناوئة للأنظمة. هذا هو اليمين الذي بمواجهته يمكننا تمييز هويتنا هنا في هذه البقعة من العالم وفقاً لهذا السياق. هل هذه البقعة من العالم معزولة عن هذا العالم الناهب؟ هذا التعريف التجريبي ينطلق من واقع محسوس متغير. ليس لليسار نموذجٌ مثاليٌ للعمل، كان لدى جزء من هذا اليسار التاريخي نموذجٌ مثاليٌ يعمل على تجسيده في تاريخه الخاص هو «النموذج السوفييتي»، وهو تصورٌ لما سنكون عليه في حال نجح اليسار في ثورته. هذا الجزء من اليسار انتقل من النموذج السوفييتي إلى النموذج البوتيني-الأسدي!! هي طرفةٌ أن نناقش هذا اليسار.

ما تبقى من اليسار ليس لديه حتى اللحظة نموذج عمل مثالي، إلا ما تنتجه مخيلته الفردية والجمعية في أدبياته. الإسلامي لديه نموذج عمل شغال دوماً: «دولة المدينة والخلافة الراشدية وشذرات مما بعدها». الديكتاتورية لا تحتاج إلى نماذج اجتماعية، بل تحتاج إلى نماذج أمنية قابضة على المجتمع تحت مسميات شتى. ورغم أننا يمكن أن نلمح فوارق بين ديكتاتورية وأخرى، تخص كل تجربة على حدة، إلا أننا لو استثنينا الستالينية على الصعيد الدولي، والناصرية على الصعيد العربي، لا نجد ديكتاتوراً حمل مشروعاً مجتمعياً. الستالينية والناصرية بات لهما اتباع في المنطقة العربية، لكن هذا الاستثناء لا يلغي القاعدة، وهي أن الديكتاتوريات في العالم المعاصر، خاصة بعد الحرب الثانية، كانت محمولة على قوى ومصالح الحرب الباردة. الديكتاتوريات في العالم الآن، محمولة على ما تبقى من هذا النظام من جهة، وعلى ولادة نظام دولي جديد لن تكتمل ولادته في حياتنا هذه على الأقل لاعتبارات كثيرة من جهة أخرى، ولسنا بصدد التعرض لها الآن.

الديكتاتوريات ذات النموذج الفاشل دولتياً، والقوي سلطوياً، تستمد شرعيتها من تراتبيات السيطرة العالمية. المفصل هنا علاقة الديكتاتور بجملة القوى المسيطرة عالمياً، عينه ثابتة على واشنطن، وما تبقى لا يندرج كثيراً في إطار اهتماماته. الفساد ونهب المال العام وتفقير الشعوب، كم الأفواه والقتل والقمع، عناوين أساسية في استمرار الديكتاتوريات على مستوى الداخل. الاستثناء العابر في هذا المجال داخل منطقتنا هي النظم النفطية، لديها وافرٌ من المال العام يفوق ما تحتاجه من نهب!! فترشي المجتمع ولا تقوم بتنميته بشكلٍ مستدام.

أين اليسار من كل هذا؟

اليسار لم ينتج نظريته في مفهومي السلطة والدولة، الدولة كانت مفهوماً مرذولاً تاريخياً عند اليسار في بحثه عن سلطة العمال، رغم وجود إرث يساري في هذا الموضوع، أقله الإرث الغرامشي، الذي تمت العودة إليه أكثر بعد سقوط السوفييت، حتى أن بعضنا عاد لكارل كاوتسكي! كما أنه حاول إعادة الاعتبار لمفهوم «الحريات العامة»، «الحريات العامة» التي كانت هدف الإسلاميين بالضد من «الحريات الفردية»، بينما «الحريات الفردية» كانت ولا تزال هدف علمانية البسطار، من بقايا يساريين وغيرهم، بالضد من «الحريات العامة» التي تظهر حجم هذا اليسار الحقيقي المتلطي خلف البسطار. بعض هذا اليسار أيضاً انتبه بعد هذا السقوط، أن هناك ميثاقاً عالمياً لحقوق الانسان، وهنالك حريات عامة، هذا أساس من أسس تحالف هذا القسم من اليسار مع قوى إسلامية وليبرالية وقومية. هذه العودة لم تكن على خلفية سقوط السوفييت فقط، بل على أرضية انتصار الطرف الآخر!! ومن هو الطرف الآخر. الطرف الآخر هو من طرحَ سؤال الحرية وحقوق الإنسان، كسؤال مرّ مُغفل عند هذا اليسار. استعاد هذا اليسار مدرسة فرانكفورت وحنة أرندت ومفكري الثورة الطلابية في فرنسا 1968. تصالح قسمٌ منه مع سمير أمين، في تخبط واضح من جهة، ودون الإجابة عن سؤال الحرية في عالمنا العربي من جهة أخرى.

لدينا أنظمة ديكتاتورية مما يجعل سؤال الحرية سؤالاً مركزياً، سؤالاً راهناً كما يجب أن يكون. في تجربتي المتواضعة داخل حزب العمل الشيوعي في سورية، ورغم أنني كنت عروبياً متشدداً تلك الأيام، لكن سؤال الحرية كان حاضراً في ثمانينيات القرن الماضي، عندي وعند كثيرٍ من الرفاق، وخلال سنوات الاعتقال أيضاً، سواءً على مستوى ملاحظاتي النقدية على خط الحزب، أو على مستوى انتقاد حرية الرأي داخل الحزب. كنت أكره كتب دار التقدم، حتى عندما أكون مجبراً على قراءة بعضها. سؤال الحرية حضر أيضاً لدى الرفاق في حزب الشعب الديمقراطي، عندما كان الحزبَ الشيوعي-المكتب السياسي بزعامة المناضل رياض الترك.

القضية أن اليسار انقسم في سورية حول سؤال الحرية، ليس تبعاً لانشغالٍ معرفيٍ وإيديولوجي، بل تبعاً لحركية السلطة الأسدية والموقف منها بشكلٍ رئيسي، إضافةً إلى الكم الكبير من عدد المعتقلين والملاحقات كعاملٍ موضوعيٍ في تجربة الحزبين، لا ذنب لليسار فيه حول تقصيره. لكن بعد سقوط السوفييت بقي الخلاف قائماً، أيضاً تبعاً لحركية السقوط نفسها ولحركية السلطة الأسدية، ومنظار كل يساري لها. تبعثرَ حزب العمل بعد الاعتقال، ولهذه النقطة شجون.

من سؤال الحرية يُشتق سؤال الديموقراطية، هذا السؤال بعد سقوط السوفييت تم اختراقه بسؤال العلمانية المشبوه. أعتقدُ أن هذا الاختراق لسؤال الحرية والديمقراطية، خيضت نقاشات وحوارات وحتى خصومات كثيرة حوله ولا تزال. أهمها على الساحة السورية في الواقع، وساهم فيه كثير منا كيساريين، لكن التصدي الأبرز، هو الذي خاضه الصديق ياسين الحاج صالح ضد مفكرين، أمثال جورج طرابيشي وعزيز العظمة وأدونيس وأسماء أخرى. طبعاً الاختراق يتم بناء على أولوية العلمانية على الديمقراطية، هذا بالنظر للجانب الإيديولوجي، لكنه في الحقيقة أتى في سياق نمو الإسلاموفوبيا في الغرب من جهة، وركون الأنظمة العسكرتارية، ومنها النظام السوري على مزاعم علمانية منحطة، لأنه نظام طائفي لا يُشقُّ لطائفيته غبار.

اتضح جلياً موقف هؤلاء المفكرين من الربيع العربي، حيث وقفوا بشكل مخزٍ ضد حرية الشعوب، مرةً تحت حجة الخطر الإسلامي، أدونيس وجورج طرابيشي، ومرةً تحت حجة الخوف على الدولة الوطنية من أسلمتها أو انهيارها، الدكتور عزيز العظمة.

بقي سؤال الحرية حتى اللحظة سوريا، معزولاً عن السؤال الأكثر أهمية، وهو السؤال الأميركي.

فاجأتنا ثورات الربيع العربي، ثورات الكرامة والحرية في مواجهة هذا العسف القاتل وإهانة الكرامة اللحظية للفرد، بسؤال الحرية، واتضح في الربيع العربي أن اليسار السوري دون تحالفٍ ما مع قوى وتيارات أخرى، لا يمكن أن يكون قادراً حتى على قيادة تظاهرة في الشارع. هذا حال بقية التيارات أيضاً، لكن للتيار الإسلامي خصوصية أخرى تحتاج لوقفة مستقلة. الظاهرة الإسلامية في الربيع العربي أخذت حيزاً كبيراً من اهتمام اليسار، معتبراً إياها ظاهرة تجري معالجتها في الثقافة!! بذلك وقعنا في المطب الأدونيسي نفسه.

السبب في رأيي أننا كيسار عجزنا عن الإجابة عن السؤال الأميركي وتطوره، منذ لحظة سقوط السوفييت وحتى اللحظة. السؤال الأميركي بما هو سؤال هيمنة وسيطرة على مستوى الكوكب، وبدون الإجابة عنه فإننا سنبقى نغوص في خطاب إيديولوجي براني في السياق العالمي، يعشق ثقافة الهامش، وفي تنظيرات يسارية على هامش المجتمع والحراك السياسي الحقيقي، والصراعي في أجواء الديموقراطية. وثقافة الهامش هي ثقافة مستندة على مرجعيات فكرية غربية منها الأكاديمي ومنها المناضل، أو كلاهما معا، وكأننا نستقي من حركة طلاب الجامعات ذوي الخلفية اليسارية الفوضوية في الغرب، الذين يتعاطفون مع الهوامش فقط. هذا جلُّ ما ينجزونه في الواقع قبل أن يتخرجوا من تلك الجامعات، وينخرطوا في «السيستيم» الغربي.

باختصار، الاستنادُ على من هم متعاطفون ضد الأغنياء دون بديل وبرنامج اجتماعي واضح، لكن سؤالي الحرية والديمقراطية مختلفان، سؤال الحرية سؤالٌ وجودي، حلم، سؤالٌ إطلاقي نجده عند كثيرين، أما سؤال الديمقراطية، فهو سؤال دولتي، وسؤال نظام سياسي وقوى إقليمية ودولية، وعلاقات قوى ومصالح، سؤال نسبي، وفي النهاية يعني العودة إلى السؤال الأميركي. أهم ما يميز هويتنا كيسارٍ في الواقع هو الإجابة عن السؤال الأميركي في هذا العصر، مع كل ما ذكره رفيقنا جلبير الأشقر أيضاً، وهو السؤال الذي فاجأ الجميع بقدرته اللامحدودة على التعامل مع دول وشعوب، حلفاء وأصدقاء. السؤال الذي قادَ دولةً كمصر تعداد سكانها يقارب الـ 100 مليون نسمة، إلى انقلابٍ عسكريٍ وكأنها دولة وليدة. علاقة أميركا بالإسلام السياسي، بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين. القيادة المعلوماتية الأميركية للعالم، وغير ذلك الكثير. العلاقة المتجددة للأميركي مع بقايا أنظمة قمعية من بقايا الحرب الباردة، وإعادة ترميمها بما يتناسب والصعود الأميركي على رأس العالم. أين نحن كيسار من كل هذا؟ دون أن أدخل في ملف الممارسات السياسية والخطاب السياسي لليسار. فهل نُجيب؟

السؤال الأميركي

كي نبقى في الملف نفسه، أحببتُ تقديم مناقشة مختصرة لما قاله المفكر جلبير الأشقر عن موقف الإمبريالية وأميركا من الاستبداد والثورة السورية، علنا نحاول الإجابة عن السؤال الأميركي هذا. يقول: «في الشرق الأوسط، تفضّل الولايات المتحدة وحلفاؤها التعامل مع الاستبداد على التعامل مع الثورات. عام 2011، مع انطلاق انتفاضات الربيع العربي، كان همّ الولايات المتحدة يكمن في الحؤول دون تجذّر الانتفاضات، وتحجيمها في مساحات ضيقة، والحفاظ على الدول القائمة»1، علماً أن الوقائع تشير إلى عكس ما تفضل به جلبير، أحياناً أميركا أنهت تلك الدولة، كما في العراق، وفي ليبيا أيضاً، وها هي بصدد إنهائها في سورية. التعميم في فهم السياسة الأميركية غير مجدٍ، وإن كان أحياناً مريحاً. ثم يتابع بالقول: «لم ترغب الولايات المتحدة بسقوط النظام، ولو رغبت، لسقط النظام بمساعدة أميركية قبل خمس سنوات. بل رفضت واشنطن تزويد المعارضة السورية بالأسلحة الدفاعية التي احتاجت إليها بشدة، أقصد الأسلحة المضادة للطائرات. لقد فعلت ذلك لأنها لم تكن تريد سقوط النظام: تريد فقط بعض التغيرات داخل النظام، مع الحفاظ على الدولة القائمة. أولئك اللذين شاركوا بالانتفاضة السورية متوهّمين أن أميركا ستتدخّل لصالحهم، خابت آمالهم بشدةٍ ومرارة». هذه الأسطر من المقابلة مع جلبير، تكثف مأزق اليسار أميركياً. من جهة يقول ويؤكد على أن أميركا قادرةٌ منذ خمس سنوات على إسقاط النظام، ثم يدين وهمَ المعارضة أو القسم منها الذي راهن على أميركا. لماذا لم يقل جلبير روسيا أو الصين أو فرنسا على سبيل المثال؟ لأنه يدرك عمق السيطرة الأميركية على الوضع الدولي عموماً، والشرق أوسطي خصوصاً. أميركا تستطيع التحرك لوحدها لو أرادت، لكن لا تستطيع أي دولة أخرى التحرك لإسقاط الأسد بمفردها. أميركا لم تعد مسيطرة على العالم فقط بقوة عسكرها، بل باتت مهيمنة على العالم أيضاً، بقوة حضارتها وثقافتها ومؤسساتها الإعلامية ومنتجاتها المرئية والمسموعة، التي دخلت كل بيت في العالم تقريباً، بقوتها المعلوماتية التي لم تنل منا كيسارٍ الاهتمام الكافي. أميركا التي لها حصة في كل «كريديت كارت» سواء كان visa أو master، وكلنا يعرف عندما هددت بإيقاف عملهما في روسيا ماذا حصل هناك؟ أميركا التي تتحكم بالعالم معلوماتياً، حيث شبكة الإنترنت الخاصة بها توصلها إلى أصغر بيت في هذا العالم. ماذا يعني هذا؟ أميركا التي حولت أقرب حلفائها، إلى ما يشبه الشريك الصغير بمرتبة منفذ، هذا ينطبق الآن تماماً على فرنسا وبريطانيا. ستبقى البشرية تحت الهيمنة الأميركية، مادامت البؤرة المولدة للمعلوماتية هناك في واشنطن.

يجب مقاربة العلاقة الأميركية مع الصين والهند، لمعرفة كيف تنظر أميركا أيضاً إلى هذا العالم. كان اليسار في السابق، وقد كنا جميعاً نعتقد أن كل واحد فينا لينين العصر، يبدأ أي كتابة بتحليل الوضع الإمبريالي في العالم. من هي الدول الإمبريالية الآن؟ ما موقع أميركا من هذه الإمبريالية؟ أميركا قامت بعملين في لحظة سقوط السوفييت، إنهاء الأبارتيد في إفريقيا، وإعطاء روسيا مقعد الاتحاد السوفييتي في مجلس الأمن، خلافاً للنظام الداخلي للمجلس. هذان العملان إضافة إلى دعم الانتقال الديموقراطي في كثيرٍ من الدول، لم يكلف هذا اليسار خاطره بقراءتهما وقراءة التحولات في العالم قبل عقدين ونصف. مسألةٌ أخرى، هنالك فارقٌ بين أن تهاجم أو تنتقد سياسة إدارةٍ من إدارات أميركا، وبين أن تتحدث عن أميركا كدولة ومشروع سيطرة وهيمنة عالمية. ينعكس هذا الفارق من خلال الممارسة السياسية، التي يجب أن تستند إلى فهم جديد للعالم ولأميركا.

العالم الآن كله رأسمالي بقضه وقضيضه، والأنظمة الديكتاتورية عامةً، هي بقايا يحاول قسمٌ من القرار الأميركي، كمصالح ودولة وإدارات، أن يعيدها لتصبح أكثر من مجرد بقايا، هذا العمل لم نلحظه إلا في فترة باراك أوباما. ثماني سنوات حكم فيها أوباما العالم على هذا الأساس، واستطاع أن يبيض النظام الإيراني والنظام الكوبي والمصري بزعامة السيسي!! وأخمدَ نار الملف الكوري الشمالي، كما أخمدَ القرار الدولي بجلب عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، والأهم هو تغطية قتل الأسد وإيران وروسيا للشعب السوري. كما أن العلاقة مع روسيا باتت تنبني وكأنها علاقة شخصية مصلحية بين بوتين واوباما!! لأنه إذا كان أوباما محكوماً بمراكز قوى ومصالح عليا لأميركا، فإن بوتين محكوم لشخصه ومصالحه ومصالح مراكز القوى التي تدعمه بوصفه ديكتاتوراً ومجرماً، ومع ذلك فإن بعض اليسار السوري مريضٌ ينظر إلى بوتين وكأنه ممثله كيساري!!

نحن محكومون بالسياسة، محكومون بميزان قوىً علينا معرفة قواه وتفكيك أطرافه الفعلية كي نعرف كيسارٍ كيف نتعامل معه. في خاتمة هذه المساهمة المتواضعة، أميركا الراهنة هي مأزق اليسار في كل العالم، خاصةً في الشرق الاوسط. ضمن هذا الهامش علينا أيضاً قراءة الأدوار التركية والإيرانية والإسرائيلية.

اليسار الآن بوصفه مهمة شبه مستحيلة.

نحو كتلة ديمقراطية

«البديل والفاعل السياسي»، هنا السؤال العملي كما تم طرحه في وقت سابق كنقاش مفتوح في «الجمهورية». الكتلة الديمقراطية المرجوة، ليبراليون مع كتلة وازنة من مصلحة طبقية في قيام نظام ديمقراطي ليبرالي بشكل أساسي، ويساريون وقوميون وإسلاميون. على مستوى التيارات السياسية، هذه الكتلة أهم نقطة في برنامجها، هي الجواب على السؤال الأميركي سياسياً. أي طرفٍ في العالم يمكنه أن يبدأ أي شيء، لكن لا يمكنه إنهائه بدون أميركا.

ما تبقى يبقينا في دائرة العمل القطاعي والتنظير المتعالي على هموم الناس، بينما علينا الانخراط في ممارسات عملية توحي على الأقل، أن هذه الكتلة تسير في هذا الطريق، طريق يلمس الناس من خلاله أن هذه الكتلة تساهم بحل مشاكلها أيا تكن. فيها شيءٌ من «الشعبوية» المعاصرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها ممرٌ حتمي لنا كيساريين. البرامج كثيرة لكننا نحتاج للفعل، وعندما نقول كتلة ديمقراطية، فإنها يجب أن تتحلى بحد أدنى من وحدة الخطاب السياسي. يجب أن يشكل فيها المثقفون حجر الزاوية في خطاب هيمنة أدبي موحد بخطوط عريضة، كما أن الخلاف في الحقل الثقافي، يجب ألا يحجب إمكانية الاتفاق العام في الحقل السياسي.

الابتعادُ عن التنافسات الضيقة، الاقتراب من الممارسة الديمقراطية قولاً وفعلاً، تجسيد ذلك عبر الحوارات والتواصل مع الناس ومع بعضنا كيساريين. الابتعاد عن ثقافة الهامش، التي تستطيع أن تمطر العالم أخلاقاً، لكنها لا تستطيع تغيير سنتيمترٍ واحدٍ في السياسة.

إذا كان اليسار جاداً فعلاً في لعب دور حقيقي، فإن عليه الغوص أكثر فأكثر في الحقل السياسي، بكل ما يتطلبه هذا الحقل أحياناً من تلوث البنية الأخلاقية للمظهر الهامشي. هامش العالم لا يغير العالم، الرأسمالية مقتلها جشعها وآليات حصولها على معدلات عالية من الربح بأقل التكاليف، هنا ما يُبقي دور اليسار عالمياً.

موقع الجمهورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى