صفحات سورية

اليسار والإسلاميون في سورية


وليد خليفة

في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، حاولوا إنهاء حكم الأسد الأب، لكنه نجح في تفادي السقوط، حينها أيقن تماما بأنه خليفة الأموي، معاوية بن أبي سفيان، طرد شقيقه رفعت من القصر، ليرتب أمر التركة لنجله الأكبر، باسل، أول خلفاء السلالة، رأى الشاعر السوري، أدونيس، ملامح الحسين بن علي في باسل، كان أدونيس وشلة من نخبة سورية تشبهه، مشغولة أكثر من جيمي كارتر والرهائن الأمريكيين وميتران وتاتشر بمستقبل الثورة الإيرانية، تشرح مزايا نظرية أحقية الإمام، فيما كان العالم ينشغل إلى جانب ثورة الإيرانيين بالحرب الأهلية اللبنانية والتكتلات الإقليمية، مجلس التعاون الخليجي، الأوبك، مشروع الاتحاد الأوروبي، والحرب العراقية الإيرانية، الحرب الباردة بين القطبين.

 تدني ترتيب سوريا في تصنيفات التنمية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، كان يشبه حراك مقام الأسد، لا مقام سوريا، قرب أواخر الثمانينيات ظهر وكأن سوريا ستتوقف عند مخاض عسير، الحرب العراقية الإيرانية انتهت، غورباتشوف يقوم بتفكيك الاتحاد السوفياتي، الحرب الأهلية اللبنانية تنتهي بتوقيع اتفاق الطائف بتسمية رفيق الحريري رئيسا للحكومة وممثلا للقوى المنتصرة في المنطقة والمتمثلة في دول الخليج، أو حسب اللغة البعثية، قوى الرجعية العربية، صدام حسين يغزو الكويت ويستبيحها، لا خيار للأسد إلا بالوقوف مع العالم لرد شبيهه ومنافسه التاريخي في ملعب البعث، ياسر عرفات يتضامن مع صدام، ينتهي عرفات فتسعفه أوسلو ببقايا زعامة افتراضية، اليمن الجنوبي يذوب في قبضة علي صالح، اليسار العربي يتيم بلا سقف يحميه، القذافي ينتحر في مطارات العالم فيصرخ من وجع الحصار، الوريث باسل يموت بحادث سير، كان لا بد من حصول شيء ما في سوريا، جاءته الفكرة من الخصم المهزوم، أو من المجتمع المهزوم تحت ضربات مخالبه، اليسار هو المنقذ، القليل من الهواء لتدجين من فروا بجلودهم من الجنون الفالت من عقاله، لتمهيد الطريق للوريث الثاني، بشار، يعود بعض مثقفي سوريا الغائبين في باريس والكويت ولندن والجزائر ودبي، الراحل هاني الراهب، حيدر حيدر، محمود السيد،… ليقودوا العربة الثقافية في قطار الأسد، تنتشر العمالة السورية في الخليج كنتيجة للمشاركة السورية في تحرير الكويت، بعد سنوات ستتحول هذه العمالة إلى حاملة للعدوى، عند مفترق التسعينيات، بدأ وجه الأسد الأب يخفت، صار ظهوره معجزة، ندرت خطبه المباشرة حتى اختفت تماما، بدأ الوريث خطواته في التمرين باللبنانيين، فيما واصلت الحاشية واجباتها في ممارسة السرقة وامتصاص ما تبقى من دم في عروق السوريين، ماتت الأحزاب المعارضة في الداخل تماما، استبدلهم النظام بمعارضة من صناعتها، ملامحها نفس ملامح النظام، لكل حزب زعيم مطلوب منه تكرار نسخة من ” المعلم = الرئيس “، بكداش ورّث حزبه الشيوعي للعائلة، تحولت هرمية السلطة إلى مقياس مطلوب تكراره في كل المؤسسات والأحزاب الناصرية والشيوعية والقومية الكردية والعربية وصولا إلى المؤسسات الدينية الإسلامية السنية والعلوية والشيعية والاسماعيلية والدرزية، رئيس كل حزب ومؤسسة وتجمع هو أسد قزم حوله حاشية مقزمة عن حاشية الزعيم، أصبح اليسار لقيطا، غير مخيف، لا يستحق حتى الشفقة، فيما النظام يبحث عن عدو، يصلح أن يبرر أفعاله، إسرائيل لم تعد تكفي، خاصة بعد مفاوضات مدريد وأوسلو وأنقرة، حركة الإخوان المسلمين هي العدو على طول الخط، النظام بخبرته يلتزم عدم الظهور أمام الناس كخصم للدين بل العكس كحامي ومروج له، لذا لا بد له أن يقف بعيدا، ينيب عنه الخدم، لم تكن هناك حاجة للبحث عن خادم، فالخادم يجلس أمام الباب ينتظر إيماءة عين من السيد…. حرب شعواء ضد الإسلام السياسي، هدفها الإخوان، يُرمى لأمراء الحرب بعض الفتات من خزائن النهب، بعضهم خرجوا ليخدموا أنظمة أخرى شبيهة، القذافي مثلا، المثقفون أبطال مأجورون أو منفيون بعضهم خرجوا ليخدموا أنظمة أخرى شبيهة، القذافي مثلا، المثقفون أبطال مأجورون أو منفيون محرومون من كل شيء، بعضهم من لم يجد مكانته في قطار النظام وجد ضالته لدى صدام وشعر بفداحة اليتم بعد تحرير الكويت، بعضهم أشار خجلا إلى فساد أطراف في النظام ودغدغ دعاية الديمقراطية الشعبية لدى الديكتاتور المتغول.

 طوال فترة ال32 عاما الأخيرة من عمر سوريا، كانت غالبية الناس تنظر إلى المثقفين المعروفين في سوريا باعتبارهم جزء من النظام وإلى الإسلاميين باعتبارهم أبطالا محكومين بالسجن والإعدام، استبشر النظام بقدرته على تحويل اليسار القومي العربي والكردي والنخبة الثقافية إلى شيطان مصنوع من ورق وحبر وضمائر ميتة، باستثناء تجربة حزب العمل الشيوعي، فيما تكفل صدام حسين بإفراغ يسار البعث السوري والشيوعيون القوميون ” جماعة رياض الترك” من أي نزوع إنساني وإفراغ سوريا من أنصارهما.

 عندما انطلقت الثورة في 15 آذار مارس 2011، لم يستطع اليسار تغيير صورته المرسومة في أذهان السوريين، كشف عن عجزة وعدم قدرته على إزالة رائحة عرق الأسد عن جلده، تحول الكثير منهم إلى شطّار وعيارين، أول من بحثوا عن الغنيمة بضمائر ميتة، نظر البسطاء المتظاهرون في المدن السورية إليهم بدهشة، صاروا مصادر للإشاعات التي تعتمد عليها ماكينة الديكتاتور، تركتهم الناس وذهبوا إلى الملعب العام، في اللحظة التي يمكن اعتبارها لحظة الذروة لكل ما سبق، سمعت الناس بيانات الإسلاميين ووجوههم، ناهيك عن القاعدة التي تقول إن انصار هؤلاء ينتعشون كلما ازداد معدل البؤس والجهل وانخفض مستوى التحصيل العلمي، والأسد الأب والابن لم يتوانيا يوما عن تجريف سوريا من كل حياة والمؤسسات التعليمية من أي معنى، فيما واظبا على الدوام على خلق تعليم موازي من خلال معاهد تعليم الدين ” معاهد الأسد لحفظ القرآن وعلوم الدين، معاهد الفتح، معاهد كفتارو والخزنوي والقبيسيات و….

ايلاف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى