ابرهيم الزيديصفحات المستقبل

اليوم العالمي لبؤس الأطفال السوريين/ ابرهيم الزيدي

يوماً ما، ستضع الحرب أوزارها، ويرفع الليل نخب الصباح. يوماً ما، ستأخذ المدن في طريقها كثيراً من الأسماء إلى المقابر، وسيجد اللاجئون السوريون وطناً يجمعون فتاته. آنذاك سنبحث عن دموع لنبكي أطفالنا الذين اختصرتهم شواهد القبور، وسنشيّد منازل لتحمل جدرانها صورهم، وسنترك عيوننا على دروب أحبتنا الذين استوطنت الغربةَ نفوسُهم.

يوماً ما، سيعود أولئك الذين انتهكتهم الحرب، وحرمتهم من مدارسهم وألعابهم، فكبروا بعيداً عن طفولتهم، بعيداً عن كتبهم، ودفاترهم، وأقلامهم، ليكتبوا تاريخ سوريا الحديث، بحسن النيات.

150000 طفل، انقطعوا عن مدارسهم في الداخل السوري، يضاف إليهم في لبنان وحده 280000 طفل، أعمارهم بين 6 سنوات و17 سنة، وقد أشارت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في بيروت إلى أن 90 في المئة منهم لم يلتحقوا بالمدارس. وثّقت المفوضية، تسجيل 20000 تلميذ فقط حتى هذا التاريخ. أما الذين أصيبوا، والذين تشوّهوا، والذين تعقدوا، والذين نزحوا، فحدِّث ولا حرج. لقد تحول أطفال سوريا إلى هدف يتقن الجميع إصابته! فهم علامات الترقيم التي لا يمكن قراءة المشهد بشكل صحيح من دونهم.

إن ما يحدث في سوريا اليوم، يحتمل كل ما يخطر في البال من مصائب، فالثورة تحولت إلى عنوان يحمله متن النص، في الهامش ثمة عناوين تحمل من الخطورة ما يستدعي أن تُدَقّ لها نواقيس الخطر، ليس أهمها ما تعرضت له الليرة السورية من سقوط في سوق العملات، أو رحيل رأس المال السوري إلى الخارج، أو هجرة العقول، والأيدي الماهرة. ثمة ما هو انساني قبل هذا،، لا يحتمل النظر إليه من أيّ زاوية أخرى، ولا يحتمل التأجيل أيضاً. فالعالم الذي أخذ موقف المتفرج من الدم السوري، سارع إلى اتخاذ كل الإجراءات الوقائية حين تأكد من انتشار فيروس مرض شلل الأطفال في سوريا.

قامت منظمة الصحة العالمية، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) بحملة تطعيم تهدف إلى تلقيح أكثر من 20 مليون طفل من سوريا ومن البلدان المجاورة ضد مرض شلل الأطفال، بعد أسبوع من إعلان المنظمة حال الطوارئ، وتمكنت حملات التطعيم الطارئة، من تحصين أكثر من 650 ألف طفل في سوريا، من بينهم 116 ألفا في محافظة دير الزور وحدها. لا شك في أن هذه الجهود تستحق الشكر والامتنان، لا بل أكثر من ذلك، إلا أنها لا تمنعنا من أن نتساءل: لماذا شلل الأطفال، وليس التيلاسيميا على سبيل المثال؟ أو كلاهما؟ ألأنّ شلل الأطفال مرض فيروسي مُعدٍ؟ وقد خشيت المنظمات الدولية من أن ينتقل إلى أوروبا، سواء مع المهاجرين السوريين، أو من طرق أخرى؟ ما معنى أن يترك 540 طفلاً في محافظة الرقة وحدها، يعانون من مرض التيلاسيميا بلا دواء؟! وما معنى وجودهم في قسم العناية المركزة، إذا كان المشفى، إضافة إلى إفلاسه من الدواء، هو الآخر عرضة للقصف!؟

حين نظرت ريم اسماعيل، 11 سنة، في عيني، خجلتُ من انتمائي إلى الجنس البشري، ومن قلم لا تحمل كتابته الدواء إليها. لم تكن عيناها الذاويتان قادرتين على حمل أحلام الطفولة، ولم تكن يدها الناحلة قادرة على الإمساك باللعبة التي أحضرتها لها.

البؤس كما الترف، ليس له حدود، وبؤس الأطفال السوريين يتجاوز ما ألفه الناس. فعلى هامش الاحتفال الأممي بيوم الطفل العالمي، أحصت جمعية مناهضة التسرب المدرسي، وعمالة الأطفال السوريين في بيروت، هؤلاء المتسربين من المدارس، لصالح سوق العمل، فوثّقت 12 حالة، في منطقة الحمراء وحدها. أما بيع الأعضاء بين الكبار، فقد أحدثت الكلى السورية خرقاً في الأسعار في بورصة الأعضاء البشرية. ولأن العرض أصبح أكثر من الطلب، فإن الشائع أن عمولة الوسيط أصبحت أعلى من ثمن الكلية، التي ثمنها 15000 دولار، حيث يذهب منها بين 8000 إلى 9000 دولار إلى الوسيط. يأخذني قول كانط “إن توقفت سعادة العالم على قتل طفل، فإن قتله جريمة” بعيدا في لا واقعيته. يا الله ما أكثر الجرائم التي ترتكب الآن في حق السوريين! أما الرقة التي أخذت موقع النقطة في آخر سطر الثورة، فأصبحت حقل تجارب، وكأن المعنى لا تكتمل دورته بدونها، وأطفالها لا تزال أمهاتهم تغلي الحصى، وتحركها في القدور، لعلهم ينامون. الحالمون منهم بالمدرسة عليهم أن يعيدوا ترتيب أولوياتهم، فالفقه ومعرفة أحكام التجويد، والصلاة والحجاب والبرقع، وكأني بهم سيلتحقون بعد ذلك بتورا بورا. تلك هي الرقة التي زحفت عليها مقابر الأطفال. فهل ثمة فراغ في التاريخ؟ وإلا كيف دخل علينا هذا كله؟ ومن أي باب؟

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى