ابرهيم الزيديصفحات الناس

اليوم خمر وغداً سكس/ ابرهيم الزيدي

 

 

وحدها الأرقام يمكن جمعها في أي مكان؛ على ورقة بيضاء، أو صفحة جدار، أو باب متهالك. عملية الجمع تحدث في الأذهان. أمّا أن تعيش أسرة في خيمة فرديّة، أو غرفة لا تتجاوز مساحة حمّام، فسيتحول أفرادها إلى مخلل، أو مكدوس. هذه هي قصة السوريين الضائعين في مخيمات الوجع، من الزعتري إلى هاتاي، مرورا بالبقاع. ليست ببعيدة عنهم، أوضاع أخوتهم في النزوح. أولئك وهؤلاء، وجها المأساة السورية، أما الحياة الكريمة فهي لمن أدرك أن الوطن غال، فباعه، لتسقط عن أغصان شجرهم اليابس، أحلامهم الخضراء، ويتحولوا إلى كائنات بيولوجية، يمكن اختصارها بسلة غذائية، تقدمها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أو الهلال الأحمر. يتحول ليلهم إلى ظلام فقط. تمكث في قاعه البهيم، رغباتهم التي لم يعد الوصول إليها ممكناً، وحقوقهم التي أصبحت ترفاً بعيد المنال، وأحلامهم التي ودّعت ما بقي في ذاكرتهم من خيال. فالمريض، كما يقول أرسطو، لا يستطيع أن يلبس ثوب العافية، بمجرد رغبته بذلك. غدنا هو الغد الذي ننتظره، وليس الذي نصنعه.

المأساة السورية، على رغم التوثيق اليومي لمعطياتها، والحضور الاعلامي الذي لم يسبقه مثيل عبر التاريخ، لا يزال الكثير من وجوهها طي الكتمان أو التجاهل. ستظهر النتائج الكارثية لمتلازمة القهر السوري، قريباً، لا بل قريباً جداً. لن تقتصر على بيع الأعضاء، وزواج القاصرات، وتراجع شرائح اجتماعية كبيرة إلى ما وراء خط الفقر، وانتشار الأميّة. بل ثمة مشكلات اجتماعية هائلة، ومترابطة، ليس أولها التفكك الأسري، ولن يكون آخرها ما لا نريد ذكره. الأنظار الآن تركض بين القذيفة والخبر العاجل. هناك من يقول: ستعود المياه إلى مجاريها، ويتناسى أنها لن تكون صالحة للشرب. الكل يبحث عن إثبات وجهة نظر وليس عن الحقيقة. لم يفكر أحد في تجسير الهوة بين الافتراضات الإعلامية والوقائع. حياتنا أصبحت مادة إعلامية، حقوق نشرها غير محفوظة. فاكتب ما تشاء؛ المأساة السورية تحتمل. أثناء حرب الخليج كتب جون بودريار تحت عنوان “حرب الخليج لم تحصل”: “كلّ من لا يتعرّف على الحرب عبر التجربة المباشرة، لا يطلع فعليّاً على الحرب، بل على تمثيلٍ لها، يخلقه الاعلام والتلفزيون والايديولوجيا”. باعتباري إبن الحالتين، اللجوء والنزوح، عشت، وعايشت، وخبرت الكثير مما لم يتطرق إليه إلإعلام. فوجود أفراد الأسرة، ومن معهم من ذوي القربى في غرفة، أو خيمة، يجعل العيون تنام، لكن الغرائز إذا جاعت فلا يمكن أن تنام. أغلب الدراسات النفسية تؤكد أن الغرائز، وخصوصاً الجنسية منها، تستيقظ في الحالات التي يتهدد فيها الوجود الإنساني. مشكلتنا أننا نستطيع أن نرى الفعل، ولكن لا نستطيع رؤية الدوافع التي تحركه. نستطيع رؤية الخلافات الزوجية، ونسمع أنها قامت من أجل الأولاد، أو غير ذلك. الحقيقة أن الأولاد ليسوا سوى ذريعة. ثمة كبت يستفحل ويتمظهر بأشكال مختلفة. روى لي رجل خمسيني، في إحدى السهرات، أنه منذ ثمانية أشهر لم يقترب من زوجته. كل يوم يقول: اليوم خمر وغداً سكس. خلصنا الخمر، وما إجا السكس.

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى