صفحات العالم

اميركا الخطرة


ساطع نور الدين

لأن اميركا دخلت في طور الانحدار، صارت متابعة مواقفها ونقاشاتها الداخلية حول الأزمة السورية، محيّرة ومضحكة احيانا، عدا عن كونها مثيرة للريبة الطبيعية في كل ما يصدر من واشنطن… منذ أن كانت عاصمة الكون ومصدر الهامه حينا وخرابه احيانا.

ما يقوله الأميركيون، مسؤولين وباحثين وإعلاميين، عن سوريا هذه الايام لا يمكن فهمه كما لا يمكن تصوره. ليس من السهل القول إنه ينم عن جهل أو عن سوء فهم. سوء النية هو التفسير الوحيد الذي يمكن ان يخطر في البال، تجاه سوريا كلها، ويستوي في ذلك النظام والمعارضة.

يمكن أن يعزى سوء القصد الأميركي الى التاريخ العدائي المعروف، الذي لا ينحصر بالسوريين وحدهم بل يشمل العرب والمسلمين جميعا، كما يمكن أن ينسب الى الثورات العربية التي فاجأت الأميركيين اكثر من سواهم وأربكت برامجهم العربية والإسلامية التي كانت مستقرّة على معادلة الاستبداد والاستقرار، ولا تزال . ولم تتوصل اميركا حتى الان الى سياسة للتكيف مع هذه الثورات والسلطات الاسلامية التي تفرزها، وهي تستخدم الابتزاز حينا والضغط احيانا، لكنها تشعر بأنها فقدت الكثير من النفوذ والدور في الكثير من الدول العربية التي أسقطت طغاتها.

منذ اللحظة الاولى للثورة السورية، التزمت واشنطن موقفا أشد تحفظا مما عبّرت عنه إبان الثورات العربية الاخرى، ما تسبب في حذر تركيا وتروّي اسرائيل وتردد العراق وتريث الاردن وتقدم ايران وتوتر لبنان وبقية الدول العربية التي اشتبهت ولا تزال بان ثمة لغزا أميركيا، لا يمكن أن يفكّه الأوروبيون وحدهم. لم يدر في خلد احد غير الروس والصينيين طبعا أن اميركا لم تعد تلك الدولة العظمى التي لا يرد لها قرار.

كانت واشنطن ولا تزال مناهضة لنظام الرئيس السوري بشار الاسد، لكنها كانت العاصمة الاخيرة التي تناديه بالتغيير بشكل موارب. كانت واشنطن ولا تزال مع المعارضة السورية لكنها كانت العاصمة الاولى التي شككت بهذه المعارضة والتي اكتشفت وجود جماعات مسلحة في صفوفها، حتى قبل ان تتوصل موسكو او طهران الى مثل هذا الاكتشاف، الذي أضفى عليه الأميركيون مؤخراً بعدا جديدا بكلامهم العلني المتكرر عن وجود تنظيم القاعدة، الذي لم يغب عن سوريا يوما.

وفي هذا السياق، يندرج الاداء الأميركي في مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس، والذي بدا كأنه يعرقل اندفاع العرب والأوروبيين وحماستهم المفرطة للتورط. وهو ما نسبه كتاب أميركيون الى قلّة كفاءة وخبرة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، فيما طرح آخرون علامات استفهام اكبر حول موقف واشنطن… وتواطئها مع موسكو على صفقة ما في سوريا تنتظر انتهاء الانتخابات الروسية الأحد المقبل!

لا يمكن التسليم بأن اميركا محيّرة فقط لأنها هي نفسها حائرة نتيجة كونها دولة عظمى في حالة انحدار. ثمة ما هو أخطر من ذلك بكثير. والتاريخ خير دليل…

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى