سعيد لحدوصفحات سورية

انتحابات في سوريا… مرة أخرى/ سعيد لحدو

 

 

ياخراب بيتي…

هذه أول عبارة يمكن أن يسمعها السوري من امرأة في حي شعبي كأول رد فعل منها على سماعها نبأ فاجعة ما بأحد أفراد عائلتها. تتلوها انتحابات تختزل واقع الحال وتفسر كل مافي الحياة من فواجع ومآسٍ. 

قبل سبع سنوات تماماً وفي مثل هذا اليوم وبمناسبة إعادة (انتخاب) القائد المفدى الرمز والبطل، الابن بشار الأسد، كنت قد نشرت مقالاً في موقع الحوار المتمدن ومواقع أخرى مختلفة عنوانه (انتحابات في سوريا). ولكي لايعتقد القارئ أن هناك خطأ مطبعي، أؤكد بأن النقطة انزاحت عن حرف الخاء ليصبح حاءً، بفعل الأهوال التي مورست على الشعب السوري من الأب القائد ونظامه، فجاء ابنه ليزيد في فظاعة تلك الأهوال والمآسي عبر سنواته السبع العجاف الأولى ليستكملها بسبع تالية أعادت سوريا الوطن والشعب والحضارة قروناً إلى الوراء. ويأتي الآن ليستكمل دوره الذي رسم له بعناية فائقة ليدفع بنا جميعاً إلى مابعد العصر الحجري في منطق التفكير والتعايش والأخوة الوطنية. وذلك من خلال تنطحه لهذه (المسؤولية) التي لا أظن أن هناك سورياً غيره يقبل بأن يقوم بهذا الدور القذر من تدمير بلد يفترض أنه بلده. وقتل وتهجير شعب اعتقدنا بطيب نية أنه منه!!! يأتي اليوم مجدداً ليُدخِل الانتحابَ لكل بيت وعائلة سورية بكوميدياه السوداء التي يسميها (انتخابات).

لم تكن قطعاً نبوءة تلك العبارة التي وردت في مقالتي إياها قبل سبع سنوات مضت يوم لم تكن ثورة بعد قامت، ولم يكن أحد يجرؤ حينذاك على التفكير بها. تقول العبارة: (والخير لاشك قادم بمشيئة القائد الرمز الذي بات يوزع عمائم بن لادن في كل مكان من زوايا المجتمع السوري عوضاً عن هدايا الأعياد. ولا ينسى, ومن لا ينسى جليل عظيم, أن يترك فتيل تلك العمائم في أيدٍ مخلصة أمينة, وهي الأجهزة الأمنية التي تعرف واجبها تماماً تجاه مواطنيها . ويا غافل إلك الله).

إن ماكتبته حينذاك وقبله مراراً عديدة، هو ما يعرفه كل سوري مهتم، كما أعرفه وأكثر، عن حقيقة هذا النظام وأساليبه الملتوية في الوصول إلى غاياته غير النبيلة، دون أي رادع أو وازع وطني أو أخلاقي أو إنساني. ولقد قامت تلك الأجهزة الأمنية بمهامها الموكلة إليها بأفضل مما يجب. وما نراه اليوم ونشهده على الأرض السورية من داعش وحالش وغيرها، ما هو إلا مادُرس وحُضِّرَ  له من قبل أجهزة النظام تلك لحشر الشعب في زاوية الإرهاب إذا ما عنَّ له يوماً أن يثور مطالباً بحقوقه وكرامته. أما من لايعرف هذه الحقيقة فهم فقط المغفلون.

وفي عبارة أخرى وردت في المقالة ذاتها تحصل مقاربة للواقع الحالي لتشابهه المفرط مع ماكان قبل سبع سنوات مع فارق التدمير النفسي والمادي الهائل للبنية السورية الحضارية برمزيتها المميزة في المنطقة عموماً. وأكاد لا أستطيع أن أغير حرفاً من مفردات العبارة: (كلما أصر نظام شمولي على دفع الجماهير “الغفورة” (على حد تعبير الرحابنة) إلى الشارع للهتاف الممل إلى حد القرف “بالروح بالدم”, كلما أدركتَ أن أزمة هذا النظام تزداد عمقاً إلى الحد الذي يضطر معه للجوء إلى دفع عشرات الآلاف من الناس كل يوم ويجبرهم للنزول إلى الشارع في مسيرات آلية تسيَّر بالريموت كونترول مع رسم علامات سرور مصطنعة على الوجوه لإقناع الناس بأنهم سعداء. ودائماً يستطيع النظام أن يجد مناسبة لتلك المسيرات طالما أنه “يقارع ويتصدى” لأخطر وأقوى المؤامرات الإمبريالية. وطالما أنه نذر نفسه ليكون الصخرة التي ستتحطم عليها كل تلك المؤامرات, بما فيها “مؤامرات” الشعب السوري من ربيع دمشق إلى إعلان دمشق- بيروت… وإلى كل ما يستجد من أولئك المتآمرين الذين “أضعفوا الشعور القومي وأوهنوا عزيمة الأمة” بحديثهم عن ضرورات الإصلاح والتغيير الديمقراطي.)

هذا ماكان حينها وقبل ذلك الحين لعدة عقود من نظام التسلط والطائفية. تضاف إليها اليوم (المؤامرة الكونية) التي توسعت بحسب النظام بقيام هذه الثورة الشعبية التي استجدت الآن، ولم يكن لضحايا الاستبداد حينها من مناضلي الربيعين سوى فضل ضئيل في قيامها. لكنه الانفجار الذي لابد منه بعد كل هذا القهر المديد بدون أية بارقة أمل بالإصلاح الذي ظل جعجعة فارغة.

يأبى القائد الفذ إلا وأن يذكرنا بإنجازاته التاريخية التي لم يسبقه إليها أحد، حتى نيرون الطاغية. هاهو يجسد شعار عصاباته بحرق البلد بمن فيه. ولأنه مازال هناك في سوريا شعب يأبى أن يخضع حتى وهو مهجر أو معتقل أو شهيد، فإن بشار الأسد مازالت أمامه مهام يريد أن يستكملها. وهو لذلك بحاجة لسبع سنوات أخرى، أو على الأرجح أكثر، ليقضي على مايعتقد أنه قادر على القضاء عليه. لكن التاريخ لم يتحدث لنا عن شعب مهزوم، وإنما عن حكام موبوؤون بالوهم والهزيمة والخذلان.

فلتكن انتحابات في سوريا مرة أخرى، ولكن لأولئك الذين يعاندون مسيرة التاريخ وصيرورة الحياة. أما الشعب فسيبقى ليعيش وينتخب.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى