صفحات العالم

انتفاضة الشعب السوري ونفاق شيوخ الوهابية

 


عبدالخالق حسين

اجتاحت الانتفاضات الشعبية البلاد العربية منذ أشهر حيث اندلعت شرارتها الأولى في تونس، ثم انتشرت كالنار في الهشيم فشملت مصر، واليمن، والأردن، والبحرين وليبيا، وأخيراً سوريا. ولحد الآن أطاحت هذه الانتفاضات بنظامين متحجرين جائرين وهما، نظام بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، أما الرئيس اليمني، علي عبدالله صالح، فيفاوض على مخرج آمن له، والقذافي فقد السيطرة على النصف الشرقي من بلاده، وهو على وشك الانهيار. فالتاريخ ليس إلى جانب الطغاة، ومآلها الانقراض حيث بدأت الشعوب العربية بنهضتها للتخلص من الأنظمة الأبوية (البطرياركية) المستبدة التي أكل الدهر عليها وشرب، والتي باتت عقبة كأداء أمام التقدم، ولتقرر الشعوب مصيرها بنفسها وتبني أنظمتها الديمقراطية.

بطبيعة الحال، نحن مع الشعوب في انتفاضاتها ضد حكوماتها الجائرة. ولذلك نؤكد دعمنا وموقفنا المؤيد للشعب السوري في انتفاضته الشجاعة ضد النظام البعثي الجائر. وكعراقيين، نعرف ماذا يعني حكم البعث، إنه باختصار شديد يعني: الجور والظلم والتخلف والدمار الشامل. كما ونعرف عن تجربة سابقة في التعامل مع البعث، حجم مخاطر الانتفاضة على هكذا نظام دموي مستعد لإبادة الشعب بكامله وبمنتهى الوحشية في سبيل البقاء في السلطة، إذ يعرف العالم أن صدام حسين وأجهزته القمعية، وجيشه المؤدلج بأيديولوجية البعث، قد قتل نحو 700 ألف من العراقيين إثناء انتفاضتهم عام 1991. وهذا ما يفعله النظام البعثي السوري الآن في مواجهة التظاهرات السلمية وذلك بارتكاب المجازر الوحشية ضد المتظاهرين العزل. فخلال الأيام القليلة الماضية قتلت قوات النظام أكثر من مائتي شخص، إضافة إلى مئات القتلى خلال الأسابيع الأربعة الماضية، أما أرقام الجرحى والمعتقلين فغير معروفة، لأن النظام البعثي منع وسائل الإعلام، وخاصة الغربية من دخول سوريا. يعني أثبت البعث السوري أنه أكثر سوءً حتى من نظام القذافي في هذا المجال حيث سمح الأخير لمراسلي الإعلام العالمي بنقل الأخبار عما يجري في ليبيا.

وقد ذكرنا مراراً أن البعث هو بعث، وعلى الضد من شعاراته المعلنة، فهو ذو أيديولوجيا فاشية واحدة، ذات رسالة فاسدة، معادية للإنسانية، سواءً كان البعث العراقي بقيادة صدام حسين، أو البعث السوري بقيادة حافظ الأسد، ومن بعده ابنه بشار الأسد، الذي أراد له والده أن يعمل جزاراً للشعب السوري بدلاً من ممارسة مهنته الإنسانية التي اختارها هو كطبيب مختص في أمراض العيون.

ولكن ما يثير القرف والاشمئزاز هو موقف الإعلام العربي الرسمي وشيوخ الوهابية من انتفاضات الشعوب العربية، والنظر إليها بمعيارين، حيث كشفت عن وجهها الطائفي الكالح القبيح وبدون أي خجل أو حياء. ففي الوقت الذي وقف هؤلاء مع انتفاضات الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا والأردن واليمن، نراهم وقفوا ضد انتفاضة الشعب البحريني، لا لشيء إلا لأن غالبية الشعب البحريني من الشيعة، والأسرة الحاكمة من السنة، فعندئذ صارت الانتفاضة في نظرهم طائفية فاشية وراءها إيران المعادية للشعوب العربية !!! وقد أصدر الشيخ يوسف القرضاوي فتوى على شكل خطاب بهذا الخصوص، كما وأرسلت السعودية قواتها لسحق الانتفاضة.

كما وجاء تأييد هذه الجهات لانتفاضة الشعب السوري لدوافع طائفية وليس لدوافع تقدمية وإنسانية وحباً بالشعب السوري، إذ أفادت الأنباء من الرياض- يو بي اي: أن ” وصفَ عضو هيئة كبار العلماء السعودية، الشيخ صالح اللحيدان الدولة السورية بـ”الفاجرة الخبيثة الخطيرة الملحدة” ودعا “للجهاد” بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد …” وقال اللحيدان في تسجيل صوتي نشر على موقع (يوتيوب) إن حزب البعث حزب فاشي خبيث، يزعم أنه يبعث العرب من جديد، ما جاء العرب من بعدهم منه إلا الشر”. الرابط أدناه.

في الوقت الذي نؤيد فيه الشيخ الليحيدان “إن حزب البعث حزب فاشي خبيث..”. ولكننا نذكره بأن حزب البعث العراقي هو الآخر شقيق حزب البعث السوري “الخبيث” وكلاهما خرجا من نفس الرحم وتبنيا نفس الأيديولوجية الشريرة الخبيثة، فلماذا صار البعث السوري وحده شراً وخبيثاً بينما وقف الليحيدان وزملائه من مشايخ الوهابية بمن فيهم القرضاوي، إلى جانب حزب البعث العراقي بقيادة صدام حسين، حيث أصدروا الفتاوى قبيل وبعد سقوط النظام، حرضوا فيها الشباب المسلم في جميع أنحاء العالم على الذهاب إلى العراق (كفرض عين) لشن حرب الجهاد ضد “الروافض” دفاعاً عن أخوانهم أهل السنة! ألا يدل هذا الموقف على الازدواجية والنفاق الصريح بدوافع طائفية؟ تلك الفتاوى التي مازال الشعب العراقي بجميع طوائفه، سنة وشيعة ومسيحيين وأيزيديين وصابئة مندائيين وغيرهم، يدفع عشرات الألوف من الضحايا؟

إن موقف هؤلاء من الانتفاضة السورية ليس لتخليص الشعب السوري من نظام جائر وإقامة نظام ديمقراطي ودولة المواطنة، لأنهم الآن يحاولون تدمير النظام الديمقراطي في العراق، وإنما لأن بشار الأسد من الطائفة العلوية، وصدام حسين اسمياً من السنة. إن اعتبار النظام البعثي السوري علوي لأن رئيسه من الطائفة العلوية مغالطة مقصودة لأغراض كيدية لا تقل خبثاً وكيداً عن اعتبار نظام البعث الصدامي نظاماً سنياً لأن صدام حسين سني. فالبعث لا دين له ولا مذهب، ولكن لخبثه أتبع سياسة فرق تسد وادعى أنه يمثل أهل السنة في العراق لكي يجرهم للدفاع عنه، ولنفس السبب، ورط البعث السوري العلويين لكي يدافعوا عنه.

إن أسلوب مشايخ الوهابية الطائفي في التأليب على أبناء الطائفية العلوية والذين يسمونهم (النصيرية) أيضاً، بجريرة الحاكم جريمة لا تغتفر، وقد نهى عنها القرآن الكريم حينما قال: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ). إذ راح الشيخ الليحيدان يقلب بطون كتب التاريخ للعثور على فتوى من السلف فوجد مبتغاه في عند ابن تيمية في قوله:”هؤلاء النصيرية في سوريا أولى بالجهاد أن نجاهدهم..”. ولم يكتف الشيخ الوهابي بهذا التحريض فحسب، بل برر قتل الأبرياء أيضاً حتى ولو قتل ثلث الشعب السوري على حد قوله حيث قال: “يرى في مذهب مالك انه يجوز قتل الثلث ليسعد الثلثان…”

والجدير بالذكر أن الطائفة العلوية لم تكسب أي شيء من عائلة الأسد غير القتل والتأليب وتفجيرات الإرهابيين، وتهديدات الأخوان المسلمين ضدهم بحرب الإبادة. والآن جاءت فتاوى شيوخ الوهابية بإبادتهم. والمعروف أن هذه الطائفة (العلوية) منذ ولادتها تعرضت لفتاوى التكفير والاضطهاد الشديد طوال التاريخ من الحكومات الطائفية، وبالأخص في العهد العثماني، علماً بأن أبناء هذه الطائفة هم مسلمون من الشيعة الأثني عشرية. وكما أكدت المفكرة الكبيرة الدكتورة وفاء سلطان، أن “النخبة العلوية المثقفة تعي جرائم الأسد، ووقفت له بالمرصاد ونالت نصيبها من جرائمه، ولكنها لا تأمن الجانب الآخر، ولذلك موقفهم من هذا الجانب بالنسبة لهم قضية حياة أو موت، وليس من باب الدفاع عن السلطة‫…”

فإصدار هكذا فتاوى تحريضية كيدية ضد طائفة العلوية والتركيز على علوية الرئيس السوري بشار الأسد دون بعثيته، تصب في خدمة النظام البعثي السوري، لأنها تعني أن الأخوان المسلمين، ومن ورائهم الوهابية السعودية، يضمرون لهذه الشريحة شراً إذا ما سقط حكم بشار الأسد، إذ كما أكدت الدكتور وفاء سلطان: أن [الشريحة العريضة من الطائفة العلوية، وهي على غرار الشريحة العريضة من الشعب السوري، قد أنهكها الفقر والفاقة والجهل، ولكنها تبقى متعلقة بأذيال الأسد الذي نجح بإقناعها أنه الحامي الوحيد لها من الانقراض، وأكد لها الأخوان المسلمون ـ بنواياهم الشريرة وتاريخهم الإجرامي ـ ‫”صحة‫” إدعاء الأسد‫!].

والمؤسف أن نعت البعث السوري بالنظام العلوي والنصيري لم يقتصر على مشايخ الوهابية فحسب، بل وحتى على بعض الكتاب المتسربلين بلبوس الديمقراطية والليبرالية والإنسانية، إذ كتب أحدهم مقالاً بعنوان: “من ملفات جرائم النظام العلوي في سوريا‫!” وهذا تحريض صريح لحمامات دم قادمة.

خلاصة القول، أن وصف النظام البعثي السوري بالنظام العلوي، والتحريض ضد الطائفة العلوية ليس في صالح الانتفاضة الشعبية، بل فيه تحريض لإبادة شريحة واسعة من الشعب، وبالتالي دعوة لهذه الشريحة للاستماتة في الدفاع عن نظام ليس في صالح الشعب ولا في صالح الطائفة العلوية. لذلك فمازال النظام يملك فسحة للاستجابة لمنطق التاريخ وذلك بالقيام بإجراء الإصلاحات السياسية والاجتماعية بنفسه لسد الطريق أمام القوى الظلامية، وكل من يريد إغراق الشعب في بحور من الدماء.

موضوع ذو علاقة بالمقال

عضو هيئة كبار العلماء اللحيدان : ولو مات ثلثكم يا أهل سوريا …

http://alfetn.com/vb3/showthread.php?t=48553

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى