صفحات سورية

انتفاضة الكرامة في درعا : سلمية تقدمية

 


شبلي شمايل

وصلت إلى درعا لزيارة صاحب لي بعد أن علمت باعتقال أطفال صغار لأنهم كتبوا على الجدران “الشعب يريد إسقاط النظام”. سهرنا أول يوم وحدثني كيف أن المعتقلين في سن المراهقة وأن أهل البلد حديثهم الشاغل الثورة في تونس ومصر وما يحدث في ليبيا واليمن والبحرين. قال لي صديقي: “حوران كانت يتيمة من سنة السبعين، الرئيس عبد الناصر غادر في لحظة عصيبة، خيرة أبناء المحافظة شاركوا مع المقاومة الفلسطينية في إيلول الأسود، ثم استلم الجيش في سورية. والمحافظة بطبعها وثقافتها تعتبر الجيش للدفاع عن الوطن. أول فترة ما وجدوا درعاوي يكون في موقع مسؤول. إحنا على حفة الصحراء والزراعة، أخذنا أخلاق الإنتاج من عملنا بالزراعة وبذرة الحرية من اختلاطنا بالبدو الذين يحضرون مضاربهم على مشارف البلد منذ ألفين سنة. عندك جبل وسهل حوران تنوع مذهبي وديني لكن كلنا ناضلنا بأحزاب سياسية مع بعض شيوعية وناصرية وبعثية وكان عنا إخوان لكن أقل. الشباب بطبعه لا يحب التطرف الديني والأغاني الشعبية أحسن دليل عندك طرائف وأمثال ضد التطرف الديني والتعصب”، لكن كنا يتامى لأن أهل درعا يحبون مصر والشيخ إمام وأم كلثوم وعبد الناصر. ومصر كان يحكمها القوادين والعملاء، لما سقط مبارك تنفسنا الصعداء”. كان هذا النقاش يوم 16 آذار، ولم يخطر لا ببالي ولا بال صديقي أن الحكومة السورية ستتهم أبناء درعا بعد خمسة أيام بحزب التحرير وجند الشام والقاعدة وغير ذلك من الدناءات المقرفة لتشويه سمعة خيرة شباب سورية اليوم.

في يوم 17 لم يسمح لي وضعي الصحي بالخروج، فمرضي العضال يصارعني وأصارعه، ذهب صديقي للعمل وقبل الذهاب قال لي: إذا احتجت أي شئ موجود بالبراد. فيه أيضا عصير وبيرة. سألته أنت تشرب بيرة قال لا والله، أنا باشرب بيرة بدون كحول. لكن باشتري بكحول لأصدقائي عندي أصحاب مثلك حبيبي شيوعيين وأصحاب من عائلات مسيحية خيرة شباب المحافظة بيحبوا ياخذوا كاس”. مساء اليوم نفسه سهرنا وتحدثنا كثيرا عن درعا، قال لي: أول شهيد شيوعي في عهد البعث سقط في درعا تحت التعذيب، كان من الحزب الشيوعي وقت الأزمة الأولى في 1968 والبلد قدمت قوافل معتقلين بعضهم بقي 27 سنة بالسجن، لست وحدك سجين سابق يا عزيزي. ضحكت وقلت له: ما حد ينكر دور درعا، فأجاب لكن يا أخي نحن رغم تقديم المحافظة أفضل الشباب والكوادر المثقفة واحتضانها أبناء فلسطين والجولان في القلب ووقفاتنا الوطنية المحافظة مهملة والناس ما عاد تتحمل لازم يصير تغيير. قلت له لكن هذا حال سورية كلها، قال لي نحن في درعا النبض أعلى، من يومين طلع بيان في ثمانية آذار، ثلاثة من الموقعين حوارنة وواحد سوري غير حوراني، خلص يا صاحبي ريح الحرية من حوران النشاما.. ضحكت وطلبت زجاجة بيرة. كنت قد قرأت “بيان من أجل التغيير” الذي أصدره هيثم مناع وناصر الغزالي وخلدون الأسود (من درعا) وماجد حبو (من الجزيرة)، واعتبرته بيان كغيره صدر في مناسبة حالة الطوارئ، لكن لم أتصور أن نبض أهالي درعا أعلى وأقوى من نبض الموقعين على البيان.

في الصباح بقيت في الفراش شبه مقعد من المرض، وذهب صاحبي وبقيت مع التلفزيون والراديو. قال لي قبل الذهاب إذا تأخرت لا ينشغل بالك عندك كل شيء اليوم يوم الكرامة. وبكل صدق لم آخذ ما قال على محمل الجد، قلت في نفسي معارض مزمن حابب يفش خلقه.

بعد ذلك أكثر من 2400 شخص خرجوا في أكبر تظاهرة في يوم الكرامة رغم الحصار الأمني.. فوق البيت طائرات الهيليكوبتر وأصوات الرصاص، أصوات كالهتافات من بعيد. لم أخف من الخروج على نفسي رغم تدهور حالتي الصحية، خفت على صديقي فأنا سجين سابق محروق أمنيا وهو لم يدخل السجن ولا ينقصه اعتقال أو مشكلة، ضبطت نفسي وجلست أبحث في الأخبار عن أي لقطة وهنا بدأت أعرف ما يحدث. قبل المغرب بقليل وصل صديقي كمن عائد من ساحة معركة، عانقته وبدأ الاستفسار. بادرني قبل أن يلتقط أنفاسه: ما قلتلك إنت في درعا الثورة، وردة يا رجل وردة الشباب أحلى ما شفت بعمري الأمن فورا صار يضرب الرصاص وعملولنا غزوة سيارات إطفاء ثلاث سيارات تفرق بالناس والهليكوبتر مجرمين مجرمين قتلوا وجرحوا مجرمين ما عندهم شرف يقتلوا شباب مثل الوردة عم يهتفوا سلمية سلمية وحرية حرية ويطالبوا بمحاكمة الحرامي الكبير رامي مخلوف وكل من يسرق أموال الشعب مطالب بالحرية شعارات تقدمية ديمقراطية شباب مثل الوردة يا حيف على شبابنا ما عرفنا نعمل مثلهم قبل عشرين سنة. وتكلم وسمعت وتكلم وسمعت حتى شعرت بأنني بالفعل في انتفاضة حقيقية يقوم بها شعب حقيقي كريم واعي ومثقف.. بكيت لأن المرض قد لا يسمح لي برؤية أشياء كثيرة جميلة.. قلت لصاحبي أنا قررت صير حوراني أقبل رأس أمهاتكم.. سهرنا حتى الثانية صباحا واستأذنني صاحبي فسألته إلى أين قال لي رايح عالجنازة. الآن قلت له، قال لي اذا ما طلعنا بكير الأمن راح يفرق الناس ويحتل الطرق كلها. وبالفعل نجح أهالي حوران من جديد في تظاهرة شارك فيها عشرة آلاف إنسان لتشييع جثمان شهيدين من درعا واستعمل الأمن السلاح والقنابل المسيلة للدموع وهدد بالجيش وجرح واعتقل وقتل. في اليوم الثالث استمرت الإنتفاضة لكن وضعي الصحي تردى بشكل كبير، ولحاجتي للدواء أجبرني صديقي على العودة إلى دمشق وساعدوني في الخروج عبر عدة وسائل.

اليوم درعا محاصرة بالجيش والأمن، كل سيارات التضامن القادمة من جبل العرب وريف درعا وريف دمشق والقنيطرة اعتدى عليها الأمن وأعادها من حيث أتت، وهناك نقص في المعدات الطبية. وقد قام الأمن بإدخال عناصر للحرق والتخريب لاتهام الثوار بالعنف وبدأت أبواق النظام تتكلم عن صهيونية وماسونية وجند الشام والقاعدة في تخبط مجنون على طريقة قذاف الدم. والجميع يخشى من انتقام أعمى من سلطة غاشمة عمياء، لذا أقول لكل أحرار سورية والعالم: درعا هي عاصمة التقدم والتغيير الديمقراطي اليوم، درعا أمانة في عنقنا ومصدر فخر لكل حر ويساري. مخطط السلطة الاستفراد بها، فلا تتركوا درعا وحدها، كلنا حوارنة كلنا للحرية والمساواة.

الحوار المتمدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى