صبر درويشصفحات الناس

انشقاقات مقاتلي الغوطة: يأس أم خيانة؟/ صبر درويش

شكلت حادثة انشقاق قائد كتائب جند الله، العاملة في جنوب العاصمة دمشق، “بيان المزعل”، وانضمامه للنظام  صدمة في أوساط مقاتلي المعارضة، لا لأهميته الشخصية، بل بسبب أهمية الملفات التي ستفتحها هذه الحادثة والتساؤلات التي ستثيرها لاحقاً.

 في الوقت الذي كانت تحاصر فيه قوات النظام السوري بلدة سبينة جنوب العاصمة دمشق متهيئة لاقتحامها، كان مزعل، المعروف بـ”أبو عمر”، يقوم بالتنسيق مع قوات النظام، لينضم إليها لاحقاً، والعمل معها كضابط ميداني، مشاركاً في اقتحام البلدة.

 وكشفت تنسيقيات الثورة السورية عبر صفحاتها على “الفايسبوك” سوابق للـمزعل في التعامل مع النظام، منها ما قام به من سرقات في مخيم اليرموك ومناطق أخرى في المنطقة الجنوبية وتهريب المسروقات بمساعدة عناصر حاجز للنظام في السبينة والحسينية لتباع لاحقاً في أحد أسواق دمشق.

 المزعل، وبحسب ما ذكرت التنسيقيات، عاد ليلتحق بقوات النظام بعد انتهاء مهمته، ومعرفته آلية العمل بين كتائب المعارضة والكمائن الموزعة ونقاط الحرس.

 تطرح هذه الحادثة العديد من التساؤلات، ولا سيّما أنها ليست الحادثة الوحيدة التي سجلت عبر الأسابيع الأخيرة، إذ قام الإعلام الرسمي السوري بعرض تقرير يتحدث فيه عن مجموعة من عناصر المعارضة في قلعة المضيق قرب حمص بادر أفرادها إلى تسليم أنفسهم، حيث قاموا بحسب ما ذكر التقرير، “بتسوية أوضاعهم وعادوا إلى حياتهم الطبيعية”.

 والسؤال المطروح هنا: ما الدافع الحقيقي خلف هذه “الانشقاقات” في صفوف المعارضة؟ والأهم، ما تأثيرها على مجريات الصراع الدائر اليوم على الأراضي السورية؟

 أحد الإعلاميين في الغوطة الشرقية، أبو حمزة، يرى في حديث لـ”المدن” أن الأمر لم يصبح ظاهرة بعد، وهو مقتصر على حالات فردية يمكن تفسيرها بدوافع شخصية. ويتابع: “أفيد عن قيام مجموعة من الشبان في بلدة دير العصافير جنوب الغوطة الشرقية بتسليم نفسها لقوات النظام واعلان الاستسلام”.

 لا يؤكد أبو حمزة هذا الخبر، لكن يشرح أسبابه طبقاً لرأي الأشخاص الذين تناقلوه قائلاً إن “الأمر ناتج عن خلافات في ما بين هؤلاء الشبان وبعض قادة المجموعات المسيطرة على البلدة، وهو ما دفع هؤلاء الشبان إلى تسليم أنفسهم لجيش النظام”.

 تختلف التفسيرات حول هذه الحوادث التي بدأت بالانتشار مؤخراً، فالبعض يحيل الأمر إلى الظروف الصعبة والقاسية التي يمر بها الشبان المقاتلون وذلك بعد استمرار القتال لأكثر من عام ونصف، وهو ما أصاب هؤلاء الشبان بالوهن والتعب، ما دفعهم إلى القيام بتسليم أنفسهم لقوات النظام.

ناشط سياسي في الغوطة الشرقية، يدعى أبو عمر الشيخ،  يرى أن الأمر يعود إلى أسباب مختلفة أبرزها سطوة الإسلاميين. وأضاف  في حديث لـ”المدن” إن : “تخاذل بعض الشبان ورميهم لسلاحهم وتسليم أنفسهم لجيش النظام، يعود إلى سيطرة بعض الفصائل المتشددة من المعارضة كجبهة النصرة وداعش على بعض البلدات السورية ومن ثم فرضهم لنظام قاس على المدنيين قبل العسكريين بعيد عن تركيبة المجتمع، منعوا الشبان من ممارسة أبسط تفاصيل حياتهم اليومية، كمشاهدة التلفاز أو التدخين.. حتى أكاد أقول أنهم منعوا حتى الضحك!”.

من جهة أخرى يشير البعض إلى تفسيرات أخرى لتواتر حالات الانسحاب هذه.  أحد المقاتلين في حي جوبر الدمشقي، أبو عبدو سليمان، كان نزيلاً في سجن عدرا المركزي بتهمة الاحتيال والسطو المسلح، أفرج عنه أثناء الثورة. التحق بعدها بإحدى كتائب الجيش الحر في المنطقة.

 بعد أشهر على انخراط سليمان بالعمل فوجىء زملاؤه بأنه قام بتسليم نفسه لجيش النظام، وأكثر من ذلك أنه لم يكتفِ بذلك بل تحول إلى عميل لهم.

 أحد أصدقاء سليمان، يقول في حديث لـ”المدن” إنهم علموا بخروج سليمان إلى الغوطة الشرقية عن طريق حاجز المليحة، مشيراً “بعدها علمنا من خلال مصادرنا أنه تم إلقاء القبض عليه من قبل قوات الأمن السوري، وفوجئنا بعد أسابيع أنه تم الإفراج عنه وشوهد يعمل مع اللجان الشعبية في أحد أحياء دمشق”.

 في الحقيقة هناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى أن النظام السوري كان قد تمكن من زرع عناصر وحتى كتائب تابعة له بين صفوف المعارضة، وكانت حادثة المزعل واحدة من تلك الحوادث التي تشير إلى اختراق نظام الأسد لصفوف الثوار، وهو الأمر الذي يفرض على قوى المعارضة مراجعة حساباتها والتدقيق بمناصريها.

 المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى