صفحات سوريةفاروق البرازي

انعكاسات ما يحصل في ليبيا ومصر على ثورة سوريا


فاروق البرازي

مثلما كان للسجال بين الإسلاميين والعلمانيين في مصر تأثيره على الثورة السوريّة، فإنّ تطورات العمليّة الانتخابيّة والسياسيّة في ليبيا لها تأثير في ساحة الثورة السوريّة أيضاً، ومثلما أخاف الإسلاميون في تونس ومصر الرأي العام العربي والعالمي بركوب الإسلاميين حصان الثورة واستغلالها لمصالحهم الحزبيّة الضيقة، فإنّ ظهور الليبراليين والقوى السياسيّة الديموقراطيّة الليبيّة كقوى حاضرة ومؤثرة في الشارع الليبي، سيكون له دلالة وانعكاساً على مزاج كل المتابعين للربيع العربيّ، وسوريا منهم.

ثمّة أمران ظهرا في مشهد الثورات العربيّة لهما تأثير قوي على رفع معنويات ثوار في الدول العربيّة التي لم تنته فيها الثورة بعد، الأمر الأول: ليس صحيحاً (بالمطلق) القول بانّ الثورات العربيّة أتت كما لو انّها جائزة للإسلاميين حيث أوصلتهم إلى الحكم الذي لم يستطع الإسلام العربي إدارته، وبلوغه، سواء من خلال مشاركتهم في البرلمانات العربيّة أو من خلال مشاركتهم لبعض الحقائب الوزاريّة او من خلال استلامهم للحكم في فلسطين والجزائر. فما جرى في ليبيا كان مؤشرا على تراجع جمهور الأحزاب الإسلاميّة بعد نجاح الثورات، وذلك بسبب عدم اتقان الإسلاميين التعامل مع الجمهور الحديث، الجمهور الذي استطاع اشعال الثورة، فظهور الليبراليين يعني أنّ الإسلاميين صاروا في العد العكسي، وهذا سيكون محل التشجيع لدى الثوار السوريين، الذين وإن أغمضوا أعينهم على الدور الذي يلعبه الإسلاميون في الثورة إلا انّهم، وبعد التطورات الانتخابيّة في ليبيا، لم يعد الإسلام السياسي يبعث الخوف لدى السوريين، فإذا كانت واجهة الثورة في ليبيا من الإسلاميين، لم تستطع أن تترجم انجازاتهم على ارض الواقع، وعاملا دافعاً لاستقطاب جمهور الثورة، فان ثوار سوريا هم بمنأى عما سيكون في الواجهة ومن سيكون الرابح في النهاية. بمعنى آخر انّ السوريين لا يخافون من مستقبلهم.

الأمر الثاني: ما جرى في مصر وخصوصاً بما يتعلق بقانونية طلب الرئيس مرسي انعقاد جلسة مجلس الشعب الذي حُلّ بقرار من المحكمة الدستوريّة، وكان الرئيس المصري هو الذي اقسم أمام هذه المحكمة، ولعل لقسمه دلالة الاعتراف بهذه المؤسسة، وتاليّا من الطبيعي انّ طلبه لأعضاء المجلس لعقد اجتماعهم، يعني بوضوح انّ الإسلاميين مازالوا بعيدين عن التعامل مع الدولة بمنطق الدولة والمؤسسات.

والحق انّ تطورات مصر الأخيرة ستقلص من جمهور الإسلاميين، بل انّ هذا الجمهور يتسرّب من حضن الإسلام السياسي يوماً بعد يوم رأينا كيف انّ جمهور الإسلاميين تراجع عن دعم الإسلاميين في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، مقارنة بالجولة الثانيّة، فالإسلاميون المصريون انزلقوا الى مطب يصعب الخروج منه، بمعنى انهم صاروا بين حجري الرحى، فمن طرف ينحاز الى مؤسسات الدولة والذي يرى قرار المحكمة الدستوريّة صواباً ويجب الالتزام به، الى طرف ينحاز للطموح الإسلامي في الحكم والسلطة واستغلالهما لمصلحة الجماعة.

وما سلف سيسبب جدلاً طويلاً، وربما ينعكس سلباً على اداء الإسلاميين في الحكم ومن بين الجمهور.

بقي القول انّ ما جرى في الثورات العربية، ودور الإسلاميين فيها خصوصاً، ومقاربتهم للعلاقة مع الحكم والجمهور في الأسبوع الأخير سيكون له تأثير ايجابي على أداء الثورة في سوريا وحتى في السودان، إذ أن ما يحصل يدلّ على الوعي الناضج لدى جمهور الثورات العربيّة.. هذا الجمهور الذي لم ينطلق ليستبدل الاستبداد باستبداد آخر، انما انطلق ليبني دولة حديثة تحمي كرامة الناس وسعادة أبنائها.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى