صفحات الثقافةممدوح عزام

انقسامات الحلم التغييري/ ممدوح عزام

 

 

ثمة من يقول إن من الطبيعي أن تُصاب الثقافات بآفات اللحظة التي تمرّ بها، ذلك أن المثقفين من جهة، والمنتج الثقافي من الجهة الثانية، ليسا من أصحاب القرارات التي تتدخل في المصير البشري عامة، بينما هي في منطقتنا تعجز أيضاً عن أن تجد لنفسها أرضاً للعمل إلا إذا أفرج السياسي عن الأمكنة، أو الأنشطة، التي يمكن للثقافة أن تتقدم من خلالها.

غير أن اللحظات التي تشهد صراع القوى المختلفة في المجتمع، على السلطة، أو على المصير الكلّي للعيش، تشهد وضعاً آخر للثقافة يتّسم بالميل إلى الانقسام أو التشرذم. أما الانقسام، فهو سمة طبيعية تعلن فيه الثقافات عن أمرين: الأول هو انحيازها إلى هذا الجانب أو ذاك، والثاني هو استقلالها عن السياسي المسيطر، أو سعيها للاستقلال عنه.

وكلّما قلّت هيمنة السياسي أو ضعفت، ازداد حضور الثقافي، وقويت قدرته على القول الحر، وقد لا يحدث هذا إلا في لحظات التبدّل التاريخي التي يتقرّر فيها، أو يبدو أنه يتقرّر فيها المستقبل أمام المشغولين بالحلم التغييري في المجتمع.

ويظهر الانقسام الثقافي في القضايا الأخلاقية والسياسية، غير أنه لا يظهر غالباً في القضايا الفنية. وهو أمر مثير ولافت في تاريخ الثقافة. إذ قلما شهدت الثورات الاجتماعية، ثورات أخرى موازية في الفن والأدب. والتجديدات الكبرى التي حدثت على الصعيد الفني قام بها أفراد من خارج النطاق الثوري. بل إن بعض قادة الثورات، كانوا ميالين إلى الدعوات الأدبية المحافظة في الحقلين الأدبي والفني.

ولم يبدِ الناشطون السوريون في الخارج والداخل أي ميل إلى ابتكار طرائق وأساليب جديدة في المجال الأدبي، في ما عدا الفن التشكيلي السوري الذي يشهد محاولات للتعبير مختلفة عن السائد. بل إن الأعمال الدرامية السورية تتشابه إلى حد مريب في معالجة الوضع السوري، من حيث الإخراج والتمثيل، والأداء، وبنية العمل الفني التلفزيوني، ما يشير إلى أن الانحيازات السياسية لم تستطع، وقد لا تستطيع أن تحقق تبدّلات عميقة في الموقف الفني للمبدعين.

وتشهد وسائل التواصل الاجتماعي، ما يشبه المعركة بين السوريين في معظم القضايا الحياتية التي تعني المتصارعين في الحاضر والمستقبل. ومن الصعب أن تجد نزاعاً واحداً حول مسألة تتعلق بفن الرواية، أو القصة، أو المسرح، وحتى الخلاف مع أدونيس على سبيل المثال، لا يتعلق بشعره، أو مؤلفاته الفكرية، بل بتصريحاته السياسية.

ومن اللافت، أو المحيّر، أن لا تكون الثقافة محل صراع حقيقي ملموس، بل أن تظل السياسة وحدها هي التي تقود الجميع، دون أن يتمكن القول الثقافي من التأثير على المنحى العام للتغيّر الاجتماعي.

ومن المشكوك فيه حتى اليوم أن تكون البلاد قد شهدت انشقاقات حقيقية وواقعية على الصعيد السياسي، بمعنى نشوء أفكار سياسية جديدة تكون خطاً جديداً لحياة مختلفة عمّا كانت عليه أشكال الحكم في السنوات السابقة. ولم تتكوّن لدى القوى المتصارعة رؤية سياسية حول شكل الحكم، أو العلاقة بين قوى الإنتاج، أو طبيعة النظام الاجتماعي المقبل.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى