صفحات سوريةعلي العبدالله

ايران الشهيدة/ علي العبدالله

 

 

بالرغم من اعلان المسؤولين الايرانيين “ان ايران ليست مع التمديد” الا انها وافقت عليه باعتباره الخيار الوحيد الممكن في ضوء عدم الاتفاق ومخاطر اعلان الفشل والعودة الى أجواء التصعيد والضرب تحت الحزام.

واضح ان طرفي المفاوضات متفقان على ضرورة الاتفاق ومختلفان على عناصره، فالغرب ، والولايات المتحدة بخاصة، يريد اتفاقا يلغي فرص دخول ايران النادي النووي، أو على الاقل يؤجله الى فترة طويلة. لذا كان تركيزه على الجوانب التقنية للاتفاق ان لجهة عدد أجهزة الطرد المركزي التي يمكن لإيران امتلاكها وتشغيلها( فرنسا تتمسك برقم عدة مئات وامريكا بـ 6000 كحد اعلى) أو لجهة نسبة التخصيب التي سيسمح لها ببلوغها( بين 3.5 و 5%) أو كمية اليورانيوم المخصب الذي يمكن ان تحتفظ به، ناهيك عن تحويل مفاعل آراك للعمل بالماء الخفيف كي لا تستخدمه في انتاج البلوتونيوم الذي يمكن استخدامه في صنع قنابل نووية، مع وضع البرنامج تحت رقابة وكالة الطاقة الذرية لمدة طويلة( بين 15 و 20 سنة)ورفع العقوبات على مراحل وبالتوازي مع حُسن التنفيذ.

ايران من جهتها تريد مشروعا نوويا كبيرا لذا أصرت على حقها المشروع في امتلاك برنامج نووي سلمي وفق القانون الدولي، وردت بمطالب محددة تسمح بإقامة برنامج نووي يبرر كل الاستثمارات التي وضعتها فيه الى الآن، وخاصة ما تحمّله الشعب الايراني بسبب العقوبات الدولية التي فرضها مجلس الامن والعقوبات الخاصة التي فرضتها امريكا والاتحاد الاوروبي، والتي انعكست سلبا على الاقتصاد الوطني( تضخم وبطالة وانهيار سعر صرف العملة الوطنية) وعلى القدرة الشرائية للمواطنين. تريد ايران امتلاك 19 ألف جهاز طرد مركزي( تمتلكها الآن منها 9 آلاف جهاز في الخدمة والبقية تنتظر)، والسماح لها بتخصيب بنسبة 20% كي تستطيع تشغيل مفاعلات الابحاث والطب النووي لمكافحة مرض السرطان(نصف مليون مصاب، وفي كل سنة تلحق بـ 85 ألف اصابة جديدة) وطلبت ان تمتد الرقابة الدولية على المشروع لخمس سنوات فقط، اعتبرتها كافية للتأكد من نواياها وسلمية مشروعها، ورفع العقوبات فور الاتفاق ودفعة واحدة.

مشكلة ايران ان التحفظ على برنامجها النووي لا يأتي من الغرب فقط بل ومن دول الجوار الاقليمي(دول الخليج العربي) واسرائيل، بالإضافة الى روسيا والصين، كل لاعتبارات تتعلق بمصالحه ورؤيته الاستراتيجية. فالدول العربية ترى في ايران نووية خطرا على امنها القومي، واسرائيل تعتبره خطرا وجوديا عليها، في حين تتوجس الصين وروسيا منه بسبب طموحات ايران وتحركها في جمهوريات آسيا الوسطى وبحر قزوين، وهما تستثمران في الخلاف الايراني الغربي لابتزاز امريكا وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من الأزمة.

رأى بعض المحللين ان تمديد المفاوضات يخدم ايران لأنه يمنحها مزيدا من الوقت لتطوير برنامجها النووي ودخول النادي النووي وفرض أمر واقع على الغرب والعالم، كما حصل في الهند والباكستان. غير ان هذا التقدير يفتقر الى الواقعية في ضوء جملة معطيات سياسية واقتصادية واجتماعية، فايران تعاني من أزمة اقتصادية خانقة بسبب العقوبات التي ستستمر مع التمديد، وقد زاد هبوط أسعار النفط من حدتها، ذلك انها وضعت ميزانيتها للسنة المالية في ضوء سعر برميل النفط 100 دولار امريكي، والهبوط الذي حصل سينعكس الى تضخم في الاسعار، هو الآن عند 30% ، وانكماش اقتصادي كبير، فقد احتلت ايران المرتبة 152، من أصل 189، في قائمة البنك الدولي للأنشطة الاقتصادية عام 2014، وعجز في تمويل برامج الخدمات الاجتماعية، وخاصة في الريف حيث كشف الزلزال الاخير حالة البؤس وعجز النظام، والبنى التحتية والاستثمارات والمشاريع الجديدة، ناهيك عن تراجع في قدرة المواطنين الشرائية، ما يهدد بحدوث انفجارات اجتماعية. بالإضافة الى انعكاسه السلبي على نفوذها الاقليمي بفعل العجز عن تمويل نشاط اتباعها وحلفائها في الخارج، كان المؤرخ الامريكي بول كنيدي قد وضع في كتابه “قيام وسقوط القوى العظمى” قانونا لصعود القوى العظمى قائما على قدرتها على تمويل نشاطها العسكري الخارجي وهبوطها قائم على عجزها عن هذا التمويل، دفعت في سوريا وحدها 8 مليار دولار خلال سنوات الثورة لحماية النظام ومنع سقوطه تحت ضربت الثوار، وهذا كان محط انتقاد عنيف من قوى اجتماعية وسياسية ايرانية طالبت بوقف هدر مال الشعب الايراني وتحويل هذه الاموال الى مشاريع لتوفير فرص عمل للعاطلين(نسبة البطالة 22% من قوة العمل)ودعم اجتماعي للفقراء( 7 مليون تحت خط الفقر).

لقد جّر النظام السياسي الايراني الويلات على الشعب وحوّل ايران الى ضحية، الى دولة شهيدة نظامها نتيجة لخياراته السياسية والاستراتيجية، فالتوجه نحو تصدير الثورة واختراق الدول المجاورة عبر تشكيل تنظيمات سياسية وعسكرية موالية، والعمل على ربط الشيعة في كل انحاء العالم بالدولة الايرانية، والعمل على بسط السيطرة والنفوذ على دول الاقليم، قاد الى نتائج جد خطيرة حيث تحولت ايران الى عملاق بساقين غير متوازنتين: ساق عسكرية ضخمة وساق اقتصادية هزيلة، لم يستفد النظام من درس انهيار الاتحاد السوفياتي، وهذا انعكس سلبا على حياة المواطنين وطموحاتهم وآمالهم تجلى ذلك في انتشار تعاطي المخدرات بين المواطنين، النساء والاطفال بخاصة، (تبلغ تجارة المخدرات 3 مليار دولار سنويا، وارباحها كبيرة لذا ورغم الحكم بإعدام تجارها فان 46% من السجناء هم موزعو مخدرات). فالإمكانيات التي تتوافر لإيران كبيرة فهي تعوم على بحر من النفط(175 مليار برميل، بحدود 9% من نفط العالم) والغاز( 1200 تريليون قدم مكعب، بحدود 18% من غاز العالم) ناهيك عن عدد سكان كبير(80 مليون نسمة) ومساحة جغرافية واسعة(١٬٦٤٨٬١٩٥ كم2) وموقع جغرافي هام يمتد من بحر قزوين الى بحر العرب والخليج العربي/الفارسي، ولكنها وبعد مرور ثلاثة عقود ونصف العقد على الثورة الاسلامية بقيت دولة متخلفة في الانتاج الصناعي والزراعي، ودولة ريعية تعتمد في معظم موازنتها على تصدير النفط والغاز( من 70 الى 75 % من الصادرات)، وقد تراجعت قدرتها التصديرية بسبب العقوبات من 6 مليون برميل يوميا عام 1974 الى 1 مليون برميل عام 2014 وبنيتها التحتية النفطية بالية وتحتاج الى استثمارات ضخمة كي تحافظ على صادراتها وتطورها، فهي بحاجة الى 500 مليار دولار استثمارات في مجال النفط والغاز خلال خمسة عشر عاما.

كان بإمكان ايران بما تمتلكه من امكانيات مادية وطاقة بشرية وعلمية ان تكون دولة ناجحة ومتقدمة، وان تتحول الى قدوة ومركز جذب في الاقليم والعالمين الاسلامي والثالث بقواها الناعمة، وتجنب شعبها التعاسة والفقر واحتمالات التعرض للمصاعب الحياتية والحروب.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى