حسين العوداتصفحات سوريةماهر مسعودميشيل كيلو

ايران والثورة السورية –مقالات مختارة لكتاب سوريين-

 

انهيار مزدوج/ ميشيل كيلو

ليس سراً أن إيران بدأت تشعر بدنو أجل النظام الأسدي، وتدرك أنه اقترب من نهايته المحتومة، وقد اعترفت صحافتها أنه ربما كان يقف أمام انهيار مباغت، وأن وضعه الحالي أخذ يطرح عليها تحديات تهدد نظامها ودوره الإقليمي والدولي.

تبدو إيران كمن يواجه ورطة جلبها لنفسه، ولا يعرف كيف يتخلص منها. وهي تتحدث عن الأسد كمن يتحدث عن نفسه بضمير الغائب، ولشدة خوفه من المصير الذي ينتظره، يحاول التظاهر بأن مخاوفه ليست في محلها، وأن لديه حلولا لما يتربص به من مفاجآت، كتداعيات انهيار جيش الأسد في إدلب ومحافظتها، ثم في مناطق من حوران والغوطتين، الشرقية والغربية، وفرار بقاياه من دون قتال من مواقعها الحصينة، بسبب تدهور ملحوظ أصاب معنوياتها، تخلت معه عن سلاحها وتحصيناتها، واقتناعها بأن قتالها صار نوعاً من الانتحار، وموقفا عبثيا غالي التكلفة، ولا جدوى منه.

تتحدث طهران عن رد سيفاجئ العالم، يخطط له ويقوده قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، متناسية أن جنرالها المنقذ سبق أن زار دمشق قبل عامين ونصف، حيث تعهد للأسد بتصفية الثورة خلال ثلاثة أشهر، قبل أن يتولى التخطيط لمعركة الحسم من قبو السفارة الإيرانية في حي المزة، ويشرف عليها فيما بعد مع عدد من جنرالاته الذين قتل كثيرون منهم، وهزمت قواتهم شر هزيمة. يومها، قال من شاهدوا سليماني قبل المعركة إنه كان منتفخ الريش كالديك، لكن أشهرا ثلاثة من القتال كانت كافية لتحويله إلى خرقة بالية. واليوم، لا تجد طهران من تهددنا به غير هذا الضابط الذي أوفده الملالي مرتين خلال عامين، لجز صوف الثورة، فجزّ رجالها وبره، ولن يكون دوره، هذه المرة، أفضل منه في معركة استرداد حوران التي قصم ظهره فيها خلال أيام قليلة.

يرفض نظام طهران التعلم من الدروس التي مرت بها نظم طغيانٍ، لا تقل تجبراً وقسوة عنه. لذلك، أرسل سليماني إلى اللاذقية، في تهديد صريح بفصل المنطقة الساحلية عن وطنها الأم، في حال حاقت هزيمة كاملة بالأسد ومرتزقتها. هذا التهديد الذي لم يكن مفاجئاً للسوريين لم يحبطهم، بل زادهم تصميما على هزيمة نظام يضع وجود شعبه ودولته في كفة، وبقاء الأسد رئيساً في الكفة المقابلة. ويؤكد، مرة أخرى، افتقاره إلى كل ما يجعله مقبولاً من السوريات والسوريين، أو أهلا لحمل أية مسؤولية، فما بالك إن كانت مسؤولية رئاسية، الأمر الذي يذكّر الشعب بضرورة إسقاطه بأي ثمن، كي تبلغ سورية بر الأمان، وتمتع مواطنيها بالحرية والعدالة، كأي دولة تستحق اسمها.

بعد أربعة أعوام، فعلت إيران فيها المستحيل لإنقاذ النظام الأسدي، صار واضحاً كعين الشمس أن تدخلها لم ولن يغير مآلات الصراع، أو ينقذ ربيبها، وأن النتيجة الوحيدة التي ستترتب على ارتباطها المصيري به ستكون الانهيار المزدوج الذي ستشهده طهران بعد دمشق، ويرجح أن يكون السوري منه مفاجئاً وسريعاً، والإيراني متدرجاً وبطيئاً، لكن نظام الملالي لن ينجو منه، لاستحالة أن يسقط كيان بمفرده، إن كان يتشابك ويتداخل عضوياً ومصيرياً مع كيان آخر.

ستكون إطاحة نظام ملالي طهران المتجبرين الظالمين ثمن حماقاته الإمبراطورية الدامية في سورية وغيرها من البلدان العربية. ومن يقرأ صحافته يجد أنها تحدس بالمصير القاتم الذي ينتظره، وأن فشل دوره في سورية سيقوض وجود القتلة الذين أشرفوا على موت السوريين من إيران.

العربي الجديد

 

 

 

 

الاتفاق النووي ونهاية الإرهاب “الشيعي”/ ماهر مسعود

معروف عن الإرهاب أنه بات بمثابة العدو الكوني منذ أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، بحيث لم يبق رئيس دولة كبرى أو صغرى إلا وتعلق بهذا المشجب الذهبي، إما لتبرير عدوان أو لتحصيل شرعية. كما أن الثابت الوحيد تقريباً، المتفق عليه في الإدارات الأميركية المتعاقبة، جمهورياً وديموقراطياً، هو مكافحة الإرهاب، بعد ثابت العداء القديم للشيوعية، المنتهي بنهاية الحرب الباردة.

لكن لمعرفة الإرهاب المقصود أميركياً، لا بد أن نخرج من الحقيقة نحو السياسة. فبالارتكاز إلى الحقيقة يمكن الحديث عن إرهابات متنوعة وكثيرة، إسلامية ومسيحية ويهودية، دينية وعلمانية وحتى ديموقراطية، إرهاب دولة وإرهاب ميليشيا وإرهاب أفراد. ولكن من ذا الذي تعنيه الحقيقة؟! يبدو أن الحقيقة، وضمن هذا الاعتبار، لا تعني سوى الضعفاء، من يقع عليهم الإرهاب، ومن لا يملكون القدرة ولا القرار، في مكافحته.

الأجدى والأنفع هو رؤية الإرهاب بعين السياسة، بعين المُحدِّد والمُعرِّف للإرهاب عالمياً، عين الأقوى. والأقوى يصنّف، ويضع لوائح، ويفرض عقوبات، ويعمم نوع الإرهاب المقبول وغير المقبول في العالم. وفي عصر العولمة القائم فوق الدول القومية، لكن من دون تجاوزها أيضاً، بات معروفاً أن الدولة هي المحتكر الأساسي للعنف و «للإرهاب»، ولذلك أصبح هناك نوعان معتمدان أميركياً، ومن ثم عالمياً للإرهاب غير المقبول: أولاً، إرهاب الجماعات والميليشيات الخارجة عن سيطرة الدولة، وثانياً، الدول الخارجة عن الإجماع الدولي الذي تقوده أميركا أساساً، وبعض الدول المراكز في العالم.

في السنة الأخيرة أزيلت إيران وحزب الله من قائمة الإرهاب الأميركية، وقد يُزالان في شكل نهائي بعد الاتفاق النووي، حيث إن الإرهاب «الشيعي» الذي ترعاه، وتسيطر عليه إيران في المنطقة، لم يعد منفلتاً من عقاله بالحسابات الأميركية، ولم يعد مهدِّداً لأمن العالم الأول وسلمه، طالما أن رأسه الإيراني قابل للانضباط والتفاوض، وقادر على لملمته وردعه وسحبه إن اقتضى الأمر. أما الإرهاب الإيراني داخل الدولة الإيرانية ذاتها، وفي حدود الإقليم، فذلك ليس ضمن الأولويات الأميركية طالما أن نتائجه لا تضر بالمصلحة الأميركية إن لم يكن ضمن فوائدها.

على عكس الإرهاب «الشيعي» ذي المرجعية الدينية والسياسية الواحدة، يفتقد الإرهاب «السنّي» كلتا المرجعيتين، وذلك ما يجعل منه خطراً كبيراً على الدول «السنية» ذاتها ومجتمعاتها من جهة، وعلى العالم من جهة أخرى. ومعروف أن الإسلام السلفي الجهادي (القاعدي أو الداعشي)، ليس معادياً للدول القائمة وغير معترف بها فحسب، بل هو حالم بدولته الخاصة (دولة الخلافة الإسلامية) ومعاد بطريقة عدمية للعالم أجمع.

في حدود السياسة، ليست للعالم، ولأميركا تحديداً، مشكلة مع الإسلام السياسي بالمجمل، بل مشكلته مع الإسلام السياسي غير القابل للسيطرة، وغير المضبوط بقواعد اللعبة السياسية للدول الكبرى والصغرى، وليس المقصود بالإسلام المعتدل إسلاماً غير متطرف، بل إسلاماً محكوماً بالدولة ومضبوطاً بها وقابلاً للتفاوض.

إن نهاية الإرهاب «الشيعي»، الذي تتم صياغته مع الاتفاق النووي، ليست أكثر من بداية لتوجهه نحو الداخل المحلي والإقليمي. والمعضلة الكبرى التي ستواجهها الدول «السنية» ضمن هذا الاعتبار شبيهة بتلك التي يواجهها الجيش الحر في سورية، أي القتال العسكري والسياسي على جبهتين: جبهة الإرهاب «الشيعي» الذي يصيغ نفسه كقوة احتلال خارجي، وجبهة الإرهاب «السنّي» كقوة داخلية لا تعترف بالدول القائمة ولا بحدودها السياسية والجغرافية القائمة. فعلى أي جانبيك تميل؟!.

* كاتب سوري

الحياة

 

 

 

التدخل الإقليمي والدولي في الشأن السوري/ حسين العودات

بدأ التدخل في الشأن السوري خجولاً وجزئياً، وقد عبّر عن نفسه في المراحل الأولى من الانتفاضة بدعمها السياسي والإعلامي والاعتراف بها والتشكيك في شرعية السلطة السياسية السورية بل في شرعية النظام برمّته. ثم تطوّر هذا التدخل على النطاق الإقليمي بقرارات أصدرتها جامعة الدول العربية، كانت تشير بوضوح إلى رغبتها بالتدخل في الشأن السوري كشريك فيه. ثم أرسلت بعثة تقصي حقائق، ولكن لأن جامعة الدول العربية ليست لديها الخبرة ولا القدرة الكافيتان لحسم الموقف السوري، وبسبب الرفض السوري لدور الجامعة العربية من حيث المبدأ، خرجت بعثات الجامعة صفر اليدين، فلا هي أقنعت أو أجبرت السلطة على إقرار حلّ متوازن، ولا هي فرضت مثل هذا الحل، وكانت الأزمة خلال هذه الفترة تكبر مثل كرة الثلج، وبدأت السلطة باستخدام العنف بل ولغت فيه وذهبت بعيداً، ورفضت أيّ حل بديل تفاوضي غير عنيف، منطلقة من نظرة غير موضوعية للشروط القائمة، ومفترضة أنها سوف تحقق انتصاراً عسكرياً باهراً وسريعاً. وفي الوقت نفسه، بدأت منذ اللحظة الأولى تتهم المعارضة والحراك الشعبي الهائل والمنتفضين بأنهم عملاء للخارج ومندسّون وبأنهم قبضوا أموالاً وتسلّموا أسلحة وكدّسوها في المساجد، وأخذوا يأتمرون بأمر الطرف الإقليمي والدولي الذي يتدخّل في الشأن السوري.

وذهب إصرار الجماهير الشعبية على سلمية الانتفاضة ورفض استخدام العنف أدراج الرياح، حيث كانت السلطة تقابل كل إجراء من هذه الإجراءات بمزيد من القمع والعنف والاعتقال والتعذيب ورفض أي إصلاح جدّي. إذ إن الإصلاحات التي قامت بها السلطة في الأشهر الستة الأولى بعد تفاقم الحراك الشعبي، لم تتجاوز إصلاحات شكلية لبعض مواد الدستور (إلغاء المادة الثامنة التي تقرّ بقيادة حزب «البعث» للدولة والمجتمع وتغيير قانون الأحكام العرفية لما هو أسوأ، وتكليف الجهات الأمنية بموجب التعديل بمهمات المدعين العامين وتأسيس محاكم الإرهاب التي لا تستند أحكامها على قوانين محددة…)، وبالتالي كان التعديل خطوات إلى الوراء زاد الأمور سوءاً، وأيقن الشعب السوري عندها أن السلطة السياسية لا تريد أي تعديل أو تغيير أو إصلاح للنظام السياسي القائم أو لهيكلية الدولة، كما أنها ترفض أي حوار مع قوى المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وقد أفشلت بالفعل محاولات المعارضة اقتراح مثل هذا الحوار بل أفشلت مؤتمر حوار عقدته السلطة نفسها برئاسة نائب رئيس الجمهورية، اتخذ سبعة عشر قراراً لم ينفذ منها قرار واحد، وكان مسؤولو السلطة يكررون صباح مساء أن الانتفاضة انتهت، وأن الحراك القائم هو بقايا لهذه الانتفاضة وبالتالي فالمؤامرة فشلت، وعقد أهل السلطة العزم على العودة للتحكم برقاب الناس بأقوى مما كانوا.

لقد بدأت المعارضة السورية انتفاضتها بداية صحية من خلال شعاراتها وأساليب عملها، فقد كانت الشعارات تدعو لوحدة الشعب السوري وتطالب بالحرية والكرامة ومحاربة الفساد، ولم تتجاوز أساليب عملها التظاهرات الشعبية والمسيرات السلمية التي عمت المدن السورية كلها، ولم يكن بإمكان أحد أن يتهم هذه الانتفاضات الشعبية لا بالعنف ولا بسوء الرؤية. وبرغم مزيد العنف الذي استخدمته السلطة والدماء التي بدأت تسيل وإنزال الجيش من ثكناته إلى الساحات والشوارع العامة، وفتح باب المعتقلات والتشديد بتطبيق الأحكام العرفية، لم تغير الجماهير الشعبية أساليب عملها ووقفت في الواقع بوجه أي تدخل أجنبي عسكري إقليمي أو غير إقليمي. وكان واضحاً بذلك الوقت أن القسم الأكبر من المنتفضين يرفضون التدخل العسكري الأجنبي في الشأن السوري، ويفترضون أن السلطة لابد أن تصل إلى قناعة بعقد التفاوض لرسم ملامح نظام سياسي جديد، بلورته بشعارات بسيطة هي إقامة نظام ديموقراطي تعددي تداولي.

لقد فتح عَنْت السلطة هذا الباب على مصراعيه لمزيد من التدخل الإقليمي والدولي، عن طريق بذل المال وتقديم السلاح لإثارة حروب لا تنتهي في سوريا، ولأن السلطة استسهلت الحديث عن المنظمات الإرهابية واعتبرتها ضعيفة، فقد كرست الحديث عن الإرهاب المحلي وساهمت في عقد صفقة مع بعض الإرهابيين القابعين في سجونها، على أمل أن يكونوا ملكاً لها من جهة، ويأتمرون بأمرها من جهة أخرى. وصار الخيار يبدو ضيقاً بين الحركات الإرهابية وبين السلطة السورية. ومن البديهي أنه لو وصل الأمر لمثل هذا الخيار فإن الموقف الإقليمي والدولي لن يختار الإرهاب، ولكن الذي حصل هو أن الدول الإقليمية وبعض الحركات الثورية والسياسة الدولية رفضت السلطة والمنظمات الإرهابية معاً وفي آن واحد، ثم تفاقم أمر المنظمات الإرهابية وخرجت عن الطوق ولم يعد بالإمكان لملمتها. وغدت هذه المنظمات عقبة جديدة أمام أي تطور، واستطاعت السلطة السورية أن تلعب على الشروط الجديدة بإتقان، وتستفيد من وجود هذه المنظمات. وفي الوقت نفسه، بدأت هذه المنظمات تنشر رسائلها وممارساتها في الخارج، بما جعلها عبئاً على السياسة العالمية، واختلط الحابل بالنابل ولم يعد بالإمكان فكفكة الأزمة السورية من دون أخذ أمر هذه المنظمات بعين الاعتبار.

لم تبخل الدول الإقليمية في دعم منظمات المعارضة سواءً بالسلاح أو بالمال أو بالتدريب. وبالتالي أعطت لنفسها الحق بتقرير سياسات منظمات المعارضة، وتلاشى شيئاً فشيئاً دور هذه المنظمات، ولم تعد صاحبة القرار بل صارت تابعاً ثانوياً غير ذي جدوى لهذه القوى الإقليمية. ولأن هذه القوى لم تكن تهتم يوماً لا بوحدة المعارضة ولا بوحدة أهدافها ولا بأساليبها، فقد بقيت هذه المعارضة مشرذمة غير متفقة على أي شيء، وما هي إلا أدوات تلعب بها الدول الإقليمية والدولية، ثم صارت الحرب حرب الآخرين في سوريا، كما صار حل الأزمة يرتبط باتفاق هذه القوى على الحل، وهذا ما لم يحـصل. وعلى ذلك بقي الأمر صراعاً بين المصالح المحلية وإلإقليمية والدولية، وكــل من هذه القوى يزعم وصلاً بليلى وأنه يعمل لمصلحة الشعب السوري، ومنع دمار بلاده وسيلان دمائه وإنهاء مأساته، ومساعدته على تأسيس نظام سياسي اجتماعي جديد.

السفير

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى