صفحات العالم

بؤس المعارضة السورية/ جمانة فرحات

“نسعى لإسقاط الائتلاف وتشكيل مجلس إسلامي بسوريا”. هكذا اختارت شبكة “سي ان ان” تلخيص فحوى مقابلتها مع عضو المكتب السياسي في الائتلاف الوطني، كمال اللبواني.

الأمر بالنسبة إلى اللبواني – الذي جاء حديثه بعد ساعات فقط من اعلان المجلس الوطني رفضه المشاركة في جنيف ٢ وتلويحه بالانسحاب من الائتلاف – لا يحتاج إلى أي مواربة.  المطلوب في هذه اللحظة السياسية “وأد” الائتلاف وليس “تصحيح مساره”. أما كيفية تحقيق ذلك، فعبر خلق كيان سياسي وعسكري جديد.

هذا الكيان بدا واضحاً أنه كان يجري الاعداد له منذ مدة، وما الاعلان عن جيش الاسلام بقيادة زهران علوش، قبل فترة وجيزة، إلا حلقة في مسلسل فرط عقد الائتلاف عبر تجريده من شرعيته.

الأمر ليس مجرد استنتاج. اللبواني أكد الأمر، وإن بشكل غير مباشر، بقوله “هناك اتصالات تجري على قدم وساق بين القوى المقاتلة في سوريا بالتنسيق مع أطراف من المعارضة في الخارج، لإعلان مجلس عسكري سياسي مركزي في سوريا بقيادة إسلامية”، مشيراً إلى أن “هناك تنسيقاً مع قائد لواء الإسلام في سوريا زهران علوش، على أن تتوزع قيادة المجلس في كل من المنطقة الجنوبية وفي حلب وفي المنطقة الشرقية، إضافة إلى المنطقة الوسطى”.

هكذا اذاً القائد العسكري (علوش)، المتهم بالتخلي عن جبهات رئيسية كان يتولى قيادة المعارك فيها عبر لواء الإسلام، جاهز. وهوية الجيش أيضاً واضحة طالما أن علوش يقود حالياً “جيش الإسلام”.

نعم الهوية “اسلامية”، لكن مهلاً لا داعي للقلق. لن يضم الكيان المنتظر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام “داعش”، فقط ستكون “جبهة النصرة” مكوناً أساسياً فيه، وهي الجبهة التي أفيد عن تبنيها التفجيرين الانتحاريين في ساحة الأمويين.

وبعيداً عن ملامح الكيان الجديد، وتحديداً العسكرية، فإن تبريرات اللبواني للخطوة تحتاج إلى التوقف عندها. المعارض السوري، الذي يعيش في الخارج متنقلاً بين دولة وأخرى بعيداً عن أرض المعركة وساحاتها، يرى أن “الائتلاف جسد للمعارضة السورية شكل في الخارج، وليس ممثلًا للثورة السورية وأعضاؤه يمثلون من عينهم وتم اختيارهم من المخابرات الأردنية والتركية والفرنسية والأميركية والقطرية وغيرها”.

التسليم بهكذا استنتاج ممكن، اذ لم ينجح الائتلاف في أي لحظة من عمره في اثبات انه معبر عن طموحات السوريين وعلى قدر مسوؤلية تضحياتهم.

لكن هل غفل اللبواني عن كونه أحد أعضاء الاتئلاف، وأن مقولة تعيين المخابرات لأعضاء الائتلاف تنطبق عليه بطبيعة الحال، أم أنه دوناً عن غيره لا علاقة له بأي اجهزة استخبارية؟

أما تفسير اللبواني للرغبة في تشكيل كيان جديد بأنها بسبب جنيف ٢ والضغط على المعارضة لحضوره، فهو في هذه الحالة كمن يضحك على نفسه، لا على الآخرين.

من قال أصلاً إن مؤتمر جنيف سيعقد، فحتى اللحظة ليس هناك ما يشي بذلك. المتأمل لمجريات المعارك الميدانية يدرك جيداً أن النظام السوري لن يذهب إلى مؤتمر جنيف ٢ للمفاوضة على رحيله طالما انه يستعيد زمام المبادرة العسكرية في أكثر من منطقة. وحتى لو عقد، تماشياً مع الصفقة الروسية – الأميركية، فرئيس الائتلاف كان واضحاً في شروط المشاركة والضمانات المطلوبة.

أما التحجج بممارسة ضغوط على المعارضة، فلكأن الضغط بالأمر الجديد على الائتلاف. فمنذ متى امتلك الائتلاف استقلالية في قراره، وألم تكن قرارات المعارضة عموماً والائتلاف خصوصاً نابعة في أغلب الأوقات من ضغط الدول الغربية والاقليمية، بدءاً من تشكيله ودمجه مع المجلس الوطني، مروراً بأغلب قرارته.

هل كان اللبواني غافلاً عن تفاصيل عمل المعارضة السورية، واليوم أزيلت الغشاوة عن بصره بعدما انتقلت دفة ادارة الاتئلاف من طرف إلى آخر.

 مشكلة اللبواني وغيره من الشخصيات المحسوبة على المعارضة السورية أنهم قد استعجلوا تقاسم كعكة الغنائم والمكاسب.

لم ينتظروا حتى يلوح أمل الوصول للسلطة وهو أمل يتلاشى بسرعة كبيرة، الأمر الذي جعلهم يتنافسون لتقاسم ما بين أيديهم من مناطق خاضعة لسيطرتهم.

 وبينما يعتمد الائتلاف على الجيش الحر وكتائبه في الداخل، يبدو أن اللبواني أدرك جيداً أن الحر لم يعد الورقة الرابحة بين فصائل المعارضة المسلحة، وأنه لا بد من الاصطفاف إلى جانب الكتائب الإسلامية، لأنها الأقوى ميدانياً والأكثر تسليحاً ونفوذاً.  وبين “داعش” و”النصرة”، اختار على ما يبدو أهون الشريّن بالنسبة إليه.

 في كل ما يجري اليوم من تجريد الائتلاف من شرعيته وسيطرة الكتائب المتشددة، تبدو المعارضة أنها تجني ثمار ما صنعته بأيديها على مدى اشهر طويلة، سواء في الميدانين السياسي أو العسكري.

 مع تصاعد تسلح المعارضة وبدء تدفق الأجانب على سوريا وبروز انتهاكات ترتكب باسم الثورة، كانت المعارضة تطالب الجميع بغض الطرف، متحججة بأن هذه الممارسات فردية، كما تولى قياديون في الائتلاف الدفاع عن أكثر التنظيمات الإسلامية المتشددة باعتبارها “جزءاً من الثورة”.

 توالت الأيام وثبت أن هذه الممارسات ليست فردية بل منهجية وتعبر أصلاً عن ثقافة هذه المجموعات، وسرعان ما أصبح الجيش الحر والائتلاف ضحية لها.

عندها فقط خرج أعضاء الائتلاف مهددين ومتوعدين هذه الكتائب، لكنهم سرعان ما اكتشفوا ان تهديداتهم لا تثمن ولا تغني، اذ ثبت أن الجيش الحر تحول إلى الحلقة الأضعف بين الفصائل المحسوبة على المعارضة.

اليوم، تمارس قيادات في المعارضة، وتحديداً الائتلاف، لعبة الابتزاز بحق بعضها البعض. مشكلة هذه اللعبة أنها تحدث في لحظة تعد من أخطر المراحل في عمر الأزمة السورية، وهي إن دلت على شيء فليس سوى أن هذه المعارضة بتركيبتها السياسية لم تكن يوماً مؤهلة لتكون الحامل السياسي لثورة السوريين وتضحياتهم.

أما المستفيد من كل ذلك، فليس سوى النظام السوري، سواء رغبت المعارضة في الاعتراف بذلك أم اعتمدت سياستها المفضلة بانكار الحقائق.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى