سمر يزبكصفحات الثقافة

‘ بابا عمرو’


سمر يزبك

عندما استقرت سلالة إيميساني قرب نهرالعاصي، جنوب مملكة أفاميا، لم تكن تعرف أنها ستصنع مدينة تتحول إلى حكاية تنجب الرجال والذهب، وتتوسط البحار والصحارى والجبال، ثم تغيب في قصص العرافات وتعويذاتهن.

الذهب نفسه الذي سينقذ امرأة تعيش في أطراف المدينة بعد آلاف السنين. ولم يكن أحد ليدرك، حتى أنا المؤلف الدائر في الزمن وأمسك عقدة الحكاية، أن هذه السلالة ستؤسس مدينة دمرتها الزلازل في أزمان تأتي، ستنقلب على حركة التراب والماء، المدينة التي سميت لاحقاً بحمص، نسبة الى سلالة ملكية نثرت غبار كبريائها في مياه النهر، ومنذ ذلك الحين تحولت إلى مدينة سحرية، تسكنها جنيات الغبار الذي حمى أهلها، حين ستمر آلاف مؤلفة، وتغرق فجأة في العتمة ذات نهار، ويقرر أهالي المدينة أن يكونوا بشراً على سوية تناصف آلهة ترتكب بعض الحماقات.

ربما لذلك عندما اخترقت القذيفة بيتاً في المدينة يقع في الباب الثامن عند الجهة الغربية، ويسمى في الزمن الحاضر ‘بابا عمرو’، كان النثار الملكي يطوف في فضائها ينشد تعاويذ العرافات، وهو السبب نفسه الذي جعل من الأم التي سمعت صوت القذيفة يخترق بيت الجيران لا تتحرك من مكانها، وتضم طفليها إلى حضنها وتحدق في باب البيت الكبير بفزع، ثم تنتظر أن تواجه مروراً فولاذياً لنار قذيفة جديدة.

كان البيت الهانئ يقع في المنطقة الحديثة من الحي المقسوم إلى منطقة شعبية ومنطقة حديثة، والمسافة التي تفصله عن البيوت الأخرى تتساوى من حيث التوزيع بين مئات البيوت.

توقفت الأصوات من الخارج بعد الإنفجار الكبير، ومسحت الأم بأطراف أصابعها على رأس الولد المصاب، كانت تنظر في جرحه الملتهب. منذ ثلاثة أيام تجلس بانتظار الزوج، الذي خرج ولم يعد. قبل يومين حاولت مغادرة البيت، ولكنها ما إن مدت ٍرأسها من باب البناء الكبير حتى تطايرت طلقات الرصاص في الهواء. الحي محاصر بالدبابات، والقناصة يتوزعون في كل زاوية، فعادت أدراجها، ولم تفكر بالخروج ثانية. ألقت بنفسها على الأريكة. الثلاجة فارغة من الطعام، والإبن الأكبر ينوء بأنات غريبة. لم يكن مصاباً، لكنه كان منهكاً من الجوع. تقبّل جبينه وتبكي. تنظر في عينيه، وتهمس: ما تخاف حبيبي.. ما تخاف.. بابا راجع.. راجع أكيد.

كانت تدرك في أعماقها أن عدم عودة زوجها يعني احتمالين؛ إما أن يكون قُتل برصاص قناص، أو اعتقل من قبل رجال الأمن الذين يتوزعون في كل عشرة أمتار بين شوارع الحي. تتمنى في لحظات أن يكون قُتل، فالصور المريعة للجثت التي عثر عليها أهالي الحي مرميةً في الطرقات، وعليها آثار تعذيب وحشي، تجعلها تفكر أن الموت رحمة، وأن الإختفاء في أحد أقبية فروع الأمن أكثر هولاً من الموت. زوجها خرج للتظاهر مع الرجال الذين يخرجون في الليل للهتاف ضد الرئيس، وفي النهار يضمدون جراحهم، ويدفنون موتاهم، ثم يستأنفون التظاهر، ولم يكن يثنيهم عن هذا سوى الموت. الموت يجعل أحدهم يغيب، لكن الجموع تستمر.

كانت تفكر بجيرانها إن كانوا سيتساقطون واحداً واحداً، وهل سيختفي الحي بما فيه عن وجه الأرض، ويتحول إلى أرض خراب. تفكر بذلك، ويقرصها بطنها من الجوع مع ملامح ضباب بدأ يتجمع، وغباش يمنعها من الرؤية أحياناً. ربما هو أثر الجوع. بقي نصف رغيف يابس وقطعة بندورة مهترئة، ستقوم بطبخ العدس، الزيت انتهى أيضاً، لكن غلي العدس بالماء ربما يسد رمق طفليها. البارحة انقطعت المياه عن الحي، واذا استمر الانقطاع يوماً آخر، فلن يكون لديها في البيت نقطة ماء. فكرت بالألم الذي يعانيه من يموت جوعاً، كيف يكون، ربما يشبه نعاساً ثقيلاً. أرخت رأسها إلى طرف الأريكة، واستسلمت لعذوبة دوار لفّ رأسها.

أصوات اطلاق رصاص أفزعتها من جديد. قامت وأزاحت الستائر. كان البيت المواجه لبيتها مثقوباً بحفرة كبيرة من أثر القذيفة التي سقطت عليه، وتستطيع أن ترى من خلال الحفرة في الجدار غرفة نوم الجيران، وأطرافاً بشرية لجثة مدماة. الغرفة التي كانت عالماً سرياً لجارتها وزوجها. الجارة اختفت منذ ثلاثة أيام هي وزوجها، ربما تركوا الحي، ولكن كيف خرجوا؟

ومن ذلك القتيل؟

تدخل غرفة نومها، وتأتي بغطاء صوفي، تلقيه على ابنها المصاب، تنظر في جلده الذي بدأ يميل الى الأزرق. لا بد أن تخرج، ستموت جوعاً مع طفليها، وجرح ابنها في رأسه وقدمه بحاجة لمعالجة سريعة.

منذ يومين مرت في الشارع الخلفي، تمسك بيد الإبن الصغير. كان الحي محاصراً، ولكن بإمكانها الحركة لأن اطلاق الرصاص كان عشوائياً ومتقطعاً، ذهبت لتسأل عن زوجها، وبينما كانت تنعطف من احدى زوايا الشارع الخلفي، سمعت أصواتاً غريبة، قرقعة حادة تقترب، مجموعة من الدبابات تتجه إلى مدخل الحي وتستقر هناك. ركضت، لكن أصوات النارعلت في المكان، فانبطحت أرضاً. كان الشارع شبه فارغ، ومجموعة من النساء اجتمعن أمام بعض المحلات. المحلات التجارية في الغالب مغلقة، لكن بعضها فتح أبوابه لساعات، سوف يغلقونها نهائياً بعد دقائق، عندما يشتد اطلاق الرصاص. الأمهات صرخن وتجمعن في زاوية ضيقة، وانحشرت الأم وولدها معهن، لم تنتبه إلى الرصاصة التي مرت بالقرب من ساق طفلها، ولم تلحظ الجرح العميق الذي فج رأسه نتيجة ارتطامه بإسفلت الطريق، وهي تحاول حمايته ورميه على الأرض والإنبطاح فوقه. انتبهت فقط عندما تسربت منه آنة خافتة، شهقت بصوت عال، كانت الدماء تشكل بقعة حمراء حول ركبته. النساء ركضن، لكن الرجال الذين يحملون رشاشات ويطلقون النار في الهواء ركضوا وراءهن، وانتزعوا مجموعة من الأطفال، وتعالى الصراخ. كان زعيقاً كارتطام خناجر حادة تطير في الهواء. إحدى الأمهات أمسكت الرشاش ووضعته في صدرها، وحدقت في عيني العسكري بتحدٍ، انتزعت طفلها ثم ركضت به. أم أخرى ذهبت مع الرجل الملثم والمسلح وجلست أسفل الدبابة التي احتجزوا فوقها طفلها، لقد أخذوا الأطفال كرهائن. صرخت امرأة شابة: الله يهدكن، فأطلق مسلح الرصاص بين قدميها، وارتمت أرضاً وهي ترتجف، وزحفت حتى وصلت إلى الزاوية التي تجتمع فيها النسوة. كانت الأم تنظر الى جرح طفلها، عندما اشتد اطلاق الرصاص، تفكر فقط في زاوية مناسبة للهروب، بينما أصوات الرصاص تتعالى، والجنود ورجال الأمن والمرتزقة يتفرقون في المكان. الأطفال فوق ظهور الدبابات يبكون ويصرخون من جهة، والأمهات في الجهة الأخرى يصرخن ويبكين.

كان مشهداً من الجحيم، ولولا نثار الغبار الذي غلف المدينة من آلاف السنين، لانقلبت على وجهها وصارت جذوع الأشجار الهرمة وطبقات التراب الطينية تزين طرقاتها. لكن النثار كان ينتشر بكثافة، ويتنشقه أهل المدينة، الذين حافظوا على أقدامهم ثابتة في الأرض، ولم يسبحوا في الفضاء كما يفترض لأرواحهم التي تفيض في كل لحظة. الموتى والأحياء يمشون جنباً إلى جنب في المساحة الضيقة التي تجمع الدبابات والأمهات والأطفال، وكانت الأم تراقب ما يحدث، وتضم ابنها إلى صدرها. فكرت أن ما فعلته بطفلها كان مجازفة كبيرة، لم تكن تجرؤ على البكاء الآن. ابنها في حضنها وليس رهينة فوق ظهر دبابة، هذه سعادة كفيلة بحبس دموعها. أمسكته بقوة، ثم انبطحت على الأرض وقلبته فوق ظهرها، وبدأت تزحف على ركبتيها للخروج من التجمع الذي كان يزيد، زحفت بقوة وشعرت بسكاكين تمزق كوعيها، لكنها استمرت بالزحف. ما كان يؤلمها أن ابنها لم يكن يصدر أي صوت. كانت عيناه مفتوحتين بذهول، رأسه يتحرك بعدة اتجاهات تصدر منها أصوات الرصاص. أحياناً يغمض عينيه ويفرك جفنيه بأصابعه الصغيرة، لكن الأم، وما إن وضعته على ظهرها، وبدأت الزحف، حتى اطلق عينيه للدموع. تجاوزت الجموع ودخلت في زقاق فارغ، بعض الأهالي يتسربون من زقاقات أخرى. انقلبت على ظهرها وهي تحرك ابنها مع حركتها، فصارت وجها لوجه أمامه، وفجأة لمحت عينيه، كان يبكي، بصمت. عندها فقط بدأت البكاء بصوت عال، وضمته، ثم نهضت وركضت به، لم تعرف كم لزمها من الوقت لتصل البيت. كانت تفكر بالأطفال الذين يجلسون على ظهور الدبابات، وتريد الوصول الى البيت لتمنع ابنها الكبير من الخروج. ربما يكون قد خرج للبحث عنها. تركض، ثم تركض وابنها بين يديها يزداد ثقلاً، عندما وصلت البيت وفتحت الباب رأت ابنها الثاني ينظر من النافذة فزعاً. ارتمت على الأرض مع ابنها الجريح، وركض الثاني إليها، ورمى بنفسه فوقهما. أرادت أن تضحك وتبكي، بدا أنها ستلعب مع أولادها وستتشقلب كقطة بينهما. لكن الواقع أنها اطلقت ضحكة عالية جداً وهي تتلمسهما بلهفة.

كان هذا قبل ثلاثة أيام، وكلما حاولت الخروج من البيت، يبدأ الرصاص ينهال عليها من كل الجهات. بيتها يتألف من أربع غرف، قامت بنبش محتوياته كلها، وهي تفكر بطريقة للخروج. لم تكن تفكر بالذهاب إلى المشفى، فأهل المدينة الذين يحملون جرحى المظاهرات المتساقطين برصاص الأمن يذهبون بهم إلى مشافي قاموا بإحداثها في بيوتهم، لأن أي جريح يدخل المشفى هو مشروع ميت، رجال الأمن والشبيحة يخطفون الجرحى ويقتلونهم.

الرصاصة التي مرت فوق جسد ابنها لم تخترقه، بل أحدثت جرحاً فيه، والأخطر كان جرح رأسه. والفتات الباقي من الطعام سينتهي اليوم، والحي ما يزال محاصراً، لكنها كانت تأمل الخروج منه لأنه قريب من المدخل الرئيسي للمدينة. كان رجال الأمن يعاقبون هذا الحي الذي خرجت منه أكبر التظاهرات، حاصروه بالدبابات وحلقت طائرات الهليكوبتر فوق سمائه، والأم الآن تنتظر رحمة إلهية تنقذها وابنيها من الموت جوعاً.

عادت أصوات اطلاق النار بشكل أعنف، صارت أقرب إلى أذنها. كانت الستائر مسدلة. الستائر ذات اللون ألأبيض المطرز بخيوط ذهبية، تذكر أنها قامت بشرائها من السوق الشعبي مع زوجها. تذكر الآن الكثير من التفاصيل، وهي تمسك بأطراف أصابعها طرف الستارة، تزيحها وتحاول استراق النظر إلى الشارع. لكن أصوات الرصاص تقترب. تعود إلى الأريكة، وتضم طفليها. أصوات صياح رجال علت. أغمضت عينيها، تعرف هذه الأصوات، تنصت ثانية، دقيقة صمت، وأصوات أقدام بالقرب من الباب الخارجي، أصوات وصراخ من جديد.

إنهم يقتربون، تعرف أصواتهم، أهل الحي جميعاً يعرفون أصواتهم. لم تستطع أن تحرك قدميها، تحولت إلى تمثال من حجر، لكنها كانت تستطيع سماع ضربات قلبها عالياً. ابنها الكبير كان معلقاً في الفراغ، ما يزال ذاهلاً، ينظر بدهشة، لا ينطق. حاولت حثه على النطق مراراً، لكنها فشلت. الإبن الصغير يغيب عن الوعي. كان كل ما حولها مظلماً لذلك فكرت في لحظة، أن إغماض عينيها، أو فتحهما سيكون له نفس النتيجة.

(لا أخفي عنكم، وأنا أكتب هذه القصة الحقيقية التي حصلت في اليوم الخامس من شهر تشرين الثاني سنة 2011 في مدينة حمص، عن امرأة استطاعت الخروج من حصار حي ‘باب عمرو’ مع طفليها، أني رأيت ذلك الظلام الذي شعرت به الأم. الآن أنا أرى ظلام عينيها، ليس ظلاماً أسود، إنه ظلام غائم بلون ندف القطن الأغبر، مستسلمة للموت، وهي تسمع قرقعة أصوات الأسلحة وأقدام الجنود، ورجال الأمن يقتربون من باب بيتها. فاتني أن أقول الشبيحة أيضاً، أنا أرى الظلام بشكل واضح، رغم أن عينيَّ مفتوحتان على أقصى ما يمكن لهما، لكن أمامي الظلام. أقوم بمقاطعتكم يا سادة لأثبت لكم مرة بعد أخرى أن الواقع ليس دائما أقل من الخيال، وعذرا على التكرار، لكنها نظريتي التي أحاول برهانها، وأنا أصنع كتاب الأمهات. ثم أني أسف على مقاطعتي لكم، سأعود إلى حكاية الأم).

كان كل ما حولها غائماً بندف من القطن الأغبر المندفع من باب البيت، ضمت ولديها حتى سمعت طرطقة أضلاعها، وهي تحدق في تفاصيل الغرفة. الغطاء الذهبي الشبيه بستائر النوافذ، النبتة الخضراء المعرشة حول النافذة، والتي بدأت الإصفرار، نبتة ‘قلب عبد الوهاب’ المحببة إليها، الآن فقط انتبهت إلى ذبولها، تحركت قليلاً، وحدقت في أوراقها المتساقطة على الأرض، كيف نسيت وجودها؟ تتساءل، تنسى الأصوات الخارجية، وهي تحدق في أثاث بيتها الذي بدا وكأن زمناً طويلاً مرَّ على وجوده. تتطلع وكأنها تكتشف البيت لأول مرة، تنظرعبر شق الستارة النصفي وتكتشف أن الخارج يبدو رمادياً، وتلمح من الشق الصغير ظلالاً خضراء تميل للإصفرار تتمايل. إنها الشجرة الكبيرة أمام البناء، تغمض عينيها من جديد، وتهز رأسها وكأنها تنفض بللاً، لقد نسيت نوع الشجرة، هل كانت شجرة كينا؟

وهي غارقة في تفاصيلها، سمعت طرقاً عنيفاً على الباب، تراجعت إلى الخلف، ونزعت رأسي ولديها من حضنها، وقامت بهدوء. سمعت فجأة خشخشة ناعمة، وانتبهت أن في معصميها أساور ذهب، نظرت في الأساور المبرومة، وكأنها تكتشفها للمرة الأولى. وحينها خطرت لها الفكرة، تلك الفكرة التي ستكون كفيلة بإنقاذها في لحظة ما، لحظة لم تكن لتخطر على بال. نعم لقد اكتشفت الحل الكفيل بإنقاذها وولديها: خشخشة الأساور حول معصمها!

وقفت بثبات، الطرق يزداد عنفاً، وسمعت السباب والشتائم. .أثناء وقوفها كانت الأرض تميد تحت قدميها. استمرت بالتقدم. فتحت الباب بهدوء، ونظرت بلا مبالاة، وقف أمامها أربعة رجال يرتدون ثياباً مدنية، وعلى خصورهم ومن أكتافهم وبين أيديهم الأسلحة، لم تترك لهم مجالاً للتحدث، كانت بالكاد تنطق، والجوع يقرص بطنها: عندي صفقة مربحة إلي وإلكن؟ خرجت الجملة من شفتيها، وكأن امرأة آخرى تتكلم، ثم تهاوت على الأرض.

بعد أقل من ساعتين كانت المرأة مع طفليها خارج حدود حي ‘بابا عمرو’ المحاصر.

كانت تحمل طفلها الصغير، وتجر الثاني جراً. عثر عليها الأهالي في الحي المجاور. ابنها الكبير ذو السنوات الست كان جامداً، عيناه مفتوحتان، وشفتاه مشققتان، والصغير ذو السنوات الثلاث، غائب عن الوعي. ثم بدأت الكلام عندما تناولت امرأة منها الصغير الجريح، ودخلت به إلى بيتها. تدفق الكلام منها بسرعة وتلعثم، ولم تتوقف حتى وقعت مغشياً عليها. قالت:

‘من يومين ما أكلنا، جوزي طلع من البيت وما رجع، قصفوا بيت الجيران، أنا شفت القذيفة بعيني، وشفت زلمة ميت جوا البيت، الأولاد أكلو فتات الخبز.

جوزي طلع وما رجع..

جوزي طلع وما رجع..

وما بعرف وينو، البناية كلها فاضية، شفت اتنين ماتوا قدامي، شفتون من الشباك، أنا شفتهون، هيك متل مو شايفتكون..

والله العظيم، الشبيحة أو المخابرات.. ما بعرف.. ما كانوا لابسين عسكري.. إجوا عالبيت، عطيتهون صيغتي كلها، أخدوا الصيغة كلها حتى قبلوا يطلعوني، صيغتي كلها.. الدهب كلوا من يوم خطبتي.. دهب بخمسمية ألف ليرة سوري، أخدوها لقبلوا يهربوني.. والله العظيم

شوفوا ابني.. جرحوا التهب، شوفوه ياناس.. شوفوه ياناس بدو مشفى عالسريع.. ابني شوفوه’.

عندما سقطت الأم على الأرض، سقطتُ معها، أنا المؤلف الذي انتهيت الآن من حكاية الأم الثالثة، ولم أحصل على صورة لها، لكني سأغلق ملف ‘كتاب الأمهات’ وأحاول رسم صورة لها، لأضعها جانب صورة أم زينب. صورة قبل محاصرة الحي، واعذروني، لأني لن أستطيع هذه الليلة أن أتحدث لكم عن الواقع المتوحش والخيال الآمن. فالحكاية الرابعة التي تنتظرونها سآتي بها من نفس الحي، ‘بابا عمرو’ في مدينة حمص. وقد فاتني أن أقول لكم أن النثار الذي جاءت به سلالة إيميساني لم يأت بمفعوله، كما هو مقدر له من العرافات المرافقات للعائلة المالكة في بدء تأسيس المدينة التي تستعد لزلزال جديد. لا أستطيع حتى التكهن بزمنه، فأنا مشغول بما تعنيه فكرة الحديث عن الألم، وهل تحررني منه الكتابة عنه! أجدها فكرة سخيفة جداً، فالكتابة عن طلقة رصاصة تجعلها تستقر عميقاً في قلب الكاتب.

أما أنت أيها القارئ، فأترك الرصاصة لك، رصاصة معلقة في الفراغ، في منطقة متوسطة، بين فوهة حديدية وبين.. صدرك.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى