صفحات العالم

بازار سوريا: ساطع نور الدين

 في نفيه الصفقة مع السعودية حول مستقبل نظام الرئيس بشار الاسد، باح الكرملين بالكثير ولم يدع مجالا لاي لبس في مستوى النقاش الثنائي، والدولي طبعا، حول الازمة السورية المستعصية التي بلغت حدا لا يحتمل، وفق المعايير الانسانية والاخلاقية والسياسية.

كان اللقاء قبل اسبوع بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبين رئيس الاستخبارات السعودية الامير بندر بن سلطان مفاجئا بعلنيته، وبصوره، وبالصداقة القديمة التي تبين انها تجمع بين الرجلين.. وتستخدم في هذه اللحظة لمعالجة ما بدا انه نزاع وضع الدولتين في مواجهة بعضهما البعض على خطوط التماس السورية، حيث كان ( ولا يزال) يعتقد ان موسكو تحارب الاسلاميين الذين تصدرهم السعودية الى سوريا.

تبين ان الامور اعقد من ذلك التوصيف المبسط للازمة السورية، وللموقفين الروسي والسعودي اللذين يتسمان بالكثير من الغموض ويثيران الكثير من علامات الاستفهام، المستمدة اصلا من غموض الموقف الاميركي، المبني هو الاخر في جانب رئيسي منه على موقف اسرائيلي قاطع في منع الحسم ضد نظام الاسد.

اللقاء الروسي السعودي يؤكد ان ثمة تحولا في مواقف الدول الاربع المعنية مباشرة بالازمة السورية:

روسيا تنفتح على الحوار حول مستقبل الاسد، او هي بالاحرى لا تقفل هذا الحوار، ولم تعد  تعتبره اهانة لكرامتها او لكرامة الشعب السوري الذي يفترض ان يكون المسؤول الاول عن اختيار حاكمه. وهي عبارات لم ترد في بيان النفي الروسي للصفقة مع السعودية، علما بانه سبق ان وردت في جميع البيانات والتصريحات الروسية المتعلقة بسوريا.

كان النفي الروسي هذه المرة متحفظا جدا، اقتصر على بضع جمل افادت ان اي صفقة لم تبحث ( او بالاحرى لم تتم) مع الامير السعودي.. من دون اضافة تلك اللازمة التي كانت على الاقل تشير الى ضرورة الحل السلمي بين السوريين انفسهم، او توحي بانه ليس هناك بديل جاهز للاسد، على نحو ما جاء على لسان اكثر من مسؤول روسي، حيث كانت المعضلة ولا تزال تكمن في طبيعة المعارضة السورية ومستوى تنظيمها واستعدادها لتولي زمام المبادرة. وهو تقدير صحيح الى حد بعيد، ويؤيده الاميركيون والاوروبيون وغيرهم.

السعودية تغادر المنطقة الرمادية السابقة،التي غرق فيها الجميع على مدى العامين الماضيين، وتطير الى موسكو حاملة اقتراحا محددا بشراء اسلحة روسية بقيمة 15 مليار دولار ( قيل انه يمكن ان تشتريها الرياض لمصلحة الجيش المصري الذي لا يزال يملك بعض الاسلحة والخبرات الروسية اكثر من الجيش السعودي مثلا..) وعدم منافسة صادرات الغاز الروسية الحيوية الى اوروبا الغربية، من قبل المشتقات الخليجية.. وهو ثمن معقول لتغيير موقف روسيا، التي لم تعترض ايضا على المبدأ ولم تحرص على القول ان موقفها مبدئي، لا يباع ولا يشترى.. وثمن مقبول لسوريا التي دمرها النظام واعادها عقودا الى الوراء.

الثابت الان ان البازار قد فتح. ولا احد يتوقع ان يقبل الشاري بالسعر الذي حدده البائع من اللحظة الاولى. المؤكد ان كلا الاثنين سيطلب من الاخر دليلا على جديته في السعي الى الصفقة، قبل ان يبدآ المساومة الحقيقية التي يفترض ان تضمن عدم خسارة اي منهما لاي من رأسماله المستثمر في.. سوريا، كما يفترض ان تحظى بقبول بقية الاطراف الذين يراقبون هذا التفاوض المفاجىء، والهادف الى الخروج من المأزق السوري، الذي تزيد كلفته البشرية والمادية والسياسية يوما بعد يوم.

لم يذهب بندر الى موسكو من تلقائه. فصداقاته الروسية لا يمكن ان تضاهي علاقاته الاميركية الوثيقة التي بناها على مدى خدمته كسفير سعودي عاصر وصادق  اكثر من رئيس اميركي. ولم يستقبله الكرملين فقط بصفته اميرا سعوديا، يود التوصل الى ثنائية سعودية روسية او حتى خليجية روسية حول سوريا: المساومة يمكن ان تطول، لكن ارباح موسكو يمكن ان تكبر.. لان احدا لا يريد وراثة الخراب السوري.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى