صفحات المستقبل

بالتلميذ ولا بالرئيس


لميس فرحات

من لم يبك في اليوم الأول من المدرسة؟ من لم يشعر برتابة النهوض من السرير عند الصباح للتوجه الى مدرسته مثقلاً بحقيبة مدرسية مليئة بالكتب؟ ولكن بداية العام الدراسي في العالم العربي ستكون مختلفة هذه السنة، فرؤساء دول طاروا من مناصبهم، وآخرون ينتظرون أن ينبت لهم ريش، لذلك تغيرت المناهج الدراسية أو هي في طريقها إلى التغيير.

ترى كيف سيكون اليوم الدراسي الأول في سوريا؟ هل سيبكي الطفل لأنه لا يريد مغادرة منزله للتوجه إلى باص المدرسة، أم سيبكي والداه خوفاً عليه من ألا يعود ظهراً؟

وعند انتهاء الدوام الدراسي، هل سينتظر الطفل والديه ليستقبلاه ويسألاه عن يومه، أو سيسبقه اليهما “شبيح” بحجة منع التجمعات “المشبوهة”؟

وإذا خطت أنامل الصغار على جدران المدرسة “خرابيش” ضد نظام الأسد كما حصل في مدينة درعا خلال العام الدراسي الماضي، هل ستعاقبهم المعلمات بمنعهم من ارتياد “الفسحة” أم ستقلع أظافرهم بحجة “التآمر على الحاكم بأمره”؟

في اليوم الدراسي الأول، يبكي الطفل لأنه خائف من مغادرة المنزل، يخاف من “الغرباء” الذين سيجلسون قربه على المقعد ومن “المعلمة” التي ستضربه بالمسطرة إن لم يحسن الإجابة.

اليوم، السوريون كلهم يخافون مغادرة المنزل، يخافون ذاك “المجهول” الذي سينقض عليهم ويجرهم إلى المعتقل “لطرح بضعة أسئلة” ويطلق سراحه بعد “بضع سنوات”. يخافون من “القناص” الذي يختبئ وراء الجدار بانتظارهم ليعاقبهم على فتح فمهم في مكان خارج عيادة طب الاسنان.

يفكر التلميذ: اين قاعة دراستي؟ ما اسم معلمتي؟ من هم رفاقي؟ كيف سأتمكن من معرفة أي باص سيعيدني الى المنزل؟

ويفكر السوري: أين ينتظرني الموت؟ من هم رفاقي الذين سأموت معهم؟ كيف سأتمكن من ابلاغ عائلتي اني بخير وسأعود؟ هل سأعود؟

يجلس الطلاب في مقاعدهم، وتبدأ الدروس: رياضيات، علوم، جغرافيا، تاريخ…تسأل المعلمة: ما هو نظام الحكم في الجمهورية العربية السورية؟

يحتار التلميذ في الإجابة، هل هو “نظام الاسد”، أم نظام حزب البعث العربي الاشتراكي، أم “الاخوة الحلفاء”؟ يريد أن يجيب: الحكم في سوريا للناس الذين يموتون في الشوارع. لكنه يخاف أن تنقص علامته، أو تنقص أسرته عزيزاً يعود إلى المنزل فلا يجده.

تلامذة ليبيا محظوظون، لقد عادوا إلى مدارسهم من دون “الكتاب الأخضر” في حقيبتهم. بعد 42 عاماً، لن ينشأ الأطفال في ليبيا على تمجيد “الأخ القائد”. ها هم يركضون في الملعب هاتفين بشعارات ضد العقيد الليبي معمر القذافي، يرفعون علم الثورة الليبية، ينظرون إليه بفرح وهو يرفرف حولهم. الحرية ترفرف من حولهم.

مشهد اليوم الدراسي الأول يختلف كثيراً عما شهدته الباحات نفسها في العام الماضي، حيث بدأ التلاميذ الليبيون يومهم بالإصطفاف لترداد الأغاني في مديح القذافي وتمجيده. أما اليوم فيغنون معاً: “أنت ليبي حر، فارفع رأسك عالياً” وغيرها من أغاني الثورة، معبرين عن فرحهم البريء بالإنتصار.

في ليبيا، تحمل المعلمة صورة القذافي وتسأل تلاميذها الصغار: “من هو هذا الرجل؟”، فيجيب الطلاب بصوت واحد: “إنه المجرم الذي قتل آباءنا وعائلاتنا”. هذه الدروس التي سيتلقاها الطلاب في ليبيا هذا العام، وهذه هي الأسئلة التي سيجيبون عنها بما شاهدوه مع العالم كله هذا العالم.

لكن في سوريا، إذا سئل الطالب “من هو هذا الرجل”، فالإجابة ستكون مسألة حياة أو موت. فهذا “الرجل” يطبق على الحرية بيد من حديد ورصاص، والإجابة واحدة، يمليها نظامه على الجميع، على مرأى العالم الذي يشاهد ولا يتحرك.

ربما لهذه الأسئلة إجابات، وربما ستمر السنة الدراسية ويتخرج الطلاب، لكن المؤكد هو أن الشوارع السورية التي تنبض بالدم والحرية، ستخرّج أبطالاً وشهداء، لأن السوريين كلهم طلاب، يطلبون الحرية والأمان من آلة قتل عمياء لا ترى في الأطفال والشيوخ والنساء سوى “مخربين”.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى