صفحات سوريةمنذر خدام

بحثاً عن مخرج من الأزمة في سوريا


منذر خدام

في سياق البحث عن مخرج من الأزمة التي تعصف بسوريا، ينبغي التذكير بداية، بأن النظام سوف يقاوم حتى النهاية، وقد يتسبب في دمار واسع في البلاد قد يصعب تحمله، وفي حال تم تحمله سوف يحتاج الشعب السوري ربما إلى عقود من السنين لتعويضه وتجاوزه.

في الطرف المقابل، يبدو أن  الشعب السوري، كما هو واضح، لن يتراجع عن مطالبه المحقة، وهو في كل يوم يمر يكتسب عزيمة وتصميماً كبيرين على إنجاز التغيير مهما كلفه ذلك من ثمن.

إن النظر في المعادلة على هذه الصورة الجامدة والحدية يقود إلى استنتاج وحيد لا ثاني له وهو أن الكارثة مقبلة لا محالة، النصر فيها بالمعنى التاريخي هو هزيمة مدوية بالمعنى المباشر. ولا ينبغي لأي تحليل رصين أن يغفل عن احتمال التدخل العسكري الخارجي. أو أن يفرض توازن القوى على الأرض حالة من الجمود لأجل طويل من الزمن، هو بحد ذاته هزيمة مدوية للجميع.

من جهة أخرى، توجد مخاطر حقيقية على الدولة تدفع في اتجاه انهيارها، وهذا ربما تعمل عليه قوى خارجية عديدة. ثم ألا يعني انهيار الدولة الارتداد إلى البنى الأهلية؟!! وبالتالي تمزيق المجتمع إلى كيانات طائفية سوف يصعب توحيدها لاحقا على أسس وطنية. هذه أسئلة مشروعة جدا ينبغي ألاّ تتجاهلها القوى الوطنية الديموقراطية، وقوى التغيير في الشارع، تحت أي ذريعة كانت، لأن في تجاهلها تعبيراً عن تجريبية مدمرة ، وقصور سياسي لا يخدم  طموح الشعب السوري في إنشاء نظام ديموقراطي، يؤسس لبناء دولة مدنية ديموقراطية عادلة.

أمام هذا الاستعصاء الظاهري، لكن الحقيقي، للخروج من الأزمة التي تعصف بالبلاد، يتقدم إلى الواجهة المفتاح السحري للحل: الحوار( التفاوض). والحوار هنا له معنى سياسي فقط، ولا يجوز تحميله أية حمولة أخلاقية، لأنه بطبيعته لا يستطيع حملها أو تحملها. وينبغي أن يكون واضحا أن الحوار في الحالة السورية الراهنة لا يعني الوصول إلى حلول وسط، فبين الاستبداد والديمقراطية لا يوجد حل وسط، بل مساعدة المهزوم موضوعيا، وهو السلطة، على تحقيق هزيمته فعلياً بأقل ثمن يمكن أن يدفعه البلد أو الطرف المنتصر، وربما الطرفان معاً.

من الناحية الإجرائية أعلن النظام قبوله مبدأ الحوار، وحاول إجراءه على طريقته مع أطرافه وحواشيه، في تجاهل واضح للحراك الشعبي في الشارع، وكذلك للقوى المعارضة سواء في الخارج أو الداخل. بل تفرّد بإصدار مجموعة قوانين تتعلق بتشكيل الأحزاب والانتخابات العامة والمحلية والإعلام، في تناقض واضح مع دعوته للحوار. إن استمرار هذا النهج كغطاء لخياره الأمني لن يؤدي إلى نتيجة، بل سوف يزيد الأوضاع تأزما وتعقيداً.

من جهتها قوى المعارضة الوطنية الديموقراطية بمختلف أطيافها، سواء المنضوية في إطار المجلس الوطني السوري، أو في إطار هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديموقراطي، والعديد من الأحزاب الأخرى غير المنضوية في إطار التحالفات السابقة، إضافة إلى النخب الثقافية المعارضة، كانت قد طالبت بالحوار منذ بداية حكم الرئيس بشار الأسد، وهي التي طرحت شعار التغيير السلمي الآمن المتدرج في ذلك الحين، فواجهها النظام بالقمع وزج بعضا من رموزها في السجن بما صار يعرف بـ”ربيع دمشق”. مع ذلك فإن هذه القوى مجتمعة بحاجة، في الظروف الراهنة، إلى تجاوز مرحلة الشعارات العريضة التي كانت تتحرك تحت رايتها ولا تزال، وتنتقل لتقديم رؤيتها للتغير الوطني الديموقراطي الذي تنشده، وتعلنها. وهي بحاجة اليوم قبل كل شيء، لتشكيل لجنة تنسيق مركزية بين الأطر التنظيمية الرئيسة لها، أعني المجلس الوطني السوري، وهيئة التنسيق الوطنية، على وجه الخصوص، لتقود عملية الحوار(التفاوض) وفق رؤية واضحة للمخارج الممكنة والمحتملة من وضعية الاستبداد إلى وضعية الحرية والديموقراطية. ويلح على ذلك بصورة خاصة مبادرة جامعة الدول العربية الأخيرة. في ضوء ذلك وخدمة لهذا الهدف السامي فإننا من موقعنا الثقافي والسياسي نود طرح الرؤية الآتية كخريطة طريق للحوار(للتفاوض) لتحقيق الانتقال من النظام الاستبدادي إلى النظام الديمقراطي البديل، بما يؤسس لبناء الدولة المدنية الديموقراطية العادلة.

بداية لا بد أن تبادر السلطة إلى وقف الحل الأمني، وسحب الجيش والقوى الأمنية من الشوارع، والسماح بالتظاهر السلمي لكي يفرز الحراك قادته الذين يمكن أن يفاوضوا باسمه، وقد يكون من المناسب تخصيص ساحات معينة لذلك. ولا بد أيضاً من إلغاء جميع القوانين الاستثنائية المقيدة للحريات التي صدرت في ظل إعلان حالة الطوارئ، و إطلاق سراح جميع المعتقلين على خلفية التظاهرات التي عمت المدن السورية، وإصدار عفو شامل عن جميع سجناء الرأي في سوريا، وإغلاق ملف السجن السياسي نهائياً، وتسوية أوضاع جميع  السجناء السياسيين السابقين، والتعويض عليهم، كل بحسب حالته. وفي هذا السياق لا بد من تسوية ملفات الأحداث في الثمانينات، وفي الوقت الراهن، وإغلاقها نهائيا، والتعويض حيث تطلب الأمر ذلك. وينبغي السماح بعودة المنفيين طوعا أو كرها إلى الوطن وتسوية أوضاعهم. ومن الأهمية بمكان تشكيل لجنة تحقيق مستقلة ذات صدقية للنظر في أحداث العنف التي رافقت المظاهرات الشعبية، والكشف عن قتلة المتظاهرين ورجال الجيش والأمن ومحاكمتهم لينالوا جزاءهم العادل.

وفي سياق الإجراءات ذات الطابع التنفيذي ينبغي إخراج حزب البعث من جميع مؤسسات الدولة، وتحرير النقابات وهيئات المجتمع المدني من سيطرته. بعد تنفيذ هذه الإجراءات  أو البدء بها ينبغي تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة شخصية سياسية معارضة بارزة لإدارة المرحلة الانتقالية والمباشرة بتشكيل لجان من كبار الحقوقيين والمختصين بالقانون الدستوري لإعداد مسودة دستور جديد لنظام ديموقراطي برلماني أو رئاسي بحسب ما يتم الاتفاق عليه، يؤسس لدولة مدنية ديموقراطية، وجميع القوانين التنفيذية له، وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بالإعلام وتشكيل الأحزاب السياسية، وقوانين الانتخابات العامة والمحلية وغيرها، على أن يتم عرضها كحزمة على النقاش العام لمدة شهر واحد، ومن ثم يتم الاستفتاء عليها خلال ثلاثة أشهر.

إن تنفيذ المطالب السابقة الذكر كفيل بوضع سوريا على طريق آمن وسلمي للخروج من نطاق الاستبداد إلى فضاء الحرية والديموقراطية خلال زمن يتم الاتفاق عليه.

(معارض سوري (حركة معا))

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى