صفحات المستقبل

بخّ واحتفالات بالحياة في الشام وحلب

 

ريّـان ماجـد

بستان القصر – حلب – فايسبوك

“في الشام، عَملت مجموعتنا في المناطق التي يسيطر عليها النظام وبجانب فروع الأمن. جمعنا نماذج للعديد من الـ “غرافيتي”، برأينا يمكن أن تؤثر على الموالين أو الصامتين. “قل للرصاصة إننا سوريون” هي واحدة من العبارات التي طبعناها على جدران شوارع رئيسية في دمشق. بدأت عملية التفريغ على صور أشعّة كونها بلاستيكية ولا تترك نشّاً على الدهان. نزلنا مع بداية الليل، درسنا المنطقة واخترنا جدراناً متوارية نسبياً عن أعين الشبّيحة المتواجدين هناك. عند الثالثة فجراً، نزل شابان وبدآ بالبخّ، شاب ثالث كان يصوّر ورابع يكشف الطريق. بقيت صديقة لنا في المنزل، تنتظر وتتحضّر لتفريغ البيت من عدّة الشغل ولإقفال صفحاتنا على فايسبوك ولإخبار باقي أصدقائنا، في حال اعتُقلنا”.

هكذا شارك ماهر (إسم مستعار) ومعه مجموعة من “تجمّع الشباب المدني السوري ــ نبض” بـ “احتفالية ثورة إنسان من أجل الحياة” التي شهدتها مدن وأحياء سورية عدة لأيام متتالية، بدأت في 15 آذار/مارس من هذا العام ــ ذكرى مرور سنتين على اندلاع الثورة السورية.

طبعت المجموعة أيضاً العديد من الملصقات، يُخبر ماهر. “توزيع ولصق “الستيكرات” أسهل من البخّ، لكونها تتمّ بسرعة ومن دون “شوشرة”. توزّعنا على حارات الشام كلّها: القنوات، البرامكة، باب توما، شرقي، الحريقة… وألصقنا على أبواب البيوت والسيارات والجدران جُملاً مثل: ثورتنا ثورة إنسان؛ أنا إنسان ماني حيوان وهالعالم كلها متلي؛ من درعا للاذقية ومن حمص للقريا ثورة حرّية”.

وفي موازاة البخّ و”ثورة الحرّية” المتنقلّة على جدران عديدة في الشام، كان ناشطون في حلب، يرسمون “غرافيتي” على جدران حيّ “بستان القصر” ويكتبون “حرّية للأبد لكل ولاد البلد” ويغنّون “للشهيد” ويطالبون بالإفراج عن المعتقلين.

” أنا من تجمّع نبض للشباب المدني السوري، شاركت مجموعتنا مع “كشّ ملك – لنرجّع سورية جمهورية” و”شباب من أجل الحرّية” ومجلّة “سورية بدّا حرّية” في احتفالية “ثورة إنسان من أجل الحياة”. استمرّ الاحتفال أربعة أيام. واخترنا لكل يوم لوناً نرسم فيه على جدران مناطق من حلب المحرّرة، كان من بينها جدران “مدرسة المشاة” المحرّرة. في اليوم الأول، عبّرنا من خلال الغرافيتي عن غضبنا من صمت الأمم المتحّدة والمجتمع الدولي حيال ما يحدث في سوريا. خصّصنا اليوم الثاني لشهداء ومعتقلي الثورة. أضأنا الشموع في “بستان القصر” وغنّينا للشهيد وللمدن السورية. في اليوم الثالث دعونا الى توحيد المعارضة، وفي الرابع كتبنا عن أخلاق الثورة وعن ربيعها”.

تعيش حلا (إسم مستعار) في حلب، في منطقة يسيطر عليها النظام.

تصف وضع المدينة  بالمضطرب دائماً. “حلب بأكملها مقطوعة عنها الكهرباء والماء منذ 27 ساعة.

وضع الاتصالات سيئ جداً فيها وكذلك الأمر بالنسبة لشبكة الإنترنت. لكنّ وضع المناطق الخاضعة لسيطرة النظام أفضل حالاً من المناطق المحرّرة. منذ أربعة أشهر، والناس في “بستان القصر” يعيشون من دون كهرباء”. تُخبر أن المناطق التي تقع على التماس بين النظام والجيش الحرّ تتعرّض لقذائف من الطرفين، وأن صواريخ تسقط دائماً في المناطق المحرّرة. “خوفنا، عندما نبخّ الصور على الجدران ليس من الاعتقال، كما هو حال رفاقنا في الشام، بل من القنص والقذائف. خاصة وأن الجدران التي اخترناها كبيرة وتقع في مناطق مكشوفة للقنص”.

سقطت قذيفة بالقرب من حلا ورفاقها أثناء بخّهم لصور رفاق لهم استشهدوا ولآخرين اعتقلوا. “كنّا نزيّن ونلوّن حائط المقبرة التي دُفن فيها مصطفى قرمان، واضطررنا إلى أن نتوقّف لأن صاروخاً سقط إلى جانبنا وتابعنا العمل في اليوم الثاني”. مصطفى قرمان هو ناشط مدني ومؤسس مجموعة “كشّ ملك”. استشهد جرّاء سقوط قذيفة على تظاهرة شارك فيها في منطقة “بستان القصر” أواخر العام 2012.

تشعر الناشطة أنها مقيّدة في مكان سكنها، لكنّها تستفيد من وجودها في مناطق يسيطر عليها النظام لتعمل في إغاثة النازحين الموجودين في أغلب المدارس هناك، ولتنسّق العمل الذي تقوم به داخل “المناطق المحرّرة” من حلب والمتركّز في “بستان القصر” و”الكلاسة” و”السكري”. “تتعرّض مجموعتنا الصغيرة التي تعمل في المناطق الخاضعة للنظام وفي المناطق المحرّرة للخطر أثناء تنقلّها. خطر الاعتقال أو القنص أو القصف وحتى الخطف”.

عملهم هذا هو سابق لـلنشاط الذي نفّذوه ضمن “إحتفالية ثورة إنسان من أجل الحياة”، وهم ينشطون منذ فترة طويلة. ” كان عملنا في البداية مقتصراً على الإغاثة فقط. بعدها، بدأنا بتنفيذ فكرة التعليم”.

جهّزت حلا والمجموعة في منطقة “بستان القصر” المحرّرة مدرسة للأطفال تضمّ 136 طفلاً و11 معلّمة ومعلّماً. تستقبل تلامذة لغاية الصف السادس، أي لعمر الثانية عشرة. “لا تخضع هذه المدرسة لأية أيديولوجية، على عكس المدارس التي جهّزها “الإسلاميون” هناك. ندرّس المنهاج ذاته الذي يتّبعه الطلّاب في مناطق النظام، لكنّنا حذفنا مادة التربية القومية منه. نريد تثقيف الأطفال بما يتناسب مع عقلهم ومع ثورتنا لكن من دون السماح لهم بالمشاركة في التظاهرات أثناء فترة الاستراحة. المدرسة هي لكي يتعلّموا ويعيشوا طفولتهم فقط. يأخذ التلامذة يومي عطلة في الأسبوع. خصّصنا يوم الخميس لنشاطات كالمسرح والرسم، والجمعة للراحة”.

ينوي الناشطون توسيع المدرسة عند حصولهم على دعم مادي أكبر. وهي تأسّست بعد استشهاد مصطفى قرمان وسمّيت على اسمه لأنها كانت فكرته وفكرة مجموعته “كشّ ملك”، تضيف حلا. بدأ الطلاّب يداومون منذ بداية شهر شباط/فبراير من هذا العام. ساهمت مجموعة “نبض” بتأمين المكان وتجهيزه. “نقلنا الكتب والمقاعد من مدرسة قُصفت، وحاولنا أن يكون مكان المدرسة الجديدة آمناً وبعيداً عن القذائف قدر الإمكان”.

تُخبر حلا أن كل هذا العمل يقوم به ناشطون قلائل في حلب. “نحن كشباب مدني ينشط في حلب عددنا قليل. ننتمي الى مجموعات مختلفة، لكننا نعرف بعضنا بعضاً ونعمل سويّاً. مصطفى كان صديقاً للكلّ، وهذه المدرسة كانت دَيناً علينا”.

ماهر وحلا ومجموعات مدنية شبابية متنوّعة في سوريا “سيواصلون عملهم”، على الرغم من كل المخاطر التي قد يتعرّضون لها. فهم مؤمنون بما جاء في اللافتة التي رفعها ناشطون في حلب وكُتب عليها: “لن يقوى القيد على الفكر”…

موقع لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى