صفحات الرأي

بداهة أو نصف بداهة


عباس بيضون

يقول جيل كيبيل وهو باحث خبير بالعالم الإسلامي وله عدة مؤلفات مترجمة إلى العربية، في عدد من اللوموند (خارج السلسلة) ان بن لادن حين اوعز بعملية 11 أيلول في برجي مبنى التجارة كان يحاول ان يتجاوز مأزق القاعدة. فقد أمل من ان عملية كهذه في فظاعتها وقوتها المشهدية، في احتلالها الطويل لوسائل الميديا السمعية البصرية، في سيطرتها على الصحافة، في اظهارها أميركا مرتاعة مجروحة وهي قطب العالم الأوحد، في إبراز هشاشتها وعدم استعطائها على الضرب والأذى. حين اوعز بن لادن بعملية 11 أيلول كان يأمل ان ينتفض العالم العربي ضد حكامه ودوله وان تجد القاعدة لذلك مداً شعبياً. والحال ان عملية 11 أيلول أثارت ما أثارت في العالم العربي والإسلامي وربما حظيت فيه بمؤيدين كثر وربما أعادت الاعتبار لكثيرين شعروا دائماً بالمهانة امام التقدم الغربي وظنوا ان الغرب عصي على الجرح والأذى. لكن هذه العملية فضلاً عن ذلك لم تنجح في تجذير القاعدة في الشعوب العربية والإسلامية وعلى هذا فإنها كانت قمة في عمليات القاعدة لكن كانت مظهر تأزم في نفس الوقت وبعدها لم يكن هناك سوى التراجع الذي انتهى بمقتل بن لادن.

أما السؤال الذي يثيره حديث كيبيل في اللوموند فهو بالضبط فرضية في ان القاعدة كانت مثلها مثل الأخوان المسلمين واليسار تطمح إلى إيجاد مد شعبي لها تتجذر فيه، ان مأساة القاعدة كانت مثل مأساة بادرماينهوف والتوباماروس. انعزالها عن الجماهير وعجزها عن التجذر فيها. فرضية كيبيل نظرية ومنطقية في نفس الوقت. اذ يبدو انها اقرب إلى البداهة. القاعدة مثلها مثل أي مجموعة سياسية تطمح إلى قاعدة شعبية عريضة. انها بداهة تنطبق على كل مجموعة سياسية ـ عسكرية ومن البديهي إذا ان تستنتج انها مثلها مثل المجموعات الإرهابية السياسية الاخرى فشلت لان الضجيج الإعلامي والقوة المشهدية لا يصنعان مدا شعبياً فثمة العزلة التي يفرضها سلوكها السياسي والعسكري. ان عزلة لا يمكن كسرها بالدوي الإعلامي، لذا فإن القاعدة بعد 11 أيلول خرجت تقريباً من افغانستان وفشلت في المغرب وكان الفشل نصيبها أيضاً في العراق. ذلك يعني ان مقتل بن لادن قد يكون بالمعنى الرمزي متوافقاً مع نهاية القاعدة.

كيبيل يفترض ما يفترضه كبداهة مؤكدة. لذا لا يحاول البرهنة عليه. لا يثبت في أي مقطع من حديثه إلى اللوموند ان القاعدة كانت تريد ان تجد لنفسها مداً شعبياً. يعتبر ان هذا تحصيل حاصل كما يقال والبرهنة عليه ليست ضرورية. مع كل هذه البداهة نشعر ان فرضية المد الشعبي هذه تحتاج إلى برهان. يقول كيبيل ان القاعدة تقصدت الولايات المتحدة مع إمكان عملية مماثلة في أوروبا على نحو اسهل. انها تقصدت الولايات المتحدة لتضرب رأس الهرم وليبدو عملها ثأراً وانتقاما سياسيين. أليس من الممكن ان يكون الأمر أبسط. قد يكون ان القاعدة لم تبحث عن مد شعبي ولم تسئ بالتالي تقدير استنهاضه واستنفاره. قد يكون ان القاعدة لم ترد شيئاً آخر سوى اقلاق الخصم وزرع الرعب والانتصار بهذا المعنى وحده. ان العنف والعنف المشهدي والعنف المدوي قد يكون هدفها الأول وان اخطاءها السياسية ليست سوى نتيجة لسياستها، في كون سياستها ليست سوى تصنيم عقائدي. ليست سوى عقيدة حرفية انتقائية بما يخدم العنف الدائم. قد يكون عجزها السياسي جوهريا فهي لم تراع في يوم حساسية الشارع ولا هواه ولا المزاج الشعبي، لقد سجنت نفسها غالباً واستعدت عليها الجميع فبأي حال نفترض انها أرادت التجذر في مد شعبي؟

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى