صفحات العالم

بداية النفق


ساطع نور الدين

تسرّعت المعارضة السورية أمس، في الاعلان عن فشل المبادرة العربية، وفي الدعوة الى الانتقال الى مرحلة ما بعد الخيار العربي، أي الى التدويل. حصاد الدم يوم أمس وفي الايام الماضية التي أعقبت موافقة النظام السوري على تلك المبادرة، مؤلم ومؤثر، لكنه لن يتحول الى مقياس رئيسي لنوايا العرب وخطواتهم المقبلة، ولن يزيل الشكوك في قوة ومتانة الغطاء الدولي الذي من دونه لم يكن للمسعى العربي ان يخطو خطوته الاولى المثيرة للجدل.

التسرّع ناجم كما يبدو عن أن المعارضة فوجئت بما جرى أمس وقبله، وهي كانت تتوقع أن يلتزم النظام بالمبادرة فيوقف فورا اطلاق النار ويسحب الجيش والامن من المدن ويطلق المعتقلين… ما يتيح انطلاق الموجة الثانية من الاحتجاجات الشعبية. كان هذا هو الامل، لكن الواقع الذي انبثقت منه المبادرة مختلف تماما. والحديث عن مهل زمنية عربية هو مجرد وهم يقع فيه المعارضون، لان المسافة التي تفصل بين انهيار البنود الخمسة المطروحة حاليا من قبل الجامعة، وبين ايجاد بنود جديدة اكثر واقعية ومصداقية تخرج سوريا من النفق المظلم، لا تزال شاسعة جدا.

وما قيل عن فرصة اخيرة للنظام، يقابله دائما حديث عن فرصة اخيرة للمعارضة التي لا يمكن حتى اللحظة ضبطها في جسم واحد وفي برنامج موحد غير اسقاط الرئيس بشار الاسد، حسب الشعار المستمد من الشارع. لعلها بداية الفرص الاخيرة المتبادلة في الداخل السوري، لكن الامر ليس كذلك بالنسبة الى العرب ولا طبعا بالنسبة الى المجتمع الدولي الذي يراقب من بعيد جدا… ولا يملك الرغبة ولا القدرة على التدخل، وهي حقيقة يدركها النظام اكثر بكثير مما يدركها معارضوه. وهي ليست مبنية فقط على الاحلام التي يروجها عن ان اميركا انتهت واوروبا افلست وروسيا عادت والصين سادت والعالم الثالث انتصر، وما عليه سوى الصمود حتى نهاية العام المقبل، حيث لن يبقى في السلطة لا باراك اوباما ولا نيكولا ساركوزي ولا ديفيد كاميرون ولا انجيلا ميركل، ولا ربما رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان او حتى امير قطر الشيخ حمد بن خليفه…

لهذه الاسباب ولاسباب موضوعية عديدة لا يزال النظام اكثر ثقة بالنفس من المعارضة. فالمعركة بالنسبة اليه هي الان في مراحلها النهائية الحاسمة. وما بقي منها لن يكون اسوأ من الاشهر الثمانية الماضية. والاهم من كل ذلك، ان التدويل ليس تهديدا جديا يلوّح به العرب عندما تسد الابواب في وجوههم. لا بد ان يسبقه قرار عربي واضح وصريح ما زال من المستحيل ان يحظى بالاجماع او حتى بالغالبية الساحقة، ولا بد ان تليه اشارات دولية جدية عن الاستعداد للتدخل في سوريا، لم تصدر حتى الان عن واشنطن وباريس ولندن ولن تصدر في المستقبل القريب.

يمكن ان تعبر اللجنة العربية خلال الساعات او الايام المقبلة عن امتعاضها مما جرى في سوريا امس، لكن قياس منسوب الدم السوري ما زال، للاسف الشديد، في مرحلته الاولى.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى