أحمد مولود الطيارصفحات مميزة

برهان غليون: ثقافة الاعتذار


أحمد مولود الطيار

مقال جهاد الزين: “اعتداء القاهرة: لماذا لم يستقل برهان غليون!؟” (“قضايا النهار” 17/11/2011) نص يمكن تأويله لما هو أبعد من حرفية السؤال والمطالبة بالاستقالة، انه تحذير، والخوف من استمرار ثقافة الاستبداد حتى بعد سقوط أركانه. الخوف كما يقول الباحث اللبناني من “بذرة فاشية قد تصبح في المستقبل مادة قمع انتقامية مخيفة”. و”الربيع العربي” كما يتابع المقال “لم ينطلق ضد اسرائيل وانما ضد الاستبداد الداخلي، لذلك فان التساهل غير جائز أمام أي بذرة استبدادية” و”سوريا المستقبل” غير مقبول فيها “أي نوع من الارهاب الثقافوي والسياسي”.

في المحصلة كما يقول المقال ويكاد يجمع الكل ثورات “الربيع العربي” هي لاسترداد الكرامة الوطنية.

يدرك برهان غليون وغيره أن سقوط الاستبداد كاملا وبكل رموزه، لا يعني أن الطريق بات مفروشا بالورود لمسيرة سوريا المستقبل، فما هو أصعب من سقوط نظام سياسي مستبد، هو سقوط ثقافة ذلك النظام. تلك عملية طويلة، الشغل عليها يتم على كل الصعد وهي محفوفة بمطبّات ومنزلقات خطرة وكثيرة.

الاستبداد، وفي سوريا ربما شاهدنا أحدث طبعاته، تغلغل على مدى عقوده الطويلة في كل المفاصل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية واستطاع عبر عمل دؤوب وممنهج تشويه كل تلك المناحي والصعد حتى عمّ الخراب وطاول النفوس، ولا يكفي هنا أن تكون معارضا لتكون بمنجى من تلك الثقافة وحادثة الاعتداء في القاهرة لا يجب الاستهانة بها أو التقليل من شأنها، فالحقد شاهدنا ارتساماته على الوجوه  من خلال الصورة التي بثت وهو كان موجها الى شخصيات لها تاريخها النضالي المعروف، كيف سيعبّر عن نفسه ذلك الحقد فيما لو خرجت سوريا عن السيطرة؟! كيف سيعبّر وبات الكثيرون يدركون الى أين يقود النظام سوريا وفاتورة الدم التي ترتفع كل يوم.

برهان غليون وكل من يريد العبور بسوريا الى الضفة الأخرى الآمنة و بأقل الخسائر الممكنة قام بعمل تأصيلي وتأسيسي يقطع مع ثقافة الاستبداد خلال فترة زمنية قصيرة جدا على رأس “المجلس الوطني السوري”، قدم اعتذارين مهمين بشكلهما ودلالاتهما، الأول للأشقاء الأكراد حول اللغط الذي اثير جراء لقاء تلفزيوني أجري معه والثاني وبلغة “حاسمة” أيضا حول اعتداء القاهرة.

ذلك تقليد جديد يجب أن يتكرس لأنه على الضد من عنجهية وغطرسة الاستبداد ورموزه، فالمواطن العربي المبتلى لم يعتد من المسؤول العربي الاعتذار رغم كل الخطايا والأخطاء التي تذهب بأوطان ولازالت ترتكب يوميا، ما اعتاد عليه هو “المكرمات” و”العطايا” ويجب أن يلهج باسم الحاكم خمس مرات في اليوم. المعارضة السورية وبكل أطيافها اليوم مطلوب منها تقديم وجه مغاير عن النظام الذي تعارضه وهي محقة في معارضتها له، مطلوب منها خطاب سياسي شفاف ومواقف متقدمة فكريا وسياسيا وأخلاقيا بالدرجة الأولى تتلاقى مع تضحيات الشارع المنتفض الذي أوصلها الى ما هي عليه اليوم.

سوريا لا تُختصر ولا تتلخص بأحد وهذا التنوع غنى لها إن تم استثماره. الثورة السورية قامت لتؤكد ذلك والصراع الجاري حاليا ليس بين معارضة ومعارضة، هو بين نظام الغى الكرامة وشعب يريد استعادتها.

(كاتب سوري)

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. تصرف رائع من الدكتور برهان وكلام جميل من السيد أحمد وستكون مثل هذه الأمور إحدى اللبنات الأساسية في بناء سوريا الحديثة سوريا الديمقراطية سوريا لكل أبنائها
    بدون تمييز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى