صفحات العالم

بري والحريري… الموت مللاً


حسام عيتاني

لا تولّد سجالات الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري غير الملل. يغرف الرجلان من بئر نضبت ماؤه، من أفكار وصور تنتمي إلى أزمان وعهود ولت وانقضت ويتصوران أنهما يقولان شيئاً في السياسة.

يقول الحريري إن فريقه لن ينتخب بري رئيساً لمجلس النواب إذا فازت قوى 14 آذار (مارس) في الانتخابات النيابية المقبلة، فيرد بري بالتهكم على رئيس الوزراء السابق وعلى هواياته.

يعتقد الأول أنه يوجه تهديداً مرفقاً بضربة إلى بري الذي يدين ببقائه في رئاسة المجلس منذ انتخابات 2005 للحريري وحلفائه. أما الثاني فيدرك، بلا ريب، أن ما جاء به منذ تسعة عشر عاماً رئيساً لمجلس النواب هو جملة التوازنات الإقليمية والدولية والتكليف العربي والدولي لسورية – وهو من أنصارها الأبرز في لبنان- إدارة الشأن اللبناني في أعقاب الحرب الأهلية. ولن يطيح به من موقعه هذا غير تبدل التوازنات المذكورة. والأرجح أن مصدر سخريته من الحريري هو المسألة هذه، أي التقليل من أهمية الحريري وتياره ومن يذهب مذهبه في حال صدرت «الإرادة الدولية والإقليمية» بالتمديد لبري. من هنا يمكن فهم دعوته السابقة إلى التفاهم السعودي-السوري، والآن وقوفه المحموم إلى جانب النظام السوري، العمود الأخير الذي ترتكز عليه أدوار بري في الحياة السياسية اللبنانية.

في واقع الأمر لا يفعل بري والحريري سوى تأكيد المؤكد وتكرار المكرر. فتعدد الأطياف الطائفية والاجتماعية والخارجية التي يمثلها ويمثل مصالحها كل من المسؤولين، يتيح لهما تغليف رسائلهما بأبعاد يتقن قراءتها اللبنانيون أكثر من غيرهم.

فالحريري بهجومه على بري في ذات التصريح الذي تناول فيه قرب سقوط النظام السوري، يريد الإيحاء أن رئيس مجلس النواب وحركته «أمل» والتحالف السياسي الذي ينتمي إليه، سيسقطون بسقوط بشار الأسد في دمشق. وأنه هو، الحريري، سيرجع من سفره الطويل، سالماً غانماً ليقود دولة أبعدت عنها عبء السلاح غير الشرعي، تشق طريقها بمؤازرة المجتمع الدولي وقوى الربيع العربي، نحو الحداثة والازدهار على ما يتصورهما الحريري، وتصوراته ليست كبيرة العمق بالمناسبة.

أما بري، فيراهن أن الأسد سينجح في البقاء في الحكم، ولو من خلال إغراق سورية ولبنان بالدماء، على ما فعل أبوه قبل عقود ثلاثة. لذا، ما من داع للقلق في شأن المستقبل خارج لبنان. أما في داخله، فانكماش النفوذ والسلطة لمصلحة «الحليف» الآخر «حزب الله»، قابل للتعويض عبر تأبيد بقائه في ساحة النجمة رئيساً لمجلس النواب. وبينما يتخيل الحريري أنه يخاطب جمهور الثورات العربية، يعتقد بري أنه ناطق بلسان المقاومين والممانعين الذين يسيرون من نصر إلى آخر.

الرئيسان بري والحريري يبدوان أسيري خطاب لبناني يهوى التلاعب بالكلمات وتضمينها إشارات ومعان تزيد عن قدرتها على التحمل. وقد تصح توقعات الرجلين وتكهناتهما كل بالنسبة إلى خصمه. بيد أن ذلك لا يلغي أن هذا الأسلوب من التعامل لا يختلف كثيراً عما خبره اللبنانيون منذ أيام مقاطعجية آل الخازن والأمراء الشهابيين في القرنين السابع عشر والثامن عشر. هو، على ما يقال، زمن دائري في أذهان زعماء اللبنانيين، لا أول له ولا آخر. لا ثورات ولا قفزات تاريخية ولا تبدل.

بيد أن من يعيش في الزمن الدائري لا ينتج غير الاهتراء والملل.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى