إياد الجعفريصفحات المستقبل

بشار الأسد يقود المعارضة/ إياد الجعفري

 

 

“بشار الأسد، يقود بعض الفصائل المعارضة على الأرض السورية”.. تصوّر درامي، لكنه ليس من ضرب الخيال البحت. فهذا ما أقرّ به ضابط مخابرات منشق، في حديث عبر موقع إخباري سوري شهير، مناوئٍ للنظام.

ليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن عمق الاختراقات الأمنية التي حققها النظام وسط قيادات فصائل المعارضة. فهناك إجماع بين مراقبين ومحللين، أن الاختراقات في أوساط المعارضة السياسية والمسلحة، إلى جانب، غياب القيادة الموحدة، أبرز الأسباب التي أفشلت مساعي أنصار الثورة السورية في تحقيق أهدافهم حتى اليوم.

لكن أهمية حديث الضابط المشار إليه آنفاً، تزداد في وقتٍ تشهد فيه حركة أحرار الشام، إحدى كبريات الفصائل المعارضة السورية، اختراقات أمنية خطرة، تمثلت في اغتيالات عدة طاولت قيادات في الحركة، حدثت في إدلب، أبرز معاقلها.

اختراقات قادت إلى استقالة قائد الجناح العسكري للحركة، “أبو صالح طحان”، وسط مخاوف من أن يكون ذلك مقدمة لفتنة بين حركة أحرار الشام، وبين جبهة النُصرة.

ورغم أن تلك الاغتيالات التي طالت قيادات في الحركة، تتحمل مسؤوليتها على الأغلب، خلايا نائمة مرتبطة بنظام الأسد، أو تنظيم “الدولة الإسلامية”. إلا أن استقالة  “أبو صالح طحان”، المعروف بتوجهه المضاد للاقتتال مع جبهة النصرة، في وقت تسعى فيه روسيا بصورة حثيثة لإشعال فتنة بين الفصائل، والسعي إلى تفكيك “جيش الفتح”، أمر أثار الريبة والخوف.

ويذكر محللون بأن “جيش الفتح” كان السبب الأبرز للتدخل العسكري الروسي في سوريا، بعد أن كاد يهدد عمق “سوريا المفيدة”، ويشكل خطراً وجودياً مباشراً على نظام الأسد، قبل خريف السنة الفائتة.

واليوم، ما يزال “جيش الفتح”، مصدر الصُداع الرئيس لروسيا، وربما أيضاً للولايات المتحدة الأمريكية.

ففيما تتعاون واشنطن وموسكو، بصورة غير معلنة، في معارك الرقة، يتقدم “جيش الفتح” في ريف حلب الجنوبي.

“جيش الفتح”، الذي سبق أن شكّل أبرز مصادر الأمل والتفاؤل في أوساط السوريين خلال النصف الأول من العام 2015، ضم أكبر فصائل المعارضة في الشمال السوري، ليحصد كامل محافظة إدلب، في وقت قياسي. وتشكل كل من “جبهة النصرة”، وحركة أحرار الشام، أبرز فصائل هذا الجيش.

ومن المعلوم، أن روسيا بررت في الآونة الأخيرة قصفها الجويّ للمعارضة التي قبلت الهدنة، بذريعة تعاونها، وتداخلها، مع جبهة النصرة، مطالبةً المعارضة بفك الارتباط الميداني مع الجبهة، تماماً.

ومع الأخذ بالاعتبار، أن جبهة النصرة تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية، عن تعريض فصائل المعارضة للقصف الروسي،  بسبب خطها السياسي الملتزم بـ “القاعدة”، إلا أن ذلك لا ينفي حقيقة أن الروس، وعلى الأغلب، الأمريكيين معهم، غير راضين عن الإنجازات السريعة التي حققها “جيش الفتح”، الذي مثّل نموذجاً إيجابياً للتحالف بين أكبر فصائل المعارضة السورية. نموذجاً، اعتبر الإعلام الغربي في صيف العام الماضي، أنه في طريقه لإسقاط نظام الأسد، قبل التدخل العسكري للروس.

اليوم، تجري المساعي حثيثة، من روسيا علناً، وربما من الأمريكيين سراً، لتفكيك هذا الجيش، لتكون تلك الخاتمة لأي تحالف عسكري فاعل بين قوى المعارضة.

في هذه الأثناء، تبرز إلى الواجهة، مجدداً، قضية الاختراقات الأمنية الكبرى، التي تطاول حركة أحرار الشام تحديداً، والتي تعرضت للعديد من الهزات الكبرى، بسبب هذه الاختراقات، كان أبرزها، اغتيال معظم قادة الصف الأول من الحركة، في تفجير ما يزال لغزاً، في خريف العام 2014.

بالعودة إلى حديث الضابط المخابراتي المنشق، فهو يروي كيف طُلب منه، من جانب رئيس فرع المخابرات العسكرية في إدلب، في خريف 2011، تشكيل لواء تابع للجيش الحر، في جبل الزاوية، بريف إدلب، على أن يكون هو القائد والمحرك له، بترتيبات خاصة مع الأمن العسكري.

وبناء على ذه التجربة، يعتقد الضابط المخابراتي المنشق، أن العديد من الفصائل المعارضة تضم في صفوف قياداتها، عناصر تعمل لصالح الأفرع الأمنية التابعة للنظام، ناهيك عن الخلايا النائمة لعناصر النظام، المتواجدة في مناطق سيطرة المعارضة. وهي ظاهرة، أبدع بها تنظيم “الدولة” أيضاً، والذي ثبت وجود العديد من الخلايا النائمة التابعة له، في مناطق سيطرة المعارضة، كانوا سبباً رئيسياً في تقدمه الميداني السريع، في العديد من الجولات القتالية.

لم تنجح معظم الفصائل المعارضة في مواجهة ظاهرة الاختراقات الأمنية. ورغم المحاولات العديدة لتأسيس مؤسسات أمنية فاعلة لمواجهة هذه الظاهرة، تُظهر الأحداث في الميدان، أن النظام كان أكثر احترافاً في هذا المجال، وهو المُبدع في فنون اختراق التنظيمات “الجهادية” الإسلامية، منذ ما قبل الثورة السورية، كما هو معروف.

لكن الفشل في تحجيم ظاهرة الاختراقات تلك، لا يعني اليأس من المحاولة، خاصة أن بعض التنظيمات والفصائل المعارضة نجحت في تحصين مؤسساتها، نسبياً، من الاختراقات النوعية، عبر تأسيس مؤسسات أمنية خاصة بها. لكن الأمر يتطلب أكثر من ذلك. يتطلب تعاوناً أمنياً بين مختلف الفصائل المعارضة السورية، لم يصل حتى اليوم إلى مستواه المطلوب، بعد إجهاض جميع محاولات تأسيس مؤسسة أمنية جامعة لقوى المعارضة السورية.

ورغم اختلاف توجهات ورؤى الفصائل المعارضة السورية، يبقى أن التعاون الأمني في ما بينها أمر مُتاح، بل وحيوي ومستعجل. فالدول، تفتح قنوات تعاون وتبادل معلومات أمنية، فيما بينها. لذا فالأَولى بفصائل المعارضة أن تسلك هذا المسلك، بصورة محترفة قدر المستطاع، مستفيدة من خبراتها المتراكمة في مواجهة الاختراقات الأمنية للنظام وتنظيم “الدولة”، خلال السنوات الماضية، وتبادل الخبرات والمعلومات، وصولاً إلى شبكة أمنية واحدة، إن تعذر تأسيس مؤسسة أمنية واحدة.

يبدو أن ذلك ضروري وحيوي للغاية، فالأشهر القليلة القادمة، أشهر حُبلى بالمعارك الميدانية الشرسة، بغية فرض أمر واقع جديد، أمام الإدارة الأمريكية القادمة، من مختلف القوى الإقليمية والدولية. في وقت تسعى فيه الإدارة الراهنة إلى تحقيق شيء من الإنجاز النوعي، الذي لا يبدو أنه يصب في اتجاه يخدم مصالح معسكر أنصار المعارضة والثورة.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى