صفحات العالم

بشار.. الخطيب الممل!


مشاري الذايدي

كما يظهر زعيم الحزب الإلهي الأصفر في لبنان، حسن نصر الله، بين الجموع مهددا، ومحفزا، وشاعرا، وناثرا، حاول بشار الأسد أن يفعل في خطبته الخاطفة في ساحة الأمويين بدمشق قبل يومين، في تجمع رُفعت فيه بجانب أعلام سوريا أعلام حزب الله.

ورغم أن حسن نصر الله يخطب من خلال الشاشات البعيدة، منذ سنوات، وهذا – كما يعرف الخبراء في فن التأثير في الحشود – يضعف لغة التواصل، فإنه – أعني نصر الله – أكثر قدرة ومهارة، وخطورة، بمراحل بعيدة، من بشار الأسد الذي حاول إيهام السوريين والعالم باحتضان «كل» الجماهير له.

بعد يوم واحد من خطاب عرمرمي ألقاه بشار في جامعة دمشق، أمام «نخبة» منتقاة من أنصار النظام، حاول أن يقوم بـ«شو»، لكنه كان بارد الحضور.

بشار يفتقد حرارة الزعيم الكاريزمي، وقدرة الخطيب المتلاعب بمشاعر الجمهور.

هناك أناس خُلقوا للمنابر، وهناك مَن خُلق للمحابر، وهناك من خلق لكي يوسع مساحات المقابر!

مشكلة «عقل» بشار هو أنه لا يدرك حدود قدراته، وطبيعة المشكلة السياسية القائمة، لذلك يغرق في مخاطبة نفسه.

قدر الله لمقيد هذه السطور أن يطالع نحو الساعتين، على «يوتيوب»، خطبة بشار الأولى في جامعة دمشق، من باب العلم بالشيء، ومن باب «لعل وعسى»، أو من باب السياحة في منطقه وعقله، ففلتات اللسان، ولغة الوجوه والأيدي، تكشف الكثير من المخبوء، وكما قال الشاعر:

وَالْعَيْنُ تَعْرِفُ مِنْ عَيْنَيْ مُحَدِّثِهَا

إِنْ كَانَ مِنْ حِزْبِهَا أَوْ مِنْ أَعَادِيهَا

خذلني، كما خذل أغلب الإعلاميين، بشار، على عكس العقيد المعدم معمر القذافي، فالحق، والرجل في دار الحق، أن القذافي سيد «الشو» الإعلامي، بل وحتى حسن نصر الله، رغم انحيازه الصارخ للخط العقائدي والسياسي للمرشد خامنئي، إلا أنه يملك مهارة في الخطابة والتأثير على الحشود، وملاعبة الإعلام.

بعض الساسة العرب، بصرف النظر عن موقفنا من توجهاتهم السياسية، كانوا مهرة في المنبرية ومخاطبة الإعلام، والتأثير على الرأي العام، كل بطريقته.

مثلا: أنور السادات وجمال عبد الناصر في مصر، علي عبد الله صالح وعبد المجيد الزنداني في اليمن، حسن نصر الله ووليد جنبلاط في لبنان، حسن الترابي في السودان، ياسر عرفات في فلسطين… وغيرهم. ستجد القاسم المشترك بين هؤلاء الساسة بشتى مشاربهم هو «اللمعة» والذكاء في الخطاب الإعلامي والجماهيري.

ربما رأى البعض من القراء الكرام أن هذا أهون مشكلات بشار الأسد، لو كانت المشكلة افتقاده المهارة الخطابية والبرودة، فمشكلته الكبرى هي أنه يقود البلاد والعباد إلى الهاوية بإصراره على مواجهة مطالب شعبه بالنار والدماء.

لكن، ومع الاتفاق على بشاعة جرم النظام السوري، أنا أرى أن الجزء يدل على الكل، وهذه «الخزعة» البسيطة من الورم السلطوي المستفحل في جسد النظام، دليل على استحكام الداء العضال.

الرئيس يخاطب نفسه، ونفسه ترى أنه مقنع وذكي وحضاري ومنطقي، وفوق هذا وذاك «نبيل عربي» أخير.

بشار الأسد.. غيّر المرآة، أو اكسرها… فمرآتك كاذبة.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى