صفحات سورية

بشار يريد حواراً مغمساً بالدم: والثوار يريدون حواراً يُبنى على رحيل النظام

 


محمد فاروق الإمام

وم الجمعة الماضية 13 أيار أعلن وزير إعلام النظام السوري في مؤتمر صحفي بأن الأيام القادمة ستشهد حواراً وطنياً يشمل كل المحافظات، كما أعلن الرئيس بشار الأسد يوم 14 أيار عن تشكيل لجنة للحوار مع المعارضة، تتألف من “نائب الرئيس فاروق الشرع ونائب الرئيس للشؤون الثقافية نجاح العطار والمستشارة الإعلامية لرئيس الجمهورية بثينة شعبان ومعاون نائب الرئيس اللواء محمد ناصيف”.

النظام كعادته لم تغيره الأحداث ولا المستجدات.. فهو لا يزال يتحدث بلغة خشبية لا تستقيم مع نهر الدماء الذي أجراه رجال أمنه وشبيحته ولجانه الشعبية في طول البلاد وعرضها.

الرئيس بشار يريد حواراً مع معارضة هلامية لا وجود لها على أرض الواقع، فالمعارضون السوريون إما في القبور أو السجون أو المنافي فمع من سيكون الحوار الذي سيجريه بشار؟

الرئيس السوري أعترف في كلمته التوجيهية لوزارته الجديدة بعد إصداره قراراً بتشكيلها بأن هناك فجوة بين النظام والشعب لا يمكن ملأها إلا بإعادة الثقة المفقودة بين الجانبين، وهذا الاعتراف يجعلنا نؤكد على أن الثقة لم تكن يوماً موجودة بالأصل في هذا النظام، الذي ما فتئ منذ اغتصابه السلطة في الثامن من آذار عام 1967 وهو يقدم الوعود الكاذبة ويرفع الشعارات المضللة سواء كان عبر تصريحات مسئوليه أو من خلال ما تروجه أبواقه الإعلامية، وكان الأجدر بوزير الإعلام قبل أن يبشر بإطلاق الحوار الوطني.. وكان الأجدر بالسيد الرئيس قبل أن يأمر بتشكيل لجنة الحوار أن يمهدا لمثل هذه الدعوات بإيجاد المناخ الصحي الذي يجعل الشعب يصدق هذه الوعود ويرتاح لمثل هذه اللجان، وكان الأجدر أن يقدم النظام على خطوات حسن نية تجاه الجماهير المكلومة، والتي لم تجف بعد مآقي الأرامل الذين فقدوا أزواجهم، والثكالى الذين فقدوا أبناءهم، والأيتام الذين فقدوا آباءهم، في عمليات قتل متعمد ارتكبته أجهزة الأمن ومرتزقة النظام وشبيحته ولجانه الشعبية بحق المتظاهرين السلميين الذين كانوا يرفعون شعارات مطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية والإصلاح ومحاربة الفساد في كل المدن والقرى السورية.. وأقر الرئيس في أكثر من مناسبة بعدالة هذه المطالب.

كان الأجدر برئيس الجمهورية ووزير إعلامه الاعتذار عن وصف المتظاهرين بأنهم خونة ومندسين وعملاء يتلقون الأموال من الخارج وينفذون أجندة خارجية ويسعون لفتنة طائفية، وأن يعتذر عما ارتكبت أجهزة أمنه من جرائم بحق المتظاهرين والترحم على شهدائهم وإعلان ثلاثة أيام حداد على أرواحهم وتقديم المجرمين القتلة (والنظام يعرفهم) إلى العدالة لمحاسبتهم وإنزال أقصى العقوبات بحقهم، وسحب كل عناصر الأمن والمظاهر المسلحة من الشوارع، وإيقاف كل القيادات الأمنية عن العمل ومحاسبتها على ما ارتكبت من جرائم، وإعادة الوحدات العسكرية إلى مكانها الطبيعي في جبهات القتال مع العدو الصهيوني، وإطلاق كل سجناء الرأي قبل الثورة وبعدها، وفتح أبواب الوطن لعودة المنفيين والمهجرين منتصبي القامة موفوري الكرامة، وإلغاء المادة الثامنة من الدستور التي تميز حزب البعث عن باقي أطياف الشعب السياسية، وإلغاء المادة السادسة عشرة التي تحمي عناصر الأمن من المحاسبة والملاحقة، وحل مجلس الشعب.

بعد توفر هذا المناخ الصحي تقوم لجان وطنية يتم اختيار أعضاءها من قبل قيادات الثورة الشبابية والوطنيين والمثقفين المستقلين وقيادات أطياف المعارضة السياسية دون إقصاء أو انتقاء بسبب الدين أو المذهب أو العرق أو الانتماء الفكري.. فالوطن للجميع، وهذه اللجان تتفق على شكل الحكم الذي سيقود البلاد في المرحلة المقبلة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة مهمتها الانتقال السلمي بالبلاد لتداول السلطة والإشراف على انتخاب هيئة تأسيسية، مهمتها وضع دستور عصري للبلاد، وقانون للأحزاب، وقانون للانتخابات التشريعية، وكل هذه القوانين لا يتم اعتمادها إلا بعد موافقة الشعب عليها عبر استفتاء شعبي حر ونزيه.

عند توفر هذه الأجواء الطبيعية وهذه المناخات المريحة يمكن للنظام أن يتحدث عن تشكيل لجان حوار وطنية تنبثق عن الثورة الشبابية والفعاليات السياسية ورموز الوطن الثقافية والفكرية بتوافق جميع الأطراف وليس بقرار من بشار الأسد الذي فقد شرعيته التي قامت بالأصل على الأمر الواقع، وقد كان المتسبب لجريان كل هذه الأنهار من الدماء وزهق أرواح المئات وزج الآلاف في السجون والمعتقلات.

على هذه الأسس يقوم الحوار الوطني وبغير ذلك لا حوار حتى يحكم الله بين النظام الديكتاتوري المستبد وبين الجماهير المتطلعة إلى الحرية والكرامة، وقد أقسمت على المضي بثورتها السلمية حتى النهاية مهما غلت التضحيات وعلا الثمن وقد وضعت نصب أعينها (الموت ولا المذلة).. (النصر أو الشهادة).

كاتب سوري

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى