صفحات الناس

بشعون قذرون أشرار/ صقر أبو فخر

 

 

لا نعرف ما حلّ بالطفل السوري خالد النعسان (9 سنوات) الذي شاهده آلاف الناس على شاشات التلفزة، قبل نحو شهر، وهو يتعرض للضرب والترويع على يدي الطفل اللبناني عباس الطفيلي (أقل من ثلاث سنوات)، والذي كان يتلذذ مع والده وعدد من أقربائه بتعذيب الطفل السوري المسكين. ما علمناه أن والد المعتدي أُخلي سبيله، أما والد المعتدى عليه فغادر مكان إقامته في ضاحية بيروت الجنوبية، كسيراً مهاناً، بعد أن تراجع عن الادعاء على غريمه، خوفاً من الاعتداء عليه مجدداً؛ فالمجموعة الذئبية التي مارست همجيتها على ولده لن تتورع عن إيذائه ثانية، ولا سيما أنه نازح غريب، ومن مذهب ديني مغاير. والأنكى أن والد الطفل المعتدي راح يبرر فعلته بالقول إنه كان يدرب ابنه ليصبح رجلاً، والطريقة الناجعة، بحسب رأيه، هي التفنن في ضرب الطفل السوري. ولمزيد من الانحطاط كانت المجموعة المتحلقة حول الطفل اللبناني تحثه على “تفجيم” رأس الطفل السوري بالعصا، والانهيال على وجهه باللكمات، وعلى أنحاء جسده بالركلات، وكان الطفل السوري يتوسل الجميع، مذعوراً ومرتجفاً وباكياً، التوقف عن إيذائه، وعدم الإمعان في ضربه.

من الصعب أن نعثر على كلمة دقيقةٍ، لوصف تلك المجموعة التي روّعت الطفل السوري. ربما تنفع كلمة حثالة. إنها طراز قبيح من كائناتٍ مريضةٍ في سلوكها، ورثة في ثقافتها، ومنحطة في موروثها الاجتماعي، وهي تجسد ثقافةً في هوامش المدن وأزقتها التي نشأت على أنقاض المدن وأحيائها. إنها الثقافة الجامعة لأناس مذرّرين يسكنون في أمكنةٍ، تتشابك فيها علائق القربى والتضامن المذهبي، وتتقارب بالتزاحم والاكتظاظ. وفيها، يسود شكل جديد للعائلة: الرجل في المقاهي، والمرأة عند الجيران، والطفل في الشارع. وفي هذه الشوارع تنمو روح المكاسرة والسطو والتغلب والاعتداء على الآخرين وكراهية الغرباء. وهؤلاء هم من أوباش الأرياف ورعاع المدن، كما في مدن عديدة في العالم، ومن بينهم يجند زعماء الطوائف اللبنانية أزلامهم ومحاسيبهم، لاستخدامهم في نكاية خصومهم. وهؤلاء الغوغاء هم لصوص السيارات وفرسان الدراجات النارية والمتشاجرون في الميادين العامة، ومروجو المخدرات والمهربون ورواد السجون. هذه هي ثقافة الميليشيات التي يتسم كل واحد من أفرادها بالذئبية على الضعفاء والغرباء، بينما يكاد رأسه يلامس حذاءه، حين يقف أمام الأقوى منه.

* * *

العنصرية في لبنان لا تقتصر على الفئات الرثة في المجتمع، بل هي فاشية في الفئات الوسطى أيضاً. ولبنان، كما هو معروف، أسوأ دولة، بعد السعودية، في استغلال عاملات المنازل وفي إساءة معاملتهن، وفي الهزء من الملونين والسود. والأطفال السوريون النازحون إلى لبنان يتعرضون يومياً للعنف في الحي، وللسخرية في المدرسة، وفي أماكن التجمع والعمل. وتتعرض الفتيات للتحرش في مخيمات الاستيعاب، مثلما تواجه الأمهات ابتزاز “الشاويش” في مراكز توزيع المعونات. لكن هؤلاء النسوة اللواتي فقدن أزواجهن، أو آباءهن، في معمعان الملحمة السورية المتمادية، يقدمن، في كل يوم، درساً أخلاقياً لمن لم يتعلم الأخلاق بعد، عن معنى التغلب على المصاعب ومواجهة الأهوال بكرامة وتحدٍ.

* * *

في ما عدا الامتعاض، أو الدهشة الممزوجة بالأسى التي ظهرت على ذوي المشاعر الرقيقة، لم تتحرك جدياً أي مؤسسة مدنية لبنانية، لحماية ذاك الطفل السوري، والاقتصاص من المعتدين، حتى إن البعض لوى حنكه، وراح يردد أن الولد السوري ليس وحده مَن يحتاج إلى الحماية، بل الطفل اللبناني أيضاً. ومع أن هذا الكلام صحيح علمياً، إلا أنه يضمر نزعةً عنصرية غير مرئية للتخفيف من عقابيل هذه الحادثة المروِّعة. لنتذكر أنه في المجتمعات الراقية تقوم قيامة المؤسسات المدنية، في ما لو أبعدت السلطات مهاجراً أو لاجئاً. ويبادر الناشطون، في العادة، إلى تنظيم التظاهرات لوقف الإبعاد، فإذا فشلوا يودعون المهاجر المبعد إلى المطار. فإذا كانت المؤسسات الرعائية السورية، أو ما بقي منها، سكتت عن هذه الحادثة، فما الذي فعلته المعارضة؟ لا شيء بالطبع، ولا حتى الاحتجاج لدى الحكومة اللبنانية! وجراء هذا “الاستلشاق” وهذه الاستهانة، بدأ بعض السوريين يفكرون في أخذ الحق باليد، والاقتصاص المباشر ممن يعتدي عليهم من الزعران والأوباش. ولِمَ لا؟ إن ردع الضحية العنصريين، حتى لو كان ذلك مخالفاً للقانون، أمر ضروري أحياناً.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى