صفحات الناس

بطاقة بريدية من حلب… الفن كسلاح/ جوزيف الحاج

 

 

في عددها الصادر الإثنين 29 حزيران 2015، خصّت “لوموند” الفرنسية المصور السوري عيسى توما بصفحة من صفحاتها الثقافية. “الفن كسلاح” كان عنوان المقالة، وكتبت ماري زاويجا: “مع سكان حلب المدمّرة، ضاعف عيسى توما من مشاريعه الإبداعية، منظماً المعارض والأنشطة المتعددة”.

“… بينما هاجر كثر تاركين أعمالهم، وحده عيسى توما (53 عاماً) المصوّر وآخر أصحاب الغاليريهات، قرّر البقاء في مدينته حلب رغم الحرب وربما بسببها: “الفن هو السلاح الأمضى بوجه التعصّب، لهذا السبب أرادوا إلغاءه” قال”.

بعد جولة أوروبية له في خريف 2014، يقوم توما اليوم بجولة ثانية لعرض أعماله، وإلقاء محاضرات في مراكز ثقافية ومتاحف أوروبية. في غراز (النمسا) يُعرض عمله “النسوة اللواتي لم نفقدهن بعد”، مجموعة بورتريهات لعشرين امرأة من ضحايا الحرب: “مع إشتداد العنف، قدِم إلى صالتي العديد من الشباب والصبايا، حيث كانوا يشعرون بالأمان. كانوا حائرين وخائفين على حياتهم. قرروا تعلّم الفوتوغرافيا، بمثابة رسالة أخيرة. على مدى أسابيع، وعلى وقع المعارك، تشاركوا أحلامهم ومخاوفهم”.

في شريط فيديو وثّق لشهادات نسائه “… اللواتي لم نفقدهن بعد” تحدّثت سالي، التي فقدت ساقها، عن أحلام ما قبل الحرب: الدراسة في الخارج، الخوف من فقدان العائلة والأصدقاء والوطن. هبة، المرأة الأخرى أخفت دموعها بابتسامة. عبّرت عن الحنين إلى أمكنتها المدمّرة: “إننا في وطننا، ونفتقد إليه”. يحاول عيسى توما جمع بقايا أطلال كي لا يفقد الأمل، لعل الفن يشكّل بعضاً مما فُقد، فيخفف من أوجاع الحرب والأحلام المدفونة.

صالته “الجسر” صغيرة، لكنها رحبة، منفتحة على العالم، استقبلت مئات المصورين الفوتوغرافيين والفنانين من أنحاء العالم، أقيم العديد من المهرجانات الدولية بين جدرانها الضيقة أو في أماكن تراثية (مدرسة الشيباني في حلب القديمة، محطة كهرباء حلب، الثكنة الألمانية…) اختارها عيسى نفسه فانتشلها من بين ركام النسيان، لتتولى منظمات عالمية ترميمها في ما بعد.

“إبتسامة المصور الرقيقة” لفتت زاويجا، اعتبرته “حارس هذه المدينة، حيث نشأ، والتي تحوّلت إلى رهينة للمعارك”.

كعادته، يختار عيسى أن ينشط في مجالات لها تأثيرها الآني والمباشر. منذ آذار 2012، وخشية الدمار المحدق، قرر استخدام “سلاحه”. أطلق مشروعه الفني “Art Camping” لمواجهة الأزمة الوجودية، بالإشتراك مع بعض الشباب: رسموا إبتسامة “smiley” على الصحون اللاقطة: “أعاد إلينا عيسى بعض الأمل” قال أحد المشاركين. في 2012 رسموا المدينة القديمة قبل أن تقضمها الحرب. في أيار من العام نفسه عرض عمله الفوتوغرافي “نسيج المدينة الذي فقدناه”، عن آخر الأطلال المتبقية، مرفقاً بفيديو عن المشاركين الذين لم يتوقعوا يوماً مصيراً مشابهاً لهذه الأماكن.

“مثل صوت صارخ في بريّة، خاطب توما العالم، عبر مشروعه “بطاقة بريدية من حلب”، الذي تحوّل إلى أوبرا مصغّرة قدّمت في أمستردام” كتبت زاويجا.

عمله المشهور، الذي حققه بين 1995 و2005، عن الصوفيين واحتفالاتهم، قال عنه مارتن بارنز، حافظ متحف “فيكتوريا وألبرت” اللندني الذي اقتنى المجموعة مؤخراً: “وثيقة بصرية قيّمة، نجح توما في مقاربتهم كما لم يفعل أحد قبله، حتى في الغرب”.

بعد صالته الأولى المتخصصة بالفوتوغرافيا، أطلق في 1997، المهرجان الفوتوغرافي الوحيد في الشرق الأوسط. “الحرب تزيدنا إصراراً على ممارسة الفن. حتى لو فقد جمهورنا عائلاته وبيوته، وعاش من دون موارد، سنستمر”.

قبل هذه الحرب كانت لعيسى مواجهاته وحروبه الصغيرة، وحيداً، في وجه بيروقراطية عاتية، أقفلت صالته مراراً، لكنه في كل مرّة، كان يصرّ على حرية الفنان. في صوره أجزاء من وطن تقطّعت أوصاله، فهل تستطيع صوره يوماً ما إعادة صياغة عالم أفضل؟

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى