صفحات سورية

بعبع التقسيم في سورية

 

فرمز حسين

مع امتداد أمد الثورة السورية وصمت العالم الخارجي المخزي والمريب كثرت التأويلات والتنبؤات حول مصير الثورة بل مآل سورية شعبا ودولة. كثيرا ما نقرأ من هنا و هناك أراء وتحليلات سياسية حول السيناريوهات المتوقع حدوثها مع انهيار محتمل للنظام الحاكم, حتى أن البعض يذهب بهم خيالهم الجامح  بعيدا, حيث ينظّرون علينا بطروحات بائسة مفادها أن التقسيم الى دويلات هو الحل الأمثل في المحصلة.

بدون شك ما يقال ويكتب في وسائل الاعلام الكثيرة والمتشعبة في أيامنا هذه على الرغم من معرفة الجميع بوجود فيض من الابتذال تبقى لمثل هكذا تأويلات دور وتأثير بدرجات مختلفة, دوليا, اقليميا ,لكن الأهم من ذلك كله هو الخشية من التأثير المباشر في تطورات الأحداث على أرض الوطن الدامي على الصعيدين النظري والعملي, حيث تعدّ هذه التأويلات احدى العوامل السيكولوجية الخطيرة التي تنمي ثقافة الريبة, الشك, انعدام الثقة التي بدورها تؤدي الى تنمية بوادر الشقاق والفرقة, تحول السلوك الحميمي الى العدائي بين مختلف اثنيات وأطياف  الشعب السوري وتساهم في اضعاف الحس والانتماء الوطنيين.

لتجنب خلط الأمور ببعضها علينا التأكيد على أن سورية المستقبل سوف تكون دولة جديدة مختلفة تماما عن سورية ليس فقط الأسد بل عن ذهنية السلطة السياسية عامة, هذه حقيقة يجب على الجميع أن يقبل بها شاءوا أم لم يشاءوا. التغيير المنشود هو الحافز للثورة التي يقودها الشعب السوري العظيم ضد الطغيان متحملا الفاتورة الباهظة من دماء أبناءه نتيجة وحشية النظام وتلكؤ الأسرة الدولية هذا اذا صح تسميتها بالأسرة! سورية في العهد الأسدي ليس سوى كيان فيه سادة ,عبيد ,إلغاء, تهميش, اقصاء و تمييز. التغيير لن يكون بتبادل الأدوار والشخصيات فقط بل يجب أن يشمل النهج, الفكر والممارسة.

أصحاب رؤية  التقسيم لا يرون في الثورة السورية سوى أنها ثورة طائفية بحتة بين أقلية علوية حاكمة وأغلبية سنية تريد أن تنتزع الحكم وتنتقم, وأقليات عرقية ودينية أخرى متربصة بسقوط الثور الجريح, وبالنظر لعواقب مثل هكذا نزاع  لابد أن يأتي التقسيم كحل منطقي و حماية ضرورية لكل طائفة من الأخرى, مثل هكذا مشروع يأخذ بعين الاعتبار العلويين 12% وإمكانية تمركزهم في منطقة الساحل السوري, كرد سورية في شمال شرقي سورية المتاخمة للحدود التركية العراقية حيث يشكلون أكثر من 15% من نسبة السكان. هذا التفكير متجانس مع ذهنية النظام الديكتاتوري الحاكم نفسه الذي أصرّ على عداء الكرد السوريين وعمل على التشكيك  في وطنيتهم وولاءهم  لسوريتهم متمسكا بذرائع واهية عن ميولهم الانفصالية وترجم النظام سلوكه العدواني من خلال جملة من القوانين والمراسيم الجائرة بحق المنطقة الكردية.

بشار الأسد لا يختلف عن القذافي فهو مهووس أيضا بجنون العظمة و نظر الى مقامه يوما ما كزعيم للأمة العربية, بالتالي لن يرضى أن يتحول الى زعيم طائفة في شبه دويلة بجبال العلويين.

الكرد على الرغم من تواجد الأغلبية العظمى في مناطقهم الا أن أعدادا ضخمة موزعة على كافة المدن السورية من أقصاها الى أقصاها ووحدة الأراضي السورية مطلب كردي سوري  فتمسكهم بسوريتهم لا تقل عن تمسكهم  بكرديتهم!

السؤال الهام الذي يطرح نفسه: من المستفيد الأول من زرع أسباب الشقاق واستخدام بعبع التقسيم كفزّاعة في هذه المرحلة التاريخية الحرجة من عمر الوطن؟

بدون أدنى شك المستفيد الأول من نشر مثل هذه التوجسات هو النظام الحاكم. هذه الفزّاعة  تساهم بشكل مباشر على ضرب  فصائل المعارضة  ببعض بغية اضعافها وتشتيتها أكثر مما هي مشتتة من جهة, تجريدها من المصداقية كبديل يسدّ محل النظام الحاكم أمام المحافل الدولية من جهة أخرى.

الأمر الذي يتجاهله هؤلاء هي أن السلطة الحاكمة على الرغم من سيطرة الكثير من أفراد الطائفة العلوية على المراكز العسكرية والمدنية الحساسة الا أنهم ليسوا بمفردهم بل باعتمادهم الكبير على حزب البعث الذي معظم قياداته من السنة.

الولاء في سورية الأسد لم تكن للطائفة بل للحاكم وحاشيته بمن فيهم قطاع عريض من البعثيين السنة. هناك محاولات لتبرئة البعثيين مما يجري في سورية بتصويرهم وكأنهم لا حول لهم ولا قوة في التأثيرعلى مجرى الأحداث, هذا الاستخلاص لا يمت الى الحقيقة في شيء. بقاء النظام حتى يومنا هذا أي بعد قرابة العامين من المقاومة الضارية في أغلب المدن والبلدات السورية في سدة الحكم هو أكبر دليل على استماتتهم في سبيل الحفاظ على نظامهم وقائدهم.

الأمر الذي على جميع السوريين قبوله هو أن سورية يجب أن تكون في المحصلة لجميع السوريين بكل مكوناتهم الاثنية والمذهبية والدينية وبأن مفهوم وحدة الأراضي السورية لا تعني أن يسود البعض ويستعبد الاخر, كما أن الاعتراف بالآخر لا يعني تهديد أمن ووحدة البلاد.

بعبع التقسيم خدمة للنظام الجائر, اطالة في عمره, اضعاف لكل فصائل الحراك الثوري وإنهاك لبلدنا أرضا وشعبا.

مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى