صفحات العالم

بعض من تجربة الـ1559 يستعاد في سوريا: الاسد يوازن الدعم العربي للمعارضة بموقف كيري

 

    روزانا بومنصف

لم يكن مستغرباً بالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين سعي الرئيس السوري بشار الاسد في الحديث الصحافي الأخير لصحيفة “الصاندي التايمز” البريطانية  قبل اسبوع الى توجيه رسائل الى الغرب وتحديداً الى الولايات المتحدة من اجل تعويم نفسه وسلطته والترويج لنفسه كرئيس علماني من جهة في مواجهة الخيارات الاخرى التي تخشى منها واشنطن اي وصول الاسلاميين المتشددين الى السلطة وتقديمه امثلة على ذلك فشل انتقال السلطة الذي حصل في مصر وتونس او محاربته لمن يعتبرهم ارهابيين وهو يقصد بهم الثوار المعارضين في الوقت الذي يسعى الى مطابقة هذه الصفة التي تطلقها واشنطن على جبهة النصرة تحديداً. ومثار عدم الغرابة ان الاسد وفقاً لهؤلاء الديبلوماسيين راهن على عدم استماع الرئيس الاميركي باراك اوباما الى فريق عمله السابق في وزارتي الخارجية والدفاع والمخابرات والذي توافق اركان هذه المؤسسات على وجوب دعم المعارضة السورية عسكرياً، وهو الامر الذي رفضه اوباما ودعم ولايته الثانية بتعيينات في الخارجية والدفاع على نمط سياسته. يقول وزير الخارجية جون كيري في حديث الى محطة بلومبيرغ في الخامس من آذار الحالي “ان الاستراتيجية التي يعتمدها الرئيس اوباما ازاء سوريا تدعو الى دعم الثوار لكن ليس لتغيير اتجاه المعركة او حسمها بل لكي يوافق الاسد على مفاوضات الانتقال السلمي للسلطة والبيت الابيض لا يرغب في تدهور كبير للصراع وان الرئيس الاميركي يوجه رسالة الى الاسد مفادها ان لدينا فرصة لنقوم بخيار السعي الى تسوية سلمية”.

 وخلال الاعداد للقرار 1559 في مجلس الامن في العام 2004 وجهت الولايات المتحدة رسائل مباشرة الى الرئيس السوري تطالبه باحترام سيادة لبنان واستقلاله في انتخابات رئاسة الجمهورية، وتالياً عدم الضغط من اجل تمديد ولاية الرئيس اميل لحود، ثم بدأت المطالبة بسحب سوريا قواتها العسكرية من لبنان التزاماً للقرار 1559. لم يأخذ النظام السوري الكلام الاميركي على محمل الجد، نظراً الى ان الاميركيين كانوا يوجهون عبر ادائهم  ومواقفهم رسائل متناقضة. اذ فيما كانت تعلن واشنطن ضرورة التزام الاسد القرار 1559 كان مسؤولون اميركيون يزورون دمشق ويعلن على اثرها النظام ان الزيارة كانت للبحث في امور امنية وديبلوماسية تهم الطرفين وان الولايات المتحدة طلبت مساعدة دمشق في ملفات عدة. ولم تدرك واشنطن انها ترسل مؤشرات ورسائل متناقضة سوى في مرحلة متأخرة فاستدركت بوقف الزيارات الديبلوماسية الى العاصمة السورية. ومع ان الادارة الاميركية قد تبدلت، فان الكلام المعلن على لسان كيري من واشنطن اقوى بالنسبة الى الاسد من الغطاء العربي من الجامعة العربية لأي دولة من اعضائها مدّ المعارضة بالاسلحة غداة جولة كيري في المنطقة وهو اقوى ايضاً من دعم كيري للمواقف القطرية والسعودية من النظام ووجوب دعم المعارضة المعتدلة بأسلحة، نظراً الى ان هناك اسلحة تقدم الى المعارضة، لكنها راهناً باتت تحظى بغطاء شرعي، بحيث يمكن ان تكون شرطاً مقابلاً في حال الجلوس الى طاولة المفاوضات بوقف دعم روسيا وايران النظام بالاسلحة في مقابل دعم الدول العربية المعارضة بالاسلحة.

حين سئل الوزير كيري بعد مؤتمرروما لاصدقاء سوريا الذي عقد في 28 شباط الماضي اذا كان تقديم الولايات المتحدة مبلغ 60 مليون دولار مساعدات غذائية وادوية الى المعارضة يمكن ان يغير من حسابات الرئيس السوري في ضوء اعلان كيري بعد استلامه وزارة الخارجية انه سيعمل على تغيير حسابات الاسد، قال “ما نقوم به من جهتنا هو جزء من كل وان دولاً عدة اختارت ان تقوم بأمور مختلفة وانا مقتنع بأن هذا الكل سيدفع الاسد لكي يبدأ التفكير جدياً في مصيره وخياراته… وان هذه هي بداية مسار سيدفعه الى تغيير حساباته”. في حين ان المفارقة ان الولايات المتحدة وان لم تغير حساباتها حتى الآن الاّ انها قد غيرت مقاربتها للموضوع السوري على الاقل وغاب اشتراطها بتنحي الاسد الذي يراهن بدوره على تغيير الحسابات الاميركية في شأنه. يدعمه في ذلك استمرار روسيا على موقفها الداعم له بقوة على رغم استهلاك الدول العربية والغربية وقتاً طويلاً في محاولات اقناعها بالضغط عليه للتنحي. وكان اخر مظاهر هذا الدعم تكرار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف المعزوفة الروسية ذاتها لجهة تشديده “على ان روسيا لن تطلب من الاسد التنحي وان على السوريين تحديد مصير الاسد لأن بلاده لا تشارك في لعبة تغيير الانظمة”، مكرراً دعوة المعارضة  الى التخلي عن شروطها المسبقة واعلانه ان بلاده “لا تزود النظام اسلحة يمكن استخدامها في النزاع الداخلي”، متجاهلاً صواريخ سكود او تلك التي يقصف بها الطيران السوري الشعب، فضلاً عن تمسك الاسد بمحاورة المعارضة متى سلمت سلاحها. وهي مواقف لافتة للافروف كونها تأتي في اعقاب محادثات جديدة جرت بين الروس والاميركيين في برلين على هامش مؤتمر دولي لمساعدة اليمن وعلى اثر محادثات اجراها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين وكان مصيرها الفشل مجدداً. كما تدعمه ايران بالمال والاسلحة والمسلحين عبر العراق ولبنان، والتورط الايراني المباشر وغير المباشر يهدد باقحام المنطقة في حرب مذهبية اقليمية خطيرة.

تقول المصادر الديبلوماسية المعنية ان المشكلة لدى الادارة الاميركية انها تستهلك مزيداً من الوقت في ظل عدم التوافق الاميركي الروسي على حل للازمة تحت عنوان “تغيير حسابات” الرئيس السوري في حين ان الوضع لا يحتمل ترف فترة انتظار طويلة في ضوء  عوامل جديدة طرأت على الازمة تستخدم فيها دول الجوار السوري اما رهينة او ساحة للضغط من اجل تحسين الاوراق او من اجل تغيير الحسابات، كما هي الحال بالنسبة الى الوضع في لبنان مثلا الذي يقارب فيه الوضع حدوداً خطرة جداً. ومن غير المستبعد ان يعود الفريق الجديد في الادارة الاميركية ليقتنع بالاستخلاصات التي توصل اليها الفريق السابق، لكن هذا الاقتناع يسلك طريقاً طويلة ما لم يحدث ما يعجل في حصول ذلك. ولعل في زيارة اوباما لاسرائيل وبعض الدول الاخرى ما يساهم في هذا الأمر بناء على رؤية تقترب اكثر من سوريا مع تطورات بدأت تحصل في الجولان المحتل اكثر فأكثر.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى