صفحات الرأي

بلاكووتر «الجهاديين»… من القوقاز الروسي إلى سورية والعالم/ كريستيان بويز إيريك وودس راو كومار

 

هم في الصور مدججون بالسلاح، ومسلحون بسترات واقية وخوذات. يظهر مثل هؤلاء الرجال، وهم يدافعون عن خنادق محصنة أو يقتحمون مباني، ويقفون أمام لوح أبيض يشرحون فيه دروساً تكتيكية، في أشرطة فيديو على يوتيوب مسجلة بالأبجدية الروسية السيريلية، وترافقها أناشيد بالعربية غالباً ما تستخدم في أشرطة فيديو البروباغندا الجهادية. وهؤلاء الرجال أعضاء في «ملحمة تكتيكل»، وهي أبرز شركة مقاولة «جهادية» عسكرية خاصة للاستشارات. و«ملحمة تكتيكل» ليست تكتلاً عسكرياً ضخماً على ما كانت عليه شركة «بلاكووتر» السيئة الصيت (وصار اسمها «أكاديمي»)، بل هي شركة صغيرة «يعمل» فيها 10 مقاتلين من أوزبكستان وغيرها من الجمهوريات القوقازية الروسية.

ولكن الحجم ليس المعيار الأبرز في عالم الاستشارات العسكرية، في عصر وسائل التواصل الاجتماعي. و«ملحمة…» روجت لمعاركها على النت، وأثمرت مساعيها. وذاع صيت برامجها التدريبية والقتالية في أوساط الجهاديين في سورية، وكثر معجبون بأدائها خارج سورية. والى اليوم، المجموعة هذه تقدم خدمات خاصة ترمي الى إطاحة نظام بشار الأسد واستبداله بحكومة إسلامية متشددة. وقائد المجموعة هو أوزبكي في الرابعة والعشرين من العمر يُعرف بأبو رفيق. ومنذ إطلاق الشركة هذه في أيار (مايو) 2016، زادت قوة «ملحمة…»، واتصلت بها للمشاركة في القتال وتدريب المقاتلين وتوفير استشارات في ميدان المعارك، «جبهة فتح الشام» («جبهة النصرة» سابقاً المتحدرة من «القاعدة») والحزب التركستاني الإسلامي، وهو جماعة من الأويغور المتطرفين من محافظة تشينجيانغ الصينية. وعلى رغم نكبات الثوار في سورية، ومنها خسارة حلب، الطلب على خدمات «محلمة تكتيكيل» زاد في سورية، ولم يفتر، على نحو ما أبلغ أبو رفيق «فورين بوليسي» في مقابلة على تطبيق «تيليغرام». ويبحث أبو رفيق في التوسع والعمل حيث السنّة مضطهدون سواء في الصين او ميانمار. ويلمِّح الى إمكان عودة «ملحمة…» الى مسقط رأسها والقتال في شمال القوقاز ضد الحكومة الروسية. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) المنصرم، نشرت «ملحمة…» إعلان وظائف يتوجه الى مدربين من أصحاب الخبرة ويحضهم على الالتحاق بالشركة. والإعلان يشبه إعلانات شركات تدرج في لائحة «فورتشون 500» أكثر مما يشبه اعلانات تجنيد متطرفين في حرب دموية عنيفة.

والحق يقال «ملحمة تكتيكل» هي أول شركة مقاولات عسكرية خاصة مختصة بالجماعات المتطرفة. وأول شركات العسكرية الخاصة في سورية كانت «سلافونيك كوربس»، وهي شركة مسجلة في هونغ كونغ وظفت عسكريين روساً سابقين للتعاون مع القوات الحكومية في 2013، وفق تقرير أعدته مجلة «ذي إنتربريتر». ولكن سرعان ما تبين أن الحكومة السورية لا تدعم العسكرييين هؤلاء. ففي البدء، سرق الجيش السوري مركباتهم، ثم لم يتقاضوا رواتبهم، وبعدها اصطدمت مروحية سورية بموكب لقوات «سلافونيك كوربس». ومغامرة الشركة هذه السيئة المآل في سورية انتهت الى انفراط عقدها، إثر هزيمة عسكرييها في معركة مع الثوار في الصحراء على مقربة من مدينة السخنة في تشرين الأول (أكتوبر) 2013. وعاد المرتزقة الى موسكو، واعتقلتهم القوات الأمنية الفيديرالية لتدخلهم في سورية من غير إذن. وإثر تدخل الكرملين في سورية في أيلول (سبتمبر) 2015، التحق 1500 مرتزق روسي بتكتل «واغنر»، وهي شركة روسية عسكرية خاصة سرية، سبق أن قاتلت الى جانب الانفصاليين في شرق أوكرانيا. وعلى خلاف «سلافونيك كوربس»، تدعم الحكومة الروسية مجموعة «واغنر» وعلى رأسها آمر القوات الخاصة الروسية السابق في الاستخبارات العسكرية الروسية، ديمتري أوتكن. ويعتقد مراقبون أن «واغنر» تحاكي نموذج عمل «أكاديمي» (بلاكووتر سابقاً). فهي توظف قوات نخب وتعتمد على دعم الحكومة الروسية، وتنقل عسكرييها في طائرات رسمية وتتدرب في قاعدة مولكينو العسكرية في جنوب شرقي روسيا.

وثمة مقاتلون ناطقون بالروسية يقاتلون الى جانب المجموعات «الجهادية» ضد الحكومة السورية. وتقدر «مجموعة صوفان» عدد المقاتلين من الاتحاد السوفياتي السابق في سورية، بحوالى 4700 مقاتل. وهؤلاء أكثر تدريباً وتسلحاً من المقاتلين المحليين. فهم حازوا الخبرات في قتال الحكومة الروسية في جبال الشيشان وداغستان في تسعينات القرن المنصرم والعام 2000. وكسب المقاتلون الناطقون بالروسية احترام المقاتلين المحليين، فعدد موتاهم أكبر. وهم التحقوا بصفوف «داعش» و«جبهة فتح الشام» وغيرهما من مجموعات صغيرة، ويُعرفون بـ «الانغماسيين».

ونهج «ملحمة تكتيكل» هو خلاف نظيره «الانغماسي». فهي تقدم الاستشارات العسكرية وتبرم صفقات سلاح، وفي بعض الأحيان، تتولى دور مقاتلي النخب، على نحو ما فعلت حين انضم رجالها إلى الحزب «التركستاني أو التركمستاني الإسلامي» في صد هجوم نظام الأسد في أيلول (سبتمبر) 2016 على جنوب حلب. وسيرة أبو رفيق تسلط الضوء على نهج «ملحة …». فهو انتقل من مسقط رأسه الى روسيا حيث أنشأ عائلة، والتحق بفرقة عسكرية روسية من القوات الخاصة. وفي 2013، غادر روسيا الى سورية حيث لم يلتحق بمجموعة أو فصيل مقاتل، شأن المقاتلين الأجانب، بل نقّل مهاراته وخبراته بين الفصائل قبل أن يؤسس «ملحمة …» في 2016.

وفي العام المنصرم، دربت شركته متطرفين إسلاميين من «أحرار الشام» و«جبهة فتح الشام» على القتال المدني. وهذا النوع من التدريب ليس بخس الثمن وليس في متناول الجميع. فكلفة الدورة الواحدة أو الحصة الواحدة تقدر بنحو 800 دولار في السوق السوداء. ولذا، شطر راجح من تدريب المقاتلين السوريين يقتصر على حركات بهلوانية والمشي وأسس الرماية.

وتصنع «ملحمة …» معدات للجماعات الجهادية وستر، منها قطع غيار وملحقات بـ «سلاح «بي كي أم» الروسي. وحضور الشركة هذه على وسائل التواصل الاجتماعي كبير من «فايسبوك» الى «يوتيوب» و«تويتر» وصولاً الى «فيكونتكتي»، و«انستاغرام». وجذبت أشرطة فيديو «ملحمة…» على «يوتيوب» أكثر من 208 آلاف مشاهد، في وقت يقتصر، على سبيل المثل والمقارنة، جمهور شرائط «الجيش الحر كتيبة المعتصم»، وهو 50 مرة اكبر من «ملحمة…»، على 110 آلاف مشاهد. والمعلقون على الأشرطة هذه متنوعو الانتماءات بدءاً بـالثوار السوريين مروراً بالجنود الأوكرانيين وصولاً الى انفصاليي دونتيسك الأوكرانية.

وتوفر شركة المقاولات العسكرية هذه دليل نصائح «جهادية» على الخط من طريقة ارتجال رمانة متفجرة الى تنظيف الأسلحة والقتال المدني وغيرها من المهارات. وينظم مرشدو المجموعة دورات تدريب أونلاين تتناول الإسعافات الأولية في ساحة المعركة، واستخدام الأسلحة، ونظام الاشارت اليدوية في حرب المدن، ومداخل تعليمية الى نصب الكمائن. ويقول أبو رفيق أنه وجماعته ليسوا بمرتزقة وأن بواعثهم على القتال ليست المال. «نحن نقاتل من أجل فكرة… الجهاد ضد الأسد».

ويرى شين ماكفايت، استاذ في جامعة الشؤون الدفاعية وصاحب «المرتزقة المعاصرون»، أن المزج بين الايديولوجيا المتطرفة وخصخصة الحرب هو نازع خاص ومحير. و «لم يسبق أن دفع «مثاليين متشددين مقابل التدريب العسكري. وهذا أمر جديد في الحروب المعاصرة». ولم تغفل الاستخبارات الروسية زعامة أبو رفيق، واعتبرته خطراً إرهابياً بارزاً، وفي 7 شباط (فبراير)، شنت غارة جوية على شقته في إدلب راحت ضحيتها زوجته وابنه الرضيع وعدد من المدنيين. ولكنه غادر المنزل قبل لحظات من الغارة. ولو قُتل أبو رفيق وانفرط عقد «ملحمة تكتيكل»، لن يتغير في الأمر شيء. فأبو رفيق خلف أثره في الحرب ضد الأسد وربما في مستقبل التكتل الصناعي العسكري العالمي.

* صحافي كندي ** مراسل في الموقع الاستقصائي «بيلينغكات»، *** محلل شؤون الشرق الاوسط وأوراسيا، عن «فورين بوليسي» الاميركي، 10/2/2017، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى