أكرم قطريبصفحات الثقافة

بلدُكَ يبدو آخر مكان على وجه الارض


أكرم قطريب

لم أصدق أن عمر الشعر 5000 عاماً

لم أصدق أن عمر الشعر 5000 عاماً. ولم أدر أن الغيوم، التي كنت أتبعها في طفولتي إلى الجبل، القريب من حقول عباد الشمس، ستصير بساط ريح لأحلام لم تتحقق.

كنت أذهب إلى تلك الأماكن السحرية التي يجلس فيها الشعراء القدامى، وهم يقطعون آلاف الأميال لأجل قراءة بيت، ثم يهيمون على وجوههم نحو أرض لم تدسها قدم بعد.

في بلاد مابين النهرين والساحل الكنعاني ووادي النيل، كانت الآلهة تخترع الكتابة، والشعر يُكتب بلغة سكان الريح، وثمة من يبني حدائقه المعلقة لوحده.

كانت تكفيني صورة المتنبي على حصان، وهو يتيه بين حلب وحواضر حماه، أو أبو العلاء المعري الذي لم يمنعه العمى من معرفة العالم والسفر فيه، دون أن يغادر عتبة بيته، وسركون بولصالذي هجر مدينته كركوك في الستينات إلى بيروت، قاطعاً الأنهار والصحارى تحت شمس العراق الحارقة مشياً على قدميه، وتحت إبطه قصائد كان كتبها لأجل عيون مجلة شعر. أو الشاعر المصري الذي يصف ذراعي حبيبته 3000 سنة قبل الميلاد بالعسل والذهب.

ليس من حقيقة أبدية أو قاموس محدد يمكنه شرح الأهوال، التي حصلت بسبب ذلك الخدر السري، الذي يمحو الروح وينجيها في نفس الوقت.

سافو سيخفق قلبها الإغريقي حتى الموت.

فيرجيل سيبني إيثاكا وسيرسل أوديسيوس إلى المحيطات بينما بينلوب مازالت تنتظره أمام البحر، أو تنتظر عشاقاً غيره.

لأجل الذي عمره 5000 آلاف عامٍ نُفي دانتي أليجيري خارج فلورنسة، ليتشرد في المنفى ويجوع وتقتله العاطفة وخيبة الأمل.

بينما سيقضي رامبو في اليمن بالغرغرينا، وغارسيا لوركا مقتولاً مثل فرس ُمجنح يحرسه رعاةُ أندلسيون على الهضبة.

لم أصدق أن الشعر عمره 5000 عامٍ حتى قرأتُ قصائد أراغون عن عيون إلسا، وعرفتُ ضعف الوصف الذي لم يحمِ الذين يسقطون في المدن السورية أمام بيوتهم.

لكنه يُضيء عمى العالم

هذا المتباطئ الكسول.

[وبلدكَ يبدو آخر مكان على وجه الأرض

على سبيل المثال

يمكنك أن تتباهى بحياتكَ الشاقةِ

واهنَ الروح، وأنت تأكل السجق في استراحة القطار

تتنفسُ في المكان الغريب

وبلدكَ يبدو آخر مكان على وجه الأرض

محمولاً على كتفيكَ مثل بضاعة ضرورية للحنين

كل يومٍ تحدثُ جرائم تافهة

بينما القتل الجماعي المبالغ فيه هناكَ

لأُناسٍ فاغري الأفواه يكبرونكَ أو يصغرونكَ في السن

وثمة من يطلب النجدة على خشبة المسرح

لم يعد الموت يساوي شيئاً

بينما مدفعية الهاون على جبل قاسيون

تدكُّ أطراف دمشق

لكن الأحصنة تلفظُ أنفاسها عند قدميّ العذراء

الأحصنة المذبوحة منذ نصف قرنٍ

الأحصنة التي تنام فوق الخبز

لا تتألم الآن

[قصيدة الشوارع

الشوارع التي كنا نقطعها بين البرامكة وباب مصلى وطريق الزاهرة القديمة

وصولاً إلى حارات التضامن في عز الظهيرة وفي مثل عمري ذلك الزمان المتفحم

كنتُ أُشير إلى منزلها من نافذة الميكرو، وكنا بشراً شبيهينَ بموتى المقابر البحرية

محشورينَ داخلها كتماثيل بقمصان منزوعة الأزرار.

كان كافياً أن أجد مفتاح البيت فوق ساعة الكهرباء

في الوقت الذي يعمُّ الظلام المدينة

[جسد شبه أزرق

المحبة جسد شبه أزرق

من جرّاء الضرب.

[في الميدان

في الميدان كانت دمشق لاتنام

ما زالت لاتنام.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى