صفحات الثقافة

بمناسبة “بطولة أوروبا”.. تفاؤلنا المنطفئ والعولمة المصابة بالكآبة/ يوسف بزي

 

 

قبل أيام انطلقت “بطولة أوروبا” في كرة القدم. بيروت أقل استعداداً من السابق مواكبة للمناسبة. ما من رايات تزين الشرفات أو السيارات. الحانات والمطاعم أكثر انشغالاً بالاستعدادات لشهر رمضان وإفطاراته. البث المباشر والعمومي صار أصعب، مع النزعة الاحتكارية لشركات البث وقنواتها المشفرة باهظة الكلفة. ثمة كآبة وضمور في استقبال هذا الحدث الذي تستضيفه فرنسا، المصابة اليوم بالهلع من الإرهاب الذي ضربها بقسوة خلال الأشهر الماضية. ثمة نَحس يلاحق هذه البطولة، من فيضانات باريس إلى الإضرابات العمالية التي تهدد المواصلات والحركة السياحية. كأن تحولاً مفاجئاً يطوي الحقبة السعيدة التي شهدناها طوال العقدين الماضيين، وكان آخرها مونديال2014 الكرنفالي.

هنا، فصول من سيرة تحولات علاقتنا بكرة القدم، فرجة وثقافة وسلوكاً.

ضجيج في الأشرفية

اجتمعنا في منزلي، خريف العام 2009، وضاح شرارة ومحمد أبي سمرا وفادي الطفيلي وفادي توفيق وفيديل سبيتي وزوجاتنا، مُستقبلين صديقنا الكاتب المصري الراحل هاني درويش، كي نتابع أثناء حفلة العشاء المباراة “المصيرية” الثانية بين مصر والجزائر في القاهرة. فالمباراة الأولى على أرض الجزائر انتهت بفوز البلد المضيف 3-1، وكان طموح مصر للتأهل إلى مونديال 2010 مهدداً. جاء هاني درويش بكامل فورانه وتوتره ورعبه. ورغبة بالمزيد من الإثارة والاستفزاز، وضع فادي توفيق علم الجزائر فوق التلفزيون قائلاً: سأشجع بلد المليون شهيد. يشهر هاني ضحكة عدوانية فاجرة، ويعب كأس ويسكي دفعة واحدة: “حا نفرمهم يا فادي”.

تعالى صوت المعلّق عصام الشوالي، الذي لا يكلّ عن مزج كرة القدم بالتاريخ والسياسة، كمن يصب الزيت على النار في كلامه عن أعمال الشغب والصدامات والاعتداءات، التي رافقت المباراة الأولى في مدينة بليدة الجزائرية، وها هو الجمهور المصري قبيل انطلاق المباراة الثانية يعتدي على باصات البعثة الجزائرية في القاهرة. وصل الأمر إلى نشوب أزمة دبلوماسية بين البلدين، رافقتها حرب إعلامية شديدة البذاءة والشوفينية والتحريض.

قبل أن تبدأ المباراة، كان صخب الجمهور في الملعب هائلاً، يضج عبر التلفزيون. وها نحن في الأشرفية، وسكان البناية ليسوا معتادين على ضجيج كهذا من شلة تتكلم جميعها دفعة واحدة بصوت عال وتلفزيون مندلع على آخره. وهاني لا يستطيع الجلوس كرفّاص فالت، يتحرك كبندول مجنون: “يا يوسف، الشعب المصري عايز حتة أمل.. مبارك نفسه عاوز يجدد حكمه بالكرة. لو اتهزمنا الليلة، مصر ممكن تنفجر”.

انتظرنا حتى الدقيقة الخامسة من الوقت المحتسب بدل ضائع، بعد نهاية زمن المباراة الأصلي، ليسجل اللاعب البديل عماد متعب الهدف الثاني لمصر. انفجر الملعب بالتهليل لهذه “المعجزة” التي أتت في الوقت القاتل، وانفجر أيضاً هاني درويش صائحاً عبارته التي لا تُنسى “هِيّ دي.. هِيّ دي” عشرات المرات، محتضناً كل واحد منا، دامعاً، ضاحكاً بكامل روحه الوثابة والمتقدة.

مات هاني في العام 2013، هو الذي كتب عن “الألتراس” المصري كما لم يكتب أحد. هو المشجع الوفي لنادي برشلونة حتى العظم، “اللاعب” الذي كان يجمع زمرة من المثقفين المصريين من على مقاهي الرصيف ويذهب بهم للعب كرة القدم: “كان ذهابنا إلى لعب الكرة كجماعة أدبية فنية ثقافية تدخن الشيشة بفجور، وتتأرجح كروشها من طغمة البيرة، أقرب إلى انتحار جماعي يراهن على النوستالجيا الفائقة لزمن المراهقة”..

أتذكر هاني لأنه كان مثال “المثقف” الأقرب إليّ في شغفي بكرة القدم، طالما أن المثقفين اللبنانيين لا يفقدون رباطة جأشهم واتزانهم وهم يتابعون المباريات. فعدا صديقي (اللدود كروياً) يحيى جابر، ينحو الكتّاب والشعراء والفنانون والصحافيون اللبنانيون إلى السلوك المتحفّظ والهادئ والمنضبط، من غير حماسة زائدة وبلا “هرج ومرج”، محافظين هكذا على صورتهم الوقورة.

لاح العلَم الكروي لاح

في أواخر التسعينات، بالترافق مع تحسن حياة اللبنانيين، واتصالهم المستجدّ بأحوال العالم، وإقبالهم على مظاهر الترفيه والتسلية، ومع انتشار “الفضائيات” والتطور التكنولوجي في تقنيات البث، بات بوسع الجميع مشاهدة المناسبات الكروية، في كل المنازل والمقاهي والمطاعم والحانات والمولات.. البث متوفر أينما كنا. بات بإمكاننا بسهولة، متابعة الدوريات الأوروبية الكبرى: إيطاليا، فرنسا، إنكلترا، ألمانيا، إسبانيا.. عدا المناسبات العظيمة: دوري أبطال أوروبا للأندية، المونديال، بطولة أوروبا، كأس القارات… كرة القدم في أي وقت.

هكذا، وكما تم ابتكار موضة “الخيم الرمضانية” في ذاك الوقت، اندفعت الحانات والمطاعم والمقاهي إلى وضع الشاشات التلفزيونية الكبيرة التي تبث مباريات كرة القدم، وراح الناس ينخرطون في موضة جديدة: تشجيع الفرق الكروية، بوصفها اندماجاً في طقوس اللهو والتسلية التي تصنعها طبقات اجتماعية مقبلة على حياة استهلاكية جديدة، وتلاقي في الوقت نفسه هواية شعبية، منتشرة خصوصاً بين الشبان الفقراء.

فجأة، باتت الأماكن السياحية العامة مزينة بأعلام الفرق، وانتشر الباعة الجوالون حاملين رايات المنتخبات الكروية الصغيرة، التي تثبت على السيارات. وفي الأحياء الشعبية بدأت الشلل الشبابية برفع الأعلام الضخمة بين البنايات، ثم انتشرت عادة تثبيت علم الفريق المفضل على شرفات المنازل.

تحولت الفرجة على كرة القدم إلى لحظة احتفالية عامة، وتكرست “ثقافة” التشجيع حتى بين النساء والصبايا، اللواتي نادراً ما أظهرن اهتماماً بهذه اللعبة الذكورية الطابع. محبو كرة القدم لم يعودوا حصراً على شاكلة مشجعي “النجمة” من المراهقين والشبان المتعصبين، أبناء الأحياء الشعبية. كانت موضة التشجيع والمشاهدة قد طاولت الجميع. السياسيون صاروا يعلنون عن ميولهم الكروية، الممثلون والمغنون وعارضات الأزياء وسيدات المجتمع لحقوا أيضاً هذه “الموضة”.

واكبت الصفحات والملاحق الثقافية اللبنانية هذه الظاهرة، واكتشفت علاقة أدباء العالم وشعرائه بكرة القدم، النصوص النثرية والأوراق الفلسفية والقصائد والقصص والروايات التي تتمحور حول هذه اللعبة ولاعبيها. صحيح أن محمود درويش كان قد كتب نصه الشهير “ونحن أيضاً نحب كرة القدم”، وصحيح أن شارل شهوان في كتابه البارع “حرب شوارع” قدم نصاً أخاذاً عن اللعبة، إلا أن علاقة المثقفين اللبنانيين بمظاهر الفرجة والتشجيع بقيت هكذا، مشوبة بالرصانة والتحفظ والبرودة العقلانية، بما لا يتناسب مع روح الحماسة ولا الانفعالية الغرائزية. لم يفعلوا ما كان فعله هاني درويش وصحبه من مثقفين مصريين من لعب وجنون الركض لساعتين في الملعب بأعمار تخطت الأربعين، ليخرجوا بكدمات وإصابات في العضل والمفاصل والأقدام. ظلوا طوال معرفتي بهم، “نقّاداً” كرويين على الأغلب.

في “شي أندريه”

جاءت بطولة أوروبا العام 2000، زمن أمجاد الفرنسيين بقيادة زين الدين زيدان المتوّج ببطولة العالم (1998)، برفقة تيري هنري وديفيد تريزيغيه، وزمن السحرة الهولنديين بركامب وكلايفرت وفان در سار وسيدورف.. وكانت إيطاليا العنيدة تضم جيلاً ملعوناً كمالديني وإنزاغي وتوتي (الملك) والعبقري ديل بيارو. فيما كانت حال المنتخب الألماني هي الأسوأ منذ عقود. وهناك، في حانة “شي أندريه” بشارع الحمرا، كنا قد بدأنا نرسخ تقليد السهر الكروي الجماعي فيه. مثقفون وكتّاب وفنانون شباب، ننظم مواقيتنا ومواعيدنا في الحانة وفق جدول المباريات، تماماً مثلما أصبح حال اللبنانيين الذين يخرجون إلى أمكنتهم الجديدة وعادتهم المستجدة في مشاهدة “الفوتبول” على هذا النحو السياحي والاستعراضي، خصوصاً مع إقبالهم على المولات، التي كانت للتو تستولي على مخيلتهم وتسحرهم. كانت تجربة “مونديال” 1998، لبنانياً، كرست ذاك التوسع في قاعدة مشاهدي كرة القدم، خارج نطاق المشجعين التقليديين وخارج الأحياء الشعبية، لتطاول فئات اجتماعية كانت متعالية على عالم “جمهور” كرة القدم، أومتحرجة من شبهة الغوغائية التي غالباً ما يوصف بها جمهور ملاعبنا المحلية. هكذا، وجدت برجوازية الأشرفية نفسها تكتسب ثقة في رفع علم فرنسا، في لحظة سياسية سيئة بزمن “الوصاية” السورية، والفتيات يلوحن بالعلم الإيطالي، رغبة منهن في تشجيع الوسامة الذكورية للمنتخب الإيطالي. فيما نحن “المخضرمون” كروياً، المنقسمون وفق أمزجة يسارية ويمينية وليبرالية مستجدة، فكان منا المتعاطفون مع هولندا السيئة الحظ دوماً، أو مع يوغوسلافيا آخر علامات الممانعة الشيوعية بوجه الإمبريالية، وبالتأكيد المتعصبون المخلصون لإيطاليا ولألمانيا والأقل عدداً بيننا هم مشجعو إنكلترا المدمنين على متابعة ليفربول ومانشستر يونايتد والأرسنال.. والمستجدون في تلك الآونة كانوا مشجعي إسبانيا.

هكذا، لم تعد مشاهدة كرة القدم هواية شخصية ثانوية، منفصلة عن رسوم اجتماعنا وكلامنا وصورتنا ككتّاب ومثقفين وصحافيين وفنانين، إذ أننا رحنا نُدخلها في مألوف سهراتنا سوياً، في ليلنا المشترك، في مواعيدنا وأحاديثنا ومزاحنا ونقاشاتنا. كان حديث نتائج المباريات ومجرياتها يهيمن على جلسات مقاهي المثقفين وحاناتهم، طالما أنهم باتوا في مناسبات كثيرة يكتبون عنها أيضاً. ثم أننا رحنا نعلن ولاءاتنا الكروية وعصبيتنا في التشجيع لهذا المنتخب أو ذاك، وصرنا هكذا، برازيلين وأرجنتينيين وفرنسيين وطليان وألمان.. ننسج نظرياتنا النقدية والجمالية حول فريقنا المفضل وإسلوب لعبه وميزاته الفنية والتاريخية. كنا هكذا نؤلف “خطاباً ثقافياً” في منتخبنا الذي نحبه ونشجعه.

بعد “شي أندريه”، انتقلنا إلى “الريغستو”. الحانة الرحبة ذات الشرفة الواسعة والشاشات العملاقة والطاولات الكبيرة التي تتسع عصبتنا، المتوزعة في ولائها الكروي. بتنا نضع شالات تحمل ألوان فرقنا، القبعات والأزرار.. كل “غادجيت” التشجيع، وصرنا محترفين في تأليف الهتافات، دامجين بين ثقافة الكحول وثقافة كرة القدم. طقوس سهر صاخب، وحماسة وبهجة استمرت في مواسم عدة حتى مساء 10 تموز 2006، إذ بعدها بيومين أتت الحرب الإسرائيلية. هي اللعنة الإيطالية على لبنان كما يعرفها الذين اختبروا اجتياح 1982. كلما فازت إيطاليا بكأس اندلعت حرب علينا.

مهانة 2002

وصلت ألمانيا إلى المباراة النهائية، لتواجه البرازيل وتنهزم بنتيجة 0-2، ويتأجل حلمها برفع كأس العالم للمرة الرابعة. كان الداهية رونالدو، الذي كنت أكره فارق أسنانه الأمامية وطلته الساذجة، قد حطمني بهدفيه المراوغين والسريعين. لكن هواجسي لم تكن في الهزيمة نفسها وحسب، بل بفائض الشماتة التي سأتلقاها من الأصدقاء والأصحاب الكثر، خصوصاً بعد تكتلهم جميعاً كمشجعين للفرق الخاسرة خلف البرازيل، نكاية بنا “نحن الألمان” المتعجرفين.

أقفلت هاتفي، نبهت زوجتي: لست في المنزل، ولا أريد أن استقبل أحداً. لكن كريستين طعمة، مديرة “أشكال ألوان” أخذت على عاتقها تجميع الأصحاب وانطلاقهم في مسيرة سيارات إلى تحت شرفتي، ليضج الشارع بالزمامير والهتافات ابتهاجاً بفوز البرازيل و..”هزيمتي”: إثنان صفر يا يوسف بزي. صارت تصرخ كريستين.

في مكتب الصحيفة، كان ينتظرني أيضاً الشاعر الراحل بسام حجار وحسن داوود وفادي الطفيلي والآخرون، للتعاطف أو الشماتة. كان يوماً مديداً من الغضب والحسرة والمكابرة. لعنت المدرب والحكم والحظ والتاريخ.

جنبلاط والأرجنتين

جاءت بطولة العالم 2010، وما زالت ذيول أحداث 7 أيار2008، وما تبعها من زيارة “قسرية” لوليد جنبلاط وسعد الحريري إلى دمشق، تؤثر في مزاج الشارع في بيروت. زوجتي تختار الذهاب إلى حانة “اليساري الديموقراطي” فاروق يعقوب، الذي دعاها وحدها من دوني، كونها مشجعة أرجنتينية: “هنا، أنتِ على أرضك وبين جمهورك.. اتركي زوجك في الريغستو مع الألمان”. مرت بالقرب منهم سيارة شاب من الحزب التقدمي الاشتراكي يرفع العلم الأرجنتيني. انتهت المباراة بفوز ألماني ساحق أبكى مارادونا المدرب وميسي اللاعب. فمرّ الشاب الاشتراكي ثانية، لكن هذه المرة رافعاً العلم الألماني مهللاً به. يستوقفه فاروق يعقوب حائراً: “ولاه، قبل المباراة كنت مع الأرجنتين؟”.. فيرد: “إيه، شو وليد جنبلاط أحسن مني؟!”

أوروبا الهجينة

في “بطولة أوروبا” 2008، سنكتشف كم باتت أوروبا أقل “أوروبية”، أقل “قومية”. كاد هاكان ياكين، التركي الأصل، أن يقود منتخب بلاده سويسرا إلى الفوز على منتخب أرض أجداده، تركيا، بعد تسجيله الهدف الأول في المباراة، التي انتهت لصالح الأتراك بهدفين دراماتيكيين وصاعقين.

قبل ذلك بأيام حقق اللاعب بودولسكي، البولندي الأصل، الفوز بهدفين نظيفين، لصالح منتخبه الوطني الألماني، على بولندا حيث ما زال أقاربه يعيشون.

وكما أن السويسريين منحوا ثقتهم، من دون أي تشكيك بولائه، للاعبهم التركي الأصل ياكين لمواجهة المنتخب التركي بالذات، فإن الألمان لم يترددوا في إيكال مهمة الهجوم في مباراتهم ضد بولندا الى مهاجمين من أصل بولندي: بودولسكي وكلوزه.

وعلى هذا المثال سنجد في كل منتخب “وطني” أوروبي، خليطاً من الأصول والأعراق يشكل عينة على “الفخر” الوطني، ومثالاً سكانياً شاباً ونضراً، حيث كرة القدم تتنكب رفع راية المدينة وشعارها، فتنوب عن مؤسساتها وأجسامها وبناها في إبراز ثرائها وفتوتها وازدهارها وتنوعها وحيويتها، ومدى انفتاحها وتقبلها للهجرة وقدرتها على الدمج. فإذا كان نادي أتلتيكو بيلباو لا يقبل سوى اللاعبين الباسك في إسبانيا فيما يضم نادي ريال مدريد أفارقة وإيطاليين وهولنديين وبرازيليين عدا عن الإسبان، فذلك دلالة على أزمة الباسك القومية ومحنة الهوية فيها، بينما تبدو مدريد العاصمة مع فريقها متجاوزة لمعضلة الهوية وكآبتها.

وإذا كانت الأندية تعمد إلى “شراء” اللاعبين الأجانب، وتبني المواهب بغض النظر عن الجنسية، سعياً للحفاظ على مستويات التنافس وللفوز بالألقاب والكؤوس، فإن المنتخبات “الوطنية”، التي من المفترض أن تتشكل من اللاعبين المحليين الحائزين على جنسية البلد، باتت تتكون من لاعبين متعددي الأصول والأعراق، وهم بذلك صورة عن بلدانهم التي صارت بلاداً ملونة، كثيرة التهجين، متعددة الثقافات.

في حفلة الافتتاح لبطولة الأمم الأوروبية، التي كانت تستضيفها كل من النمسا وسويسرا، وقفت في ملعب العاصمة السويسرية بيرن مغنية “سوداء” لتؤدي نشيد بلادها الجديدة، ولم يكن ذلك مصدر حرج أو استهجان.

حينها أتاحت كرة القدم للمسلم البوسني ابراهيموفيتش أن يقود منتخب السويد في الملاعب، تماماً كما أتاحت للأفريقيين ماكليلي وتورام قيادة منتخب فرنسا وقبلهما اللاعب الأسطوري، الجزائري الأصل، زين الدين زيدان. ولا يتبدل موقع ريباري في المنتخب الفرنسي إذ اعتنق الإسلام وهو الكاثوليكي الأصل.

يمكن الاستدلال على سوية “التقدم” أو التحفظ القومي في أوروبا عبر منتخباتها الكروية، فتركيا مثلاً المهووسة تقريباً بتجانسها القومي لا تضم في منتخبها سوى الأتراك الاقحاح، واليونان التي تخاف من الهجرة والمعروفة بمواقفها السلبية من المهاجرين لم تنجح حتى الآن في ايجاد لاعب من أصول غير يونانية، وبدرجة مشابهة تبدو إيطاليا شديدة الإيطالية رغم سطوع نجم ماريو بالوتلي الأفريقي الأصل. وهذا على العكس من صورة منتخبات هولندا وفرنسا وانكلترا، وحتى ألمانيا التي كانت “متعصبة” باتت تضم في صفوف فريقها ذوي الأصول التركية والأفريقية. ولا شك أن موجة المهاجرين السوريين الكثيفة التي اجتاحت أوروبا وألمانيا خصوصاً، تحمل ألوف الأطفال الموهوبين الذين ربما نراهم ضمن تشكيلة منتخبات بلادهم الجديدة.

وإذا كانت الملاعب الأوروبية سابقاً، مرتعاً لاستعراض العصبيات الوطنية والمناطقية وللمشاعر العنصرية، فإنها اليوم أرض لما بعد القومية وللعولمة. فعدا اللاعبين متعددي الجنسيات والأصول فإن الجمهور والمشجعين ليسوا هم من في الملعب، بل جمهور تلفزيوني فضائي، نجدهم في كل دول وعواصم العالم.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى