صفحات سوريةميشيل كيلو

بوتين يستعجل السلام/ ميشيل كيلو

 

 

 

أخبر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بشار الأسد أن المرحلة العسكرية من الصراع في سورية انتهت، وسيبدأ العمل للسلام، بعد “الإنجازات العسكرية الكبيرة التي حققها الجيش العربي السوري” ضد الإرهاب.

هذا القول الذي يوحي بأن بوتين كان يتشاور مع الأسد حول رؤيته لم يعجب الأخير، لذلك ذكر بـ “عمله الدائم من أجل السلام” الذي له وجه ثان هو الحرب ضد الإرهاب. وعندما طلب بوتين، بصيغة آمرة، طي رفضه اللجنة الدستورية وإرسال مندوبيه إليها في جنيف، قال نعم في موسكو، ثم أعلن في دمشق أن عملها سيكون تعديل دستور 2012 الذي وضعه نظامه على مقاسه الشخصي.

ما الذي يدفع بوتين إلى الانتقال من الحرب إلى “السلام”، والحديث عن انسحاب القوات الأجنبية من سورية، وهو يزعج الأسد، حتى إن كان المقصود به قوات واشنطن وأنقرة وبلدان أوروبا التي دخلت أخيراً إلى سورية.

هناك أولاً اكتمال تطبيق “خطة راند” الأميركية بأيدي الروس، بعد إخراج الفصائل من غوطة دمشق وريف حمص الشمالي، وقرار أستانة المحافظة على منطقتي خفض التصعيد في شمال سورية وجنوبها، حول إدلب ودرعا. وتتيح هذه التطورات التي تمت بموافقة واشنطن التقدّم نحو الخطوة التالية في “خطة راند”: إخضاع سورية لوقف إطلاق نار شامل، قال بوتين إنه سيفرض نهاية العام، وترتيب أوضاع منطقتي الخفض إدارياً وعمرانياً، تمهيداً لعقد مفاوضات حل سياسي مدخله دستور جديد، أو تعديلٌ ينسف الدستور الحالي، وانتخابات برلمانية ورئاسية تجري عام 2021، يقال إن الأسد لن يفوز فيها، بقرار من الدولتين العظميين.

هذه الخطة التي توافقت واشنطن مع موسكو على تطبيقها، في إطار تقسيم عمل يعطي واشنطن حق وضع الخطط ومشاريع القرارات، وموسكو الحق في تطبيقها، تلقى رفضاً مشتركاً من الأسد وإيران. ولأن موسكو تعلم ذلك، فهي “تتجاهل” غارات إسرائيل ضد عسكر إيران في سورية، على الرغم من توسعتها وتكثيفها من يوم إلى آخر، وربما كانت ترحب بالإجهاز على وجود طهران العسكري في سورية، الرافض للسلام الذي يبشر به بوتين، لأن روسيا ودولاً أخرى ستنتزع الفريسة السورية من أيدي ملاليها، وستمارس عليهم ضغوطاً لا قبل لهم بمواجهتها، بدأت بما يبدو موافقةً روسيةً على ضربات إسرائيل التي تستهدف اقتلاعهم من سورية، ومرّت بخروج واشنطن من الاتفاق النووي، وصولاً إلى نقاط بومبيو الاثنتي عشرة، والتي تعتبر إعلاناً ببدء معركة دولية ضد نظامهم وفرعه الأسدي، تتخطى قدراتها التي صارت اليوم هدف إسرائيل، ويرجح أن تكون قريباً هدف تحالف دولي تتزعمه واشنطن، لا قدرة أو مصلحة لروسيا في التصدّي له.

أرسل بوتين بتصريحاته رسالتين: واحدة تعلم واشنطن برغبته في تطبيق قرار مجلس الأمن 2245 بشأن الانتقال إلى السلام، بعد إنهاء الجانب العسكري لـ “خطة راند”. وأخرى إلى الأسد وإيران، تعلمهما أن الانتقال من زمن الحرب الذي جمعها بهما إلى زمن السلام الذي يرتبط نجاحه بتل أبيب وواشنطن سيشهد نقلة مفصلية في علاقة موسكو بهما، ستأتي بمرحلة جديدة، لن تكفي خلالها “إنجازات الجيش الأسدي” للإبقاء على التفاهم التحالفي بين روسيا وبينهما، الذي لا مفر من أن يتراجع أمام تفاهم روسي/ أميركي/ إسرائيلي عليهما التكيّف معه، إذا أراد الملالي حصةً ما من السلام، ونجح الأسد في جعل العالم ينسى حربه ضد الإرهاب التي ذبح بذريعتها شعب سورية ذبح النعاج، ولا يستبعد إطلاقاً أن يتطلب السلام ذبحه بالسكين عينها، التي جزّ بواسطتها أعناق الملايين من شعب”ه” الإرهابي، من دون تمييز بين طفل وامرأة وشيخ.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى