صفحات المستقبل

بورتريه لديكتاتورنا الجميل/ حمد عبود

 

 

ندمتُ وأنا ألوك هذه الفكرة بين أسنان دماغي وأشعر بندم أكبر وأنا أكتبها وأشاهدها تنمو على شاشة البلاك بيري الصغيرة 3*4 سم.. ولكن الندم هو النتيجة الوحيدة التي تجعل هذه الحياة حقيقية.

الندم على وجهك الذي تغسله ولا يزول، الندم المتسلل إلى صوت أبيك، أرسلكَ لتنجو ولم ترهُ منذها، الندم لأن ديكتاتورك المفضل لم يعد يقتلك كما تعودت، الندم الذي يُبكي مناضلا بقي وحيدا في الميدان والندم القابع على شاشة التلفاز لأن المجزرة أصبحتْ مسلسلا ولم يعد يعرف المذيع في أي نشرة ضاعت من بين يديه جحشة هذه الحرب فضاجتْ الحرب وضجّت الحياة.

وفوق ذروة هذه الكومة الكبيرة من الندم يقف الديكتاتور الجميل يلوّح لنا بيديه ونحن نغادر البلاد لندرس في الخارج ولننفتح على الخارج ولنتعلم وندرس ثقافات الشعوب الأخرى. لابد أنه فخور جدا بنا، أتخيل بأن حاجبه الأمين طرق بابه في الصباح الباكر وأيقظه من نومه المشغول بمستقبل الشعب ليريه خبر تفوق الطالبة السورية على زملائها الفرنسيين والفرنسيات.

هذه هي الخطة، احتلونا سنين وها نحن نرد لهم الصاع صاعين، نرسل لهم أولادنا لاجئين ليتفوقوا عليهم ويكسروا عيونهم بشطارتنا وبذكائنا.

بيننا وبينك وبعيدا عن كاميرات الإعلان الغاشم أو يجب أن أقول “الغشيم”، يجب أن نعتذر لك عن السباب الذي رميناه عليك مؤخرا، أنت تعرف بأنه جزء من الخطة.

انتحر شاب في السويد من الفرحة مؤخرا أيضا، باع أرض بيته بعد أنْ تهدّم ليصل إلى الجنة هناك، وعندما وصل انبسط فرحا وأراد عندها أن يكتب اسمك بالدم وبالروح أيضا، لكن اكتفى بالدم فمنظره على الثلج جميل جدا، أما الروح فمنظرها جميلة على صفحة السماء، ذبح الوريد وبخّ ما به بكلمة “شكرا” كبيرة جدا.

هل أيقظكَ حاجبك الأمين أيضا على هذا الخبر؟!

سمعتُ بأنك لا تتابع الأخبار، هل شاحن جوالك أصلي، الليلة الفائتة حلمتُ بأنّ خبرا عظيما كان في طريقه إليك إلا أن بطاريتك فرغت، سأرسل لك شاحنا أصليا من هنا، على الأقل ستشاهد أطفالك الذين تفخر بهم عندما يظهرون على التلفاز.

لماذا أرسلتني إلى الخارج، لا أستطيع النوم قرير العين كما كنت أفعل في سورية، جاري اللعين المحافظ هنا لا يتركني أنام، يسهر على راحتي حتى أقلق راحتي، ما هذه العيشة؟!

يطلقون عليكَ هنا كل الألفاظ الغريبة، وأستغرب حقا، لا يقدرون ما تفعله ولا يعرفون بأنك استجبت لشكاوى الناس عن ضيق البلد وسوء التخطيط فيه وقلت لهم اذهبوا اقضوا إجازتكم في الخارج بينما أنفض البلد وأعيد بناءه من جديد.

وبيني وبينك لا أفهم كيف يفكرون، لقد حافظوا على نفس الطراز المعماري لقرون، لربما يغارون منا، فنحن جربنا أكثر من طراز معماري ولم يعجبنا، والآن سنجرب الطراز الروسي الحديث، وإن لم يعجبنا سنغير، ما المشكلة!

صحيح أن الخطة ناجحة لغاية الآن، ولكن أنا عاتب عليك قليلا، لماذا غيرت طريقة قتلك لنا؟ الموضوع عائلي ولم يكن عليك أن تدخل الروس بيننا، صحيح أنهم أخوالنا ولكن يبقى الدم دماً. على كل حال أريد أن أقول إن الخارج ليس جميلا من دونك.

(سورية)

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى