صفحات العالم

بورصة مجلس الامن


ساطع نور الدين

يصعب التغاضي عن حقيقة ان مشروعي القرارين الاوروبي الغربي والروسي بشأن سوريا المطروحين على النقاش في مجلس الامن الدولي هما خلاصة المواقف الرسمية للدول التي صاغتهما بطريقة ملتبسة تعبّر عن تخبطها في التعامل مع الازمة السورية، وتوحي بأنها مهتمة بالنزاع في ما بينها والقيام باستعراضات دبلوماسية منافقة، اكثر مما هي معنية بالتوصل الى تسوية تنهي سفك الدماء في سوريا.

قد يكون الالتباس في نصي المشروعين اللذين وزعا مساء الاربعاء على اعضاء المجلس ناجما عن ان الجانبين الاوروبي الغربي والروسي يفتتحان المساومة حول الازمة السورية برفع سقف التفاوض في ما بينهما الى الحد الاعلى، من اجل الوصول في النهاية الى حل وسط يستخلص القواسم المشتركة بين النصين ويصيغ مشروعا موحدا يحظى بالاجماع او الاغلبية او يتفادى حق النقض، ويسهم في توجيه الرسالة التي يود المجتمع الدولي بعثها الى النظام في سوريا ومعارضيه.

غياب اميركا، حتى الان، عن رعاية النص الاوروبي الذي اعدّه مندوبو فرنسا وبريطانيا والمانيا والبرتغال هو بحد ذاته موقف لا يمكن لأحد ان يخطئه، وإن كان يعتقد أن واشنطن اختارت بملء ارادتها ان تكون الوسيط بين الاوروبيين وبين الروس الذي يتولى صياغة مشروع جديد يجمع بين المشروعين، اللذين لا يمكن دمج بنودهما التنفيذية التي يبدو انها آتية من عالمين متباعدين، لا صلة لأي منهما بالواقع السوري… الا في اتفاقهما على ضرورة انهاء الحل الامني وتشجيع عملية سياسية تضم النظام والمعارضة التي يدعوها الروس في مشروعهم الى النأي بنفسها عن المتشددين في صفوفها، وهو ما لايعترض عليه الاوروبيون لكنهم يتوجهون الى النظام اكثر مما يخاطبون معارضيه، ويحملّونه مسؤولية الانهيار الامني في سوريا، من دون ان يلوّحوا بالدعوة المتداولة في عواصمهم الى اسقاطه.

النظام قائم بالنسبة الى الجانبين الاوروبي والروسي، وهو مدعو الى تنظيم تلك العملية السياسية. لكن الافتراق يبدأ عندما يقترح الاوروبيون في مشروعهم تعيين موفد دولي لمتابعة الازمة السورية ويلوحون بعقوبات تحت البند السابع، خلال مهلة اسبوعين، اذا امتنع النظام السوري عن التجاوب مع طلب وقف الحملة الامنية وبدء العملية الاصلاحية. بينما يبادر الروس الى تقديم اقتراح مثير يقضي بتشجيع الجامعة العربية على استئناف مساعيها من اجل فتح الحوار السياسي بين السوريين جميعا.

بعد المشاورات بين اعضاء مجلس الامن التي يمكن ان تستغرق وقتا طويلا، لتثبت ان الازمة السورية باتت بندا رئيسيا على جدول الاعمال الدولي، قد لا يبقى الكثير من بنود المشروعين اللذين يمكن وصف كل منهما بانه اعلان نوايا اوروبية او روسية، تطرح السؤال عما اذا كانت واشنطن تقف في ظل الاوروبيين الذين لا يخرقون قواعد التدويل ومقدماته السلمية، او ما اذا كانت موسكو تعبّر عن رغبة سورية فعليّة في دور عربي جديد يسهم في سد الثغرات الدولية في جدار الازمة، ويعرقل الدور التركي الذي يزيد طموحا يوما بعد يوم؟

جلس الامن هو الان مثل بورصة مفتوحة للتداول بالاسهم والسندات… والادوار في سوريا.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى