صفحات سورية

بوشار آية الأتاسي.. كلام عن الثورة السورية


حسين سليمان

قبل البداية، يحضرني هنا إخلاص الرئيس السوري السابق شكري القوتلي لوطنه ولشعبه، لسورية والعرب. هذه الشخصية الوطنية الكبيرة التي مضت عن التمجيد الذي تغنى به المزيفون.

كتبت ‘آية الاتاسي’ ابنة الرئيس السوري الراحل نور الدين الأتاسي الذي اغتصب منه حافظ اسد السلطة من دون إراقة قطرة دم واحدة، ليودعه بعد ذلك في السجن مدى الحياة، كتبت على صفحتها في الفيس بوك نصا مؤثرا عن طفولتها التي كانت تبحث فيها عن الأبوة التي انتزعها حافظ أسد منها ‘حول السجن وعلى حيطانه وفي داخل زنزانيه ولدت حكايتي.. أنا ابنة السجن وابنة أبي الذي اعتقل فيه بعد ولادتي بأشهر معدودة ‘ . . ‘. أول مرة أدرك فيها قسوة المكان البعيد، كانت عندما دخلته بسنيني الخمسة وبيدي كيس البوشار،ألتقط كل حبة منه بتلذذ ومتعة. يومها وقعت أنا وبوشاري في دائرة التصويب للسجان، وكما لوكنت أهرب موادا محرمة،انقض باصابعه المتورمة على الكيس ورمى حبات البوشار على الأرض ودعسها بأقدامه، بكيت يومها على حبات البوشار بحرقة وكرهت السجن الذي ابتلع أبي، كما ابتلع بوشاري’. هنا الرابط المقال:

https:// www. facebook. com/profile. php ‘id = 645413411 & sk =wall

أعاد نصها إلى ذاكرتي اشياء واشياء، منها التساؤلات الصامتة التي كانت تدور في أذهاننا عن حال نور الدين الأتاسي في سجنه، وكيف أنه لم ينف إلى مدينة مجاورة أو يوضع تحت الإقامة الجبرية من حالات كان يمكن للأسد إتخاذها في حق رفيق له بل صديق حميم. وكان الإصرار على الاستمرار في سجن الأتاسي رغم مرضه فيما بعد ليدل على مقدار القسوة في قلب الأسد الأب. في تلك الأيام، بداية السبعينيات لم تكن هناك بعد معارضة تخيف النظام، فالمجتمع السوري كان يعيد بناء خياله الجمعي لتقبل صورة الحكم الجديدة، متشككا من طرف وآملا من طرف آخر، الحركة التصحيحية التي أمست في النهاية كلها ‘نعم’ ولا يوجد فيها ‘لا’ وحافظ اسد ملصقا على الجدران وصوره في الأحلام والرؤى، على سفوح الجبال وصفحات الأنهر ولن يكون هناك منافس آخر لهذا الأب الطوطمي على مدى سنوات طويلة سوى أخيه الذي تخلص منه هو الآخر بطريقة سحرية. كانت هناك فترة قد آمن فيها الشعب السوري وأحب حافظ أسد وكمثل كل طاغية (في روحه أصل الخراب) لا يستفيد ولا يبني من هذه المحبة أي إعمار ذي قيمة روحية وشآن انساني. لقد انتهى عصر الأسد الأول وكانت الإشارات قد كشفت حجم الدمار النفسي الذي قام به هذا الرجل. السخط في نفوس الشعب أكبر من الرضى، والنفاق والرياء في القلوب أقوى من الصدق والإخلاص ودمرت النفوس وقلبت المعايير وكيف إذن يمكن بناء، وكيف يمكن نصر ويمكن تقدم؟ كان المجتمع السوري يدخل رويدا رويدا في عهد الظلمات ولا يسمع نداء النور إلا في خطاب حزب البعث، إلا في نشرة اخبار التلفزيون السوري، لقد دجن الأسد المصير الزمن السوري ووضعه في حاوية أشبه بحاوية حيوان، لا حرية ولا ضمير ولا أفق. إنها الأيام حين تدور حول نفسها مسجونة. ولشد ماكان هناك قسوة وظلم في قلب الحاكم كان هناك أيضا انزياحات في ضمير الأمة ويعالج فيها الوضع ممالئة كي تتقبل الصورة الجديدة على انها صورة قائد لا ينجب التاريخ مثله على مر التاريخ. ومثال معاصر لذلك هو ماقاله أحد أعضاء مجلس الشعب السوري لبشار الأسد في بداية الثورة السورية، إنه لا يصلح فقط لقيادة سورية أو الوطن العربي بل هو يصلح لقيادة العالم كله. بهذه الروح المزيفة المليئة بالرياء والنفاق يستمر النظام السوري بحضوره وبقيادته.

ومانراه الآن من ثورة ومظاهرات هي ليست رفضا للنظام أو لقيادة آل الأسد، بل هي رفض شامل لإنكسارات النفس. وقد تحملت ماتحملته في الايام الماضية حتى وصلت الى نهاية موصدة، ليس من بعدها خطوات أخرى لتعيش زيفها ورياءها لقد استنفد النظام على مر الأيام عالمه من الكذب والجور، ولم يعد ثمة رصيد إضافي من الكذب، وهكذا استيقظ الناس على طبول الهول التي كانت تقرع في الخفاء: أيها الناس مالذي تفعلونه بإنسانيتكم التي وهبتها لكم الحياة، وهبها لكم الله؟! والتساؤلات النائمة تفتح أعينها على ثورة ليست ثورة بل محو الماضي المزيف لبناء الجديد بخبرة أخرى غير معهودة من قبل.

المحنة التي يعاني منها انسان المنطقة ليست هي محنة السجون ولا الفقر ولا إنعدام الحريات بل هي محنة النفاق والرياء والكذب. لقد تم هدم الأخلاق وتشويه النفس حتى أمسينا امام إنسان لا يصلح للحياة بل للخدمة، مصاب بالتردد وبالخوف من أن يفكر أو ينظر نحو المستقبل. وهذا برأيي ما دفع بالكثير من الناس إلى البحث عن الخلاص (الناقص) في الردة الدينية التي ليست أصولها العميقة سوى نكوصا نحو الانسان البدائي المتخلف والذي يحاول أن يجعل من نفسه مركزا للعالم، سببها التوتر والاختلاطات النفسية والعصاب. الحياة، اليوم، الدقائق التي يعالجها العقل والخيال هي هباء لا قيمة لها ولا دور، وربما كانت التسمية الصحيحة لها أنها متاهة، السيرورة هي سيرورة متاهة وضياع. وهذا الضياع هو ضياع واجب ولازم لأن الذي ضاع ولحق به الخراب هو العقل المدني ـ المفكر- الرؤيوي- وثمة سنوات قادمة، أرجو ألا تكون طويلة، سيقضيها انسان المنطقة في البحث عن أصوله الضائعة. وهي أصول ستبدو كما يبدو السراب، كل خطوة سيقول فيها وجدتها ويركض فرحا نحوها. . ليكتشف أنه لم يركض إلا نحو انعكاسات نفسه وأمنياته، ويكتشف مقدار الخراب في داخله، وكلما يقول ها قد وصلت يجد أنه مازال في بداية الطريق. . ويحضرني هنا الثورة المصرية والأيام الأولى لها وما أظهره الثوار والشعب فجأة من التزام وتحضر ومدنية لكنها لم تستمر لأننا بألف قناع وألف وجه، نكون متحضرين اليوم ثم نعود الى المنزل لنمارس التخلف. كل ما رأيناه هو فورة وجدانية ومشاعر غامرة لم تستمر، كما الطرب، له وقت وينتهي. وهكذا كانت الثورة المصرية في أيامها الأولى. وأراها الآن في مكانها الطبيعي، لا تعرف أين موطئ أقدامها، وسيأتي اليوم الذي تعود فيه إلى صوابها وتستعيد مداركها ورؤاها. إن ما يقوم به انسان المنطقة هو من أجل الحياة والإنسان وليس من أجل الأنا المضادة للنظام الظالم.

أما ما يجري في حمص فكأنه سيمياء لا تفسير له إلا، أننا نحن يا أسد، الذين أغتصبت السلطة منهم قادمون، وقد آن الأوان كي يستعيدوها منك.

‘ كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى