صفحات العالم

بوصلة واشنطن واحتجاجات سوريا

 


ديما شريف

كما كلّ يوم جمعة، منذ أكثر من شهرين، ينزل السوريون اليوم إلى الشارع للتظاهر، وسط مزيد من التخبط الدولي في المواقف تجاه سوريا. لا أحد يمكنه التكهن بما ستفضي إليه المداولات في مجلس الأمن، وخصوصاً في ظل التردد الواضح في الموقف الأميركي الذي لا يزال يرى أنّ الإصلاح هو الحل، ولا يريد أكثر من إدانة للنظام السوري. وفيما يطالب بعض المحللين بموقف أميركي أقسى، يعرف آخرون أنّه لا مجال لتكرار سيناريو ليبيا على أرض الشام، لأسباب عدّة، موضوعية وخاصة بالبلد نفسه. لكن ربما أهم ما يردع الرئيس الأميركي عن سلوك طريق الحرب هو تحوّل الجمهوريين إلى دعاة سلام يرفضون الحرب القائمة في ليبيا، ما سيضعهم في مواجهة شرسة مع باراك أوباما، إذا ما تطور الموقف الأميركي

الشيطان الذي نعرفه

توني كارون *

لو كانت المواجهة الجارية في سوريا، بين نظام الرئيس بشار الأسد ومناوئيه، تتبع مسار الصراع الليبي ضد معمر القذافي، فقد يكون الوقت ضرورياً اليوم لفرض الأمم المتحدة منطقة حظر جوي. أعلنت السلطات السورية يوم الاثنين الماضي أنّ مجموعات مسلحة في منطقة جسر الشغور الشمالية هاجمت مباني حكومية بواسطة الأسلحة الرشاشة وقنابل يدوية، وقتلت أربعين عنصراً من الأمن، وهو رقم سرعان ما ارتفع إلى 120 شخصاً على محطة التلفزيون الرسمي. لم يتمكن أحد من التحقق من ذلك الرقم، بسبب منع الصحافة الأجنبية من التغطية، لكن حتى لو كان الموضوع مفبركاً، فهو يؤدي إلى النتيجة المخيفة ذاتها، إذ حذر وزير سوري بأنّ النظام سيتصرف بـ«حزم وقوّة». وعرض التلفزيون الرسمي مشاهد لامرأة ادعّت أنّها اختبأت في قبو في المدينة، بعيداً عن المسلحين المنتشرين، وطلبت من السلطات إرسال الطائرات لقصف المدينة.

وقال مناصرون للمعارضة إنّ ما حدث يوم الاثنين سبقته أيام من المواجهات في المدينة، وقال البعض إنّ مستوى العنف هو دليل على أنّ بعض القوى المحسوبة على النظام في المدينة قد تمردت، وهو ادعاء لا يمكن التحقق منه أيضاً.

في 1980، سُحق تمرد مماثل في المدينة نفسها، وقُتل عدد كبير من الناس. في المقابل، أطلق والد الرئيس الحالي، حافظ الأسد، في 1982، في حماه، الطيران والمدفعية لسحق التمرد الإسلامي هناك، عبر تدمير المدينة وقتل بين عشرة وعشرين ألف شخص. لذلك، حين تتحدث السلطات السورية عن عدد الضحايا الذين سقطوا على يد التمرد المسلح، يبدو الوضع كأنّها تُعدّ لحملة علاقات عامة تمهيداً لعملية عسكرية تضع حياة العديد من المدنيين في جسر الشغور في خطر.

وبدا واضحاً في الأسابيع الأخيرة أنّ العنف الذي استخدمته القوات المسلحة لقمع العصيان المدني أدى إلى ردّ عنيف من بعض مناصري المعارضة، تماماً كما حصل في ليبيا. لكن، رغم ما تدّعيه منظمات حقوق الإنسان من أنّ أكثر من ألف شخص قتلوا في الانتفاضة، وتوقع حمام دم في جسر الشغور، لم يدعُ أحداً مجلس الأمن في الأمم المتحدة، ليناقش موضوع أيّ عمل عسكري لمنع الأسد من إطلاق قوّة جيشه تجاه المدن المتمردة. فرضت القوى الغربية بعض العقوبات الجديدة، لكنّها امتنعت عن الطلب من الأسد أن يتنحى، وحثته في المقابل على دمقرطة بلاده أو عدم وقوفه عقبة أمام تحقيق ذلك.

المنطق وراء هذا الامتناع، وتردد قسم كبير من الشعب السوري في الانضمام إلى الثورة، لا يعودان إلى أنّ نظام الأسد من وجهة نظر استراتيجية «أكبر من أن يسقط»، لكن إلى الخوف من نتائج سقوطه. ورغم ذلك، يتعرض هذا الامتناع للاختبار بنحو أكبر من ذي قبل، بسبب عنف التعاطي مع المتظاهرين.

بالطبع، هناك مكاسب على المدى القصير للولايات المتحدة، وإسرائيل، والمملكة العربية السعودية في حال سقوط نظام خدم كقاعدة لـ«محور المقاومة» الذي قادته إيران في الشرق، وسلّح حزب الله في لبنان، ومنح حركة حماس مركزاً لإقامتها. لكنّ الخوف من أن يؤدي سقوط النظام بطريقة عنيفة إلى أن يخلفه الإخوان المسلمون يجعل الولايات المتحدة وإسرائيل والسعوديين يستمهلون. قد لا يكونون يحبون الأسد، لكنّه الشيطان الذي يعرفونه، وهو رجل ذات عادات يمكن التنبؤ بها، وبالتالي، هو حصن لاستقرار ما. «الأسد نفسه لا يعرف كيف ستكون الأمور نهاية هذا الأسبوع أو الذي يليه»، قال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس الأحد الماضي، وأضاف: «عدم اليقين يقلقه، ويقلقنا نحن أيضاً».

هناك أيضاً الحسابات المذهبية والسياسية داخل سوريا، فالأقليات العلوية والمسيحية تقف معظمها وراء النظام، وكذلك النخب المدينية من السنّة العرب، وهم المكون الأساسي في التمرد غير الواضح. وذلك ما جنّب المدن الكبرى، أي دمشق وحلب، الاحتجاجات. من الواضح أنّ النظام لا يزال يتمتع بقاعدة شعبية، ولم تجذب الانتفاضة الشعب كلّه إلى صفوفها. والنظام، من خلال أعماله، قد يكون يشجع بفعالية المقاومة المسلحة، وقد يزيد من حجمها، لتقديم نفسه على أنّه ضامن الاستقرار مقابل الفوضى. ستدفع المواجهات المسلحة العناصر الأكثر تطرفاً في المعارضة إلى الواجهة، مثلما قد يجعل الموازين تميل داخل النظام لمصلحة المتشددين.

عكس القذافي، الذي يتمتع باحتقار كامل بين الحكومات الغربية، لا يزال الأسد يحظى بمساندة جيوسياسية كافية لمنع أي عمل من مجلس الأمن ضده، حتى لو كانت القوى الغربية تميل باتجاه التخلص منه (والآن هم لا يفكرون بذلك). كان للمعارضة الليبية الجارة مصر التي كانت مستعدة لتسهيل حصولها على الأسلحة، وقطر المستعدة لشراء أسلحة مضادة للدبابات، والقوات الجوية الأوروبية المستعدة لقلب مسار المعركة لمصلحتها. لكن لا دولة مستعدة لمساندة انتفاضة مسلحة في سوريا. لكن ثوار سوريا سينالون الكثير من المساعدة والأسلحة من التجمعات المتمردة السنّية في العراق، ومن الحلفاء في لبنان المجاور.

الحقد الذي خلقه عنف النظام ربما كان قد قطع الطريق على أي إصلاح لإعادة الاستقرار، لكن من المستبعد أن تلجأ قوى المعارضة إلى الوسائل العسكرية لإطاحة الأسد. لكن يمكنهم الحفاظ على تمرد طويل الأمد، على أمل أن يؤدي خنق الاقتصاد إلى انقلاب النخب المدينية على النظام، وإلى انشقاقات داخل القوى الأمنية. كل ذلك يشي بصيف طويل، وحار وموبوء.

* عن مجلة «تايم» الأميركية

العار

مارك غيلسبيرغ *

الجمعة الماضي كان «يوم الغضب» العاشر المتتالي في سوريا، منذ بدء الثورة على سلالة آل الأسد في منتصف آذار. قبله بيوم، أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أنّ شرعية بشار الأسد «تكاد تنفد».

أعاني صعوبةً في فك رموز كلمة «تكاد»، وما تعنيه في ما يتعلق بموضوع العنف في سوريا. هل يمثل ذلك أكثر بقليل من «سياسة خارجية تعتمد على إحصاءات التعذيب»؟ هل يجب علينا أن نخمن أنّه كلما زادت الأدلة على المزيد من القتل وحوادث التعذيب في سوريا، وبعد آخر يوم جمعة عنيف، أن تحرر إدارة أوباما نفسها من سياستها المقيّدة (التي فرضتها على نفسها) وتتخذ موقفاً تاريخياً مشرفاً؟

كم من الأدلة على الفوضى والخروق الكبيرة لحقوق الإنسان تحتاج إليها وزيرة الخارجية من داخل سوريا، كي تعلن، من أجل صدقية اميركا، أنّ شرعية نظام الأسد «انتهت»؟

أعتقد أنّه التزاماً بتصريحات مشبوهة هي أشبه بـ«حبل نجاة» ترمى في اتجاه الأسد من قبل إدارة أوباما (مثل «الإصلاح أو عدم الوقوف في طريقه»… إلخ)، يبدو أنّ هناك علاقة غريبة بين طول الحبل الذي تمدّه السيدة كلينتون للأسد، وعدد القتلى وضحايا التعذيب الذي تنقله منظمات حقوق الإنسان الدولية. وفق حساباتي، لا يزال هناك مجال كبير أمامه.

غموض سياستنا وتردد السيدة كلينتون الواضح يتحدىان المنطق، حتى لو لم يكن للولايات المتحدة نفوذ حقيقي للتأثير في الأسد. هل نعتقد فعلاً أنّ الأسد سيجد نفسه مديناً للولايات المتحدة لأنّنا حافظنا على خطابنا ذاك؟ وإذا كنا ننال نقاطاً لسلوكنا الحسن ذاك من السعوديين والإسرائيليين، فهل تستأهل النقاط سكوتنا في الوقت الذي تتدهور فيه الأحداث ويتصاعد العنف في سوريا؟

قبل التقارير الأخيرة عن الفوضى داخل سوريا، قدّرت منظمات حقوق الإنسان مقتل أكثر من 1200 سوري بريء في شوارع المدن السورية، على أيدي الاستخبارات، يعاونهم إيرانيون خبراء بتلك الشؤون. وصل عدد السوريين الذين تعرضوا للتعذيب والسجن أو الاختفاء إلى الآلاف. تستخدم سوريا كل قوّتها العسكرية لمواجهة الشجاعة الاستثنائية للمتظاهرين السوريين. يبدو الأسد، كوالده الذي كان بدون رحمة، مصمماً على كسر عزيمة الحركة الاحتجاجية وإرادتها، مهما كانت الأثمان في عدد الضحايا ومقدار الكرامة الذي سيبقى لدى النظام.

لا يهم نظام الأسد ما تقوله السيدة كلينتون، أو أي شخص آخر في إدارة أوباما. لقد صم الأسد أذنيه لمناشدات المجتمع الدولي مع تصاعد العنف. هو يعرف أنّ روسيا والصين وإيران تبقى في طرفه. ورغم أنّه تخطى الحدود التقليدية في استخدام العنف مع شعبه، يعرف الأسد أنّه، على خلاف ليبيا، لن يقوم حلف الأطلسي أو أي «تحالف محتمل لمن هو مستعد» بأي عمل ضد نظامه، فضلاً عن فرض عقوبات اقتصادية رمزية. إذاً، رغم العزلة الاقتصادية والاحتجاجات الدولية المتصاعدة، لقد أبلغناه أنّه «أكبر من أن يفشل». يمكننا أن ننزل في شوارع دمشق لنطالب بتنحيه ولن يكون لذلك أهمية.

الاعتداء المستمر على متظاهري سوريا الديموقراطيين تزايد في الأيام الأخيرة، لدرجة أنّ العنف والقمع الحكومي يعادل كل ما خفنا أن ينفذه العقيد القذافي بحق سكان بنغازي البائسين لو لم يتدخل «الأطلسي». لو قدر لهذا النظام أن يسقط، فلن يكون ذلك بسبب تدخل خارجي، وبالطبع ليس بسبب تظاهرات دولية أو مصاعب اقتصادية. سيسقط النظام لأنّ غضب الشعب السوري وتضحيته طرداه مع زمرته خارج البلاد.

من الصعب معرفة كم ستطول «المعركة حتى الموت» بين نظام الأسد والحركة الاحتجاجية. لكن ثمة أمر واحد مؤكد، كمراقب قديم للسياسة السورية، أجد أنّ اعتبار استمرار نظام الأسد لفترة طويلة هو أهون الشرّين، هو مقولة تتحوّل بسرعة إلى سراب. الخوف من الصراع المذهبي ومن احتمال تحوّل الانهيار السوري إلى مشكلة إقليمية، لم يعد من الممكن أن يبقيا عذراً للاختباء وراء أي خطة طوارئ. على العكس، الأفضل للسياسة الخارجية الأميركية أن تُعدّ لما بعد نظام الأسد، عبر الاتصال بنحو بعيد عن الأنظار بالمعارضة السورية الموجودة في تركيا لعرض مساعدة غير عسكرية ومعنوية، وكذلك تقويم كيفية احتواء أي سقوط محتمل للأسد مع جيران سوريا: تركيا، لبنان، إسرائيل، الأردن والعراق، وكذلك مع الحلفاء الأوروبيين وأعضاء آخرين في جامعة الدول العربية.

لا بأس إذا استطاع الأسد الصمود، فنحن نعرف هذا «الشيطان». لكنّ الأحداث المتعاقبة في سوريا تشير إلى أنّه حان الوقت لنتعرف على نحو أفضل إلى «الشيطان» الذي لا نعرفه.

* سفير واشنطن السابق في المغرب، عن صحيفة «هافينغتون بوست» الإلكترونية

أيادٍ ملطخة بالدماء

أظهر السوريون شجاعة لا مثيل لها في مواجهتهم حكم الرئيس بشار الأسد المرعب. نتمنى لو نستطيع أن نقول مثل ذلك في ما يتعلق بالمجتمع الدولي. ما دام الرئيس الأسد لا يتلقّى الإدانة القوية، والعقاب الصحيح، سيستمر في توجيه دباباته وجنوده إلى شعبه.

تعتقد منظمات حقوق الإنسان أنّ أكثر من 1000 متظاهر قتلوا في القمع المستمر منذ ثلاثة أشهر، واعتُقل أكثر من عشرة آلاف. وحمزة الخطيب، الطفل البالغ من العمر 13 عاماً وعرضت جثته في شريط نشر على الإنترنت، أصبح رمزاً لعنف النظام. ووفق ناشطين، اعتُقل الصبي خلال تظاهرة في 29 نيسان الماضي وفُقد إلى أن سُلمت جثته المحطمة إلى أهله، بعد شهر من ذلك.

يظهر موته، وموت ثلاثين طفلاً آخر على الأقل ممن انضموا إلى التظاهرات، العمق الذي انحدر إليه الرئيس الأسد وبلطجيته.

يوم الجمعة الماضي، في أكبر التظاهرات حتى اليوم، عاد آلاف من الناس إلى الشوارع مجدداً ليطالبوا بحريات سياسية. قال ناشطون إنّ العشرات من المتظاهرين قتلوا في حماة، بعدما أطلق النار عليهم جنود وموالون للنظام. يمنع الصحافيون المستقلون من دخول البلاد، ولذلك لا يبدو حجم العنف واضحاً. لكن ما نعرفه هو أنّ الحكومة السورية أطلقت موجة من القمع، ربما هي الأعنف في الهجوم المضاد على الربيع العربي.

بعدما بدأ القتل، فرضت الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات (معظمها منع سفر وتجميد أموال) على بعض رموز النظام واستثنت الأسد. ثم أضافوا اسمه إلى اللائحة في وقت لاحق. الخطاب المستخدم ضده يصبح أقسى من يوم لآخر، إذ قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إنّ شرعية الرئيس الأسد «لم تنته بعد، لكنّها على وشك أن تنتهي». لكن بعض المسؤولين الأميركيين والأوروبيين لا يزالون يعيشون وهماً كبيراً بأنّ الرئيس الأسد يستطيع أن يحقق إصلاحات.

الأكثر رعباً هو أنّ مجلس الأمن لا يستطيع أن يجمع التصويت اللازم لإدانة سفك الدماء، فضلاً عن فرض عقوبات. روسيا، التي تريد حماية علاقات قديمة مع دمشق، تعوق أي عمل، والصين كذلك. والهند مترددة في التصرف، وهو موقف مخجل لديموقراطية تطالب منذ فترة بمقعد دائم لها في المجلس.

إذا لم تتمكن الولايات المتحدة وأوروبا من كسب اصوات روسيا والصين، يجب عليهما أن يدفعا باتجاه قرار يفرض عقوبات، وأن يتحديا موسكو والآخرين أن يصطفوا إلى جانب الأسد، ضد الشعب السوري.

لا نعرف كيف سينتهي الأمر، لكن الحجج بأنّ الرئيس الأسد هو أفضل ضمانة للاستقرار ولتفادي التطرف فقدت كلّها صدقيتها.

 

* افتتاحية صحيفة «واشنطن بوست»

الأخبار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى