كتب ألكترونية

بول أوستر في “حكاية الشتاء”

 

كتاب – بول أوستر في “حكاية الشتاء” سرد لاهث ضد كل انتماء/ محمد أبي سمرا

في “حكاية الشتاء” يتخذ بول أوستر ضمير المخاطب المفرد لرواية ما يمكن أن يكون يومياته ومذكراته وسيرة حياته بتواريخها اليومية الدقيقة والتفصيلية، زمنيا ومكانيا، لكن في أسلوب روائي، بل مكتمل الروائية. الراوي في الرابعة والستين من عمره، وفي العام 2011 تحديدا. في ختام ما يرويه يكتب: “كم صباحاً تبقّى من عمرك؟ أُغلِقَ بابٌ وفُتِحَ بابٌ آخر. أصبحتَ في شتاء العمر”. أما في مستهل ما يرويه فكان قد كتب: “من المستحسن أن تضع حكاياتك الخيالية جانباً (…) وتحاول أن تدرس بدقة ذلك الشعور بالعيش داخل هذا الجسد منذ أول يوم في حياتك تعود بك ذاكرتك إليه”. وهو يسمّي ما يكتبه، “بياناً من المعلومات والحقائق الحسّيّة” أو “فينومينولوجيا التنفس”.

قد يكون كتاب “حكاية الشتاء” من أحدث كتابات الروائي الأميركي النيويوركي من أصل بولوني. فهو صدر في اللغة الانكليزية العام 2012، ونشرته في العربية، مطلع العام الحالي، “شركة المطبوعات للتوزيع والنشر” في بيروت، وأنجزت ترجمته اللائقة هالة سنّو. ومن أهم أعمال أوستر الروائية السابقة، “ثلاثية نيويورك” التي تُرجمت الى العربية أيضاً. والى الرواية كتب أوستر الشعر، ووضع سيناريوات لعدد من الأفلام السينمائية، كما أنجز ترجمات لأعمال أدبية فرنسية الى الانكليزية. فهو درس الأدب المقارن في جامعة كولومبيا، وأقام خمس سنوات في باريس، وأعماله حاضرة في اللغة الفرنسية.

اقتفاء الزمن والمكان

في “حكاية الشتاء” يكتب أوستر بإيقاع لاهث، متوتر وسريع، كأنه يسابق الزمن، على الرغم من وهن الرابعة والستين في الجسم والذاكرة والحواس، وربما في سباق مع ذلك الوهن الذي يتحول في الكتابة الى عكسه أو ضده: تدفق محموم في سرد الحوادث الصغيرة المتكررة النافلة، والاستثنائية الصادمة والمفجعة. لكنه دائماً سرد متحرر، منساب في اقتفائه كثافة الحياة اليومية للجسم في مراحل عمره. وقد يكون ضمير المخاطب المفرد “أنت”، هو ما يمنح هذه الكتابة حريتها القصوى المنعتقة من التقيّد في سياقٍ روائي، ونظام مرسوم لظهور الشخصيات وسرد الحوادث. فحادثة نافلة وعابرة في السادسة أو العاشرة من عمر الراوي، تستحثّ ذكرى في الثلاثين أو الأربعين من عمره. الحوادث هذه كلها تُسجّل وتُروى مثبتة بتواريخها الدقيقة. كأنما الكاتب يستعين بدفاتر مذكراته أو يومياته المؤرخة حوادثها ووقائعها زمنياً ومكانياً على النحو أو المثل الآتي: “إنه شهر حزيران العام 1959. أنت في سن الثانية عشرة وبعد أسبوع سوف تتخرج مع زملائك في الصف السادس من المدرسة الابتدائية التي ارتدْتها منذ كنت في الخامسة. وهو يوم بديع، خير مثال على ألق نهايات الربيع”.

أحياناً، في سياقات السرد اللاهث، يضع أوستر مصنّفات إحصائية مرقّمة بالأماكن التي ارتادها وتنقل بينها، وبالرحلات الجوية التي قام بها. في مصنّفات الأماكن نقرأ: “إحدى الشقق في مبنى قرميدي مرتفع بعض الشيء. العمر من صفر الى سنة ونصف السنة. ذكرياتك معدومة، ولكن حسب ما سمعت لاحقاً في طفولتك تمكّن والدك من توفير الايجار بإعطائه مالكة الشقة جهاز تلفزيون: رشوة فرضتها الأزمة السكنية التي عانتها الدولة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية”. يظل الراوي يثبت مصنّفات حياته السكنية حتى الرقم 9: “غرفة كبيرة وغرفة أصغر الى حد ما (…)، من الثانية والعشرين حتى ما قبل عيد ميلادكَ الرابع والعشرين بأسبوعين، أي سنة ونصف السنة. أقمتَ في هذه الشقة مع صاحبتك، كانت تجربتكما الأولى في العيش مع شخص من الجنس الآخر من دون زواج”.

السيرة العائلية والذاتية

فجأةً في الصفحة 122، وفي سياق اقتفاء أثر الأماكن والحوادث والرحلات واللقاءات، يتوقف الراوي متسائلاً: “تودّ أن تعرف من تكون؟ وبما أنه ليس ثمة شيء تقريباً يهديكَ إلى الجواب، تسلّم جدلاً بكونك نتاج هجرات جماعية أزلية هائلة العدد، قائمة على الغزوات وأعمال الاغتصاب والخطف (…) وليكن في علمكَ أنك لست الشخص الوحيد الذي ارتحل وصال وجال. فقد دأبتْ قبائل بشرية على الترحال في أنحاء الأرض على مدى عشرات ألوف السنين”.

هنا تبدأ السيرة العائلية والذاتية للراوي بول أوستر، المتحدر من أجداد يهود في أوروبا الشرقية: بولونيا، أوكرانيا، مينسك، وارسو، وصولا الى تورنتو، والولايات المتحدة الاميركية: “لكن من يعلم أين كانت تلك الأشباح، التي لا أسماء لها، تجولُ قبل قدومها الى مدائن روسيا وبولونيا والامبراطورية النمساوية المجرية؟”، يتساءل الراوي، ثم يكتب أيضاً: “طوال حياتكَ أضفى عليك مواطنون من بلاد أجنبية مختلفة، جنسيات شتى، جازمين أنك إيطالي ويوناني وإسباني ولبناني ومصري وحتى باكستاني، لأنك لا تعلم شيئاً عن المكان الذي جئت منه”. هذا من دون أن يكتب: إنها أميركا، قارة استقبال الهجرات والمهاجرين من شتّى أصقاع الأرض. لكنه يذهب أبعد من مسألة الانتماء الى بلد الهجرات والمهاجرين، فيوسِّع رؤيته الى هذه المسألة التي يرى أنها “زائفة”، كزيف الانتماء الى عرق بعينه ووطن بعينه. ذلك لأن مسالة الانتماء “لا تجلب إلا الخزي والعار على كل من يسأل عنها”.

هكذا يعود الراوي الى رواية حوادث حياته الشخصية التي تقاسمها مع أشخاص آخرين تركوا بصماتهم في حياته: والدته، والده، بعض أقاربه، الفتيات والنساء اللواتي توثّقت صلاته بهم. لكن الأمّ، أمّه، تحتل موضعاً بارزا في السرد: “الثالث من شباط، أي بعد يوم واحد فقط على عيد ميلاد والدتك” الثاني والعشرين، جئتَ الى الدنيا “قبل اليوم المحدد بتسعة عشر يوماً. وعندما سحبكَ بالملقط الطبيبُ من جسدها المخدّر، كان منتصف الليل قد انقضى قبل ثلث الساعة، أي بعد تاريخ ميلادها بأقل من نصف الساعة. لذلك داومتما على الاحتفال بعيد مولدكما معا، وحتى الآن، أي بعد مرور تسعة أعوام على رحيلها، لا مناص من التفكير فيها كلما أعلنت الساعة انقضاء الثاني من شباط وقدم الثالث منه”.

الأمّ والزوجة

تحتل أمُّ الراوي وزوجته الثانية أجزاء واسعة ومتقطعة من السرد في كتاب “حكاية الشتاء”. كأنه في هذا يستبدل مسألة “الانتماء الزائف” الى أصل وعرق ووطن، الى “نسب” أنثوي مباشر، وحاضر هنا والآن، في اعمار الناس الأفراد المباشرة. بأسلوبه الكتابي اللاهث يصف الراوي مشهد جثة أمه “الممددة على السرير” مخاطباً نفسه: “سبق أن شاهدتَ جثثاً عديدة (…)، لكن ولا واحدة (منها) كانت جثة والدتك. امتقاع بشرتها المزرقّة، عيناها نصف المغمضتين(…) جريدة الأحد مبعثرة حولها، رِجل عارية متدلية على حافة السرير، رغوة بيضاء متجمدة على جانب فمها(…) وإحساس غامض بالذعر ينمو في داخلك”. وإذ يذكر استحالة انهمار الدموع من عينيه، يروح يحصي المناسبات الكثيرة المماثلة في حياته. منها فتى قربه حينما كان في الرابعة عشرة. ضربت صاعقة الفتى وقضت عليه، “فقعدتَ – يخاطب الراوي نفسه – الى جانب جثته وراقبتها طوال الساعة (…) في مرج مغمور بالامطار”. لكن الغريب، في المقابل: “تدمع عيناكَ عندما تشاهد أفلاما معينة، كما انهمرت دموعك على صفحات كتب عديدة”. أما الموت، أو جثث الميتين، فـ”تجرِّدُكَ من أي عاطفة أو انفعال أو شعور أو كل ما له صلة بقلبك”.

لا يشير بول أوستر الى أن “الحزن الأدبي” أو الفني، غالباً يمسّنا على نحو أقوى وأشدّ بكثير مما تمسُّنا حوادث الواقع المحزنة، على ما كتب مرةً أحد كبار الأدب والفنون.

لتحميل الكتاب من الرابط التالي

https://ia801508.us.archive.org/21/items/ketab1324/ketab1324.pdf

 

 

صفحات سورية ليست مسؤولة عن هذا الملف، وليست الجهة التي قامت برفعه، اننا فقط نوفر معلومات لمتصفحي موقعنا حول أفضل الكتب الموجودة على الأنترنت

كتب عربية، روايات عربية، تنزيل كتب، تحميل كتب، تحميل كتب عربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى