صفحات مميزةعبد السلام اسماعيل

بيانات خالية من البيان: عبد السلام إسماعيل

 عبدالسلام إسماعيل

بيانان صدرا خلال الأسبوع المنصرم، الجامع بينهما أنهما صدرا عن أطراف إسلامية، الأول كان من جبهة النصرة ردا على إعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام وتنصيب أبو بكر القرشي البغدادي نفسه خليفة للدولة الجديدة، والثاني كان من جماعة الإخوان المسلمين، ردا على “هجمة التشويه والإفك” التي طالت الجماعة على نحو ما يبدأ به البيان.

بيان طويل لا يضيف معنى جديد ولا يجيب عن شيء

لا يقول بيان الإخوان شيئا سوى العموميات ولا يعالج أو يوضح نقاطا معينة مما تتهم به الجماعة من استئثار ومحاولة للسيطرة على قرار التجمعات المعارضة، وهو بيت القصيد في عموم ما قيل عنهم في الأيام الماضية، وهو ما يفترض بهم الرد عليه بمكاشفة وصراحة بعيدة عن التدبيج الخطابي. غير أن البيان بقي يدور في فلك البيانات الحزبية التي تعودنا عليها.

  يبدأ بأنه رد على حملة التشويه والإفك والتي طالت الجماعة مؤخرا، ولقطع الطريق على “دعاة السوء” الذين تفننوا  بإلحاق الأذى بهذه الثورة. يعتقد القارئ أن أبواق النظام وأعداء الثورة هم “دعاة السوء” لكن المعنى يصبح أكثر ضبابية في الفقرة الأولى التي توضح طبيعة الهجمة على الجماعة، ليشمل كل من هاجم وانتقد طغيان الشعارات الإسلامية على الشعارات الوطنية وكل من انتقد أسماء الجمع، وبذلك يستطيل المعنى ليشمل شريحة واسعة من الثوار ومناصريهم!

واعتبار هذا النقد الذي ما انفك يتكرر منذ بدء الثورة هجوما على الجماعة، في مطابقة واضحة بين الإخوان والثورة. صحيح أن النص الصريح يعود وينفي التطابق من خلال الإقرار بأنها ثورة شعب لم يقم بها حزب أو جماعة ولا يمكن لأي طرف سياسي ادعاء الفضل فيها، لكن النص يشي بأن المعنى يحوم في وعي الجماعة وفي تلافيف بيانهم، على نحو ما أشار فارس البحرة في مقالته المعنونة “الإخوان البعثيون”. ويمكن إرجاع هذه المطابقة إلى مطابقة أولية بين الإسلام والإخوان، وأن ما هو إسلامي هو إخواني بالضرورة، وهي مطابقة منفية على مستوى البيان الصريح لكنها حاضرة بقوة على مستوى السياق الخطابي والممارساتي. فضلا عن اعتبار السنّة الحاضن الإجتماعي للإخوان وقاعدتهم الشعبية، وأي ميل ديني يظهرونه يعتبر اقتراب من المشروع السياسي للجماعة، وهو ما تشي به العبارة التي ابتدأ بها البيان: ” إلى أخوة الدين والعقيدة . . وإلى شركاء الوطن في سورية الحرة الأبية. “

بيان حزبي يتوجه أولا إلى أنصاره المفترضين “أخوة الدين والعقيدة” وإلى شركاء الوطن ثانيا. وعليه فأسماء الجمع والكتائب والشعارات ذات الصبغة الإسلامية هي شعارات ومظاهر إخوانية وأي اعتداء وانتقاد لها سينظر له على أنه اعتداء وانتقاد للجماعة. منهجية لا تختلف كثيرا عن منهجية البعث في تناوله فكرة العروبة وتداعياتها. على نحو ما وضح ياسين الحاج صالح في مقالات متنوعة.

ويعود البيان إلى تعويم معنى “دعاة السوء” ومن يقصد بهم على وجه التحديد، ” فقد ظلوا يلوكون أحاديث الكيد عند أوليائهم، تخويفا من الثورة، وتشويها لصورتها، وتأليبا عليها . . الخ “. هل هم كل من انتقد المظاهر الإسلامية للثورة أم هم فقط من حاولوا تشويه صورتها وتأليب الناس عليها ؟!

البيان لا يتيح لنا على وجه التحديد الوقوف على معنى ثابت للوصف، خصوصا أنه يحمل اتهاما بالخيانة وبالإرتهان لأولياء مفترضين، أشرار بالضرورة. وهو ما لا يتسق في حالة الثوار، لكن قسم منهم انتقد أسماء الجمع وهو ما يضعهم في خانة دعاة السوء! كيف يمكن للمتلقي التعامل بهدي البيان مع مناصري الثورة من التيارات العلمانية ؟ هل هم فعلا مناصرين للثورة؟ أم دعاة سوء يشوهون صورتها ويألبون الناس عليها ؟!

 تعويم المصطلحات وجعل التوصيفات صالحة للتأويل، مسلك ديماغوجي واستبدادي يؤهل وعي المتلقي لرسائل تخدم من يقوم باستخدامها، أو بالأحرى ضرب وعي المتلقي والتشويش عليه.

تكتمل الرسالة بإحالة التخاذل الدولي عن نصرة الشعب السوري إلى هؤلاء الذين ينتقدون أسماء الجمع وشعارات الثوار الإيمانية، إلى دعاة السوء الذين ينتقدون جماعة الإخوان المسلمين. انتقاد الجماعة أسهم في استنكاف العالم عن نصرتنا، و ال “ربما” تفيد في ضرب قطعية المعنى  . . هل هناك ديماغوجية واحتيال على الواقع أكثر من هذا؟!

وأيضا الهجوم على الإخوان وانتقادهم سياسيا يؤكد تهافت دعاوى الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان لدى المنتقدين في عرف الجماعة! فكرة تسلب الديمقراطية والحرية المعنى في كونهما حق المخالفة في الرأي والسلوك. ويعود النص مرة أخرى إلى المماهاة بين الجماعة والشعب وبين الجماعة والثورة “فليست الديمقراطية –في فهمهم- إلا أن ينزل شعبنا على إرادتهم ويدور في فلكهم، ويسلم قياده له”.

يكمل البيان سردا تاريخيا لدور الجماعة في التاريخ السياسي لسورية، ويبين موقفهم من الحل السياسي، ومن المشروع الوطني وانفتاحهم على الجميع، ونفي قطعي لأي علاقة تنظيمية مع الكتائب المسلحة في سورية، مع التطرق إلى محنة الجماعة وحالة التشريد والظلم التي حاقت بها على مدى عقود “وأن هذه الجماعة التي تحمل على كاهلها عبء خمسة عقود من المحنة، لا تملك من الإمكانات ما تتحدث عنه مبالغات بعضهم، ولا تجد من الدعم ما تنسجه أوهام المتوهمين”.

علما أن “المبالغات” لم تتطرق إلى قدرة الجماعة على النهوض في الثورة أو تأمين السلاح للجيش الحر أو على المستوى الإغاثي. بل كانت تدور حول دورهم السياسي في تجمعات المعارضة.

ينتهي البيان الحزبي ولا يجيب على أي تساؤل ولا يوضح أي لبس حول ما يقال عنهم، معتمدين على “وعي الشعب” في تمييز الغث من السمين. وأنهم لن ينشغلوا في معارك جانبية تلهي عن هدف الثورة الأساسي. لكن ماذا نفعل إن كان اختلاف المعارضة وانقسامها واللاثقة التي تعنون علاقة فصائلها بين بعضهم البعض هي من الأسباب المهمة في تأخر النصر ؟!

من يقاتل النظام ليس بالضرورة في خندق الثورة

بيان جبهة النصرة أوضح وأبسط ويأتي في سياق توضيح الواضح ولا يعترض “بعد أن كشفت بعض الأوراق على نحو ما يقول البيان ” سوى على الاستعجال في إعلان دولة الخلافة وعدم استشارة الخليفة المفترض لهم في الأمر.  ويستطرد البيان في شرح أنهم يبنون دولة الخلافة على أرض الواقع ويحكمون بشرع الله في المناطق المحررة وبذلك تصبح قضية الإعلان الرسمي عن قيام الخلافة مسألة شكلية تحكمها الظروف الخاصة بسورية.

فضلا عن التنصل من البيعة للبغدادي، وإحالتها إلى الظواهري، وبذلك تحسم جبهة النصرة الجدل حول تبعيتها السياسية للقاعدة بعد أن كان واضحا للجميع تبعيتها الفكرية السلوكية.

ينطلق البيان من مسلمة الدولة الإسلامية ويترك باب المشاركة في طريقة بنائها مفتوحا للكتائب المجاهدة والشيوخ المعتبرين من أهل السنّة.

مفارقة كلية لأهداف الثورة وما أملناه منها، مع تطابق منهجي مع دولة البعث، سورية قومية عربية والسلطة فيها لمن جاء بقوة السلاح.

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى