بيانات الانتفاضة

بيان إلى الشعب السوري: الحوار / بين مساندة النظام وملاقاة إرادة الشعب


الامانة المركزية لحزب الشعب الديمقراطي السوري

بعد ثلاثة أشهر من اعتماد الحل الأمني وسيلة وحيدة لمعالجة الأزمة الوطنية في سورية ، وما خلفه هذا الخيار من مآس متعددة الأشكال اتخذت شكل كارثة وطنية شملت مختلف أنحاء البلاد ، طرح النظام فكرة ” الحوار ” عنواناً للمرحلة القادمة ، كما جاء في قرار تشكيل ” هيئة الحوار الوطني ” المكلفة بذلك رسمياً ، والتي تتولى مهمة ” وضع الأسس لحوار وطني وتحديد آلية عمله وبرنامجه الزمني ” . وقررت الهيئة عقد لقاء تشاوري في العاشر من تموز الجاري 2011 ، وتوجيه الدعوة إلى ” جميع القوى والشخصيات الفكرية والسياسية الوطنية لحضور هذا اللقاء .

من نافل القول أن فشل الحل الأمني وانكشاف النظام في جوهره ووسائله وأساليب عمله من جهة ، وتصاعد ثورة الشعب السوري واتساعها لتشمل مختلف أنحاء البلاد من جهة ثانية ، هما الدافع الأساس لالتفات السلطة نحو ” الحوار ” كمدخل للخروج من أزمتها بسبب رفضها الاستجابة لمطالب الشعب ومضيه في سياسة الترقيع وكسب الوقت . وإضاءة على ما يجري ، ولفرز مطلوب بين الأحلام والأوهام ، نود الإشارة على الحقائق التالية :

–          وضوح حدود الصراع وآفاقه ومواقف طرفيه . فالشعب يزداد تمسكاً بأهدافه وتصميماً على تحقيقها بشجاعة لا توصف . والنظام يستمر في خياره الأمني ورفع وتائره بعنف لا حدود له رغم الكلفة الوطنية الباهظة لهذا الخيار .

–          استمرار رؤية النظام للأزمة على أنها ” مؤامرة ” وإصراره على توظيف زبانيته ومؤيديه على شكل شبيحة إلى جانب القوى الأمنية والعسكرية في التنكيل بالشعب ، مع ما يحمله هذا التصرف من مخاطر على الوحدة الوطنية .

–          إطباق الحصار السياسي والإعلامي والأخلاقي على النظام من قبل المحيط العربي والمجتمع الدولي وأوساطهما الإنسانية والفكرية والثقافية ، إضافة إلى تشديد العقوبات الدولية وتوسعها على رموزه البارزة .

–          تصاعد حاد في مؤشرات الأزمة الاقتصادية التي تنذر بالخطر . فمن الدعوة لدعم الليرة خوفاً عليها من الانهيار ، إلى الشح في مواد أساسية من السوق ( المازوت ) وارتفاع الأسعار، إلى الجمود الاقتصادي في مختلف القطاعات .

–          تخلص الشعب من خوفه وتردده وعزلته بعد أن فتحت له مجريات الثورة طريقاً واضحاً للخلاص من الاستبداد ، وأعطته فرصة لتجديد حياته وبناء دولته المدنية الديمقراطية . وقد عبَّر عن ذلك بوضوح في نهوضه من السبات السياسي الطويل عبر اللقاءات والمؤتمرات والمبادرات والنشاطات السياسية المتنوعة داخل البلاد وخارجها ، والتي نعتبرها حالة صحية وطبيعية وموضوعية ، تبرهن عن غنى المجتمع السوري وطموحاته المشروعة .

من هنا فإن أي حراك سياسي ، يتوخى مستقبل سورية ومصلحة شعبها ، لا بد أن يعمل بهدي هذه الحقائق ودلالاتها ، حتى يكون بالاتجاه الصحيح ويتمكن من تحقيق أهدافه . ومن المؤسف أن نرى بعضاً من جهود المعارضة ونشاطاتها بعيداً عن هذا السياق  ، وتتسم بالتسرع وعدم الإحاطة بالقضية من جميع جوانبها . فتبدد جهوداً في غير محلها ، وتضعف المعارضة وجبهتها ، وقد تؤثر سلباً على الحراك الشبابي في الشارع ، وتقدم بقصد أو بغير قصد خدمة مجانية للنظام أو بثمن بخس لا يجدر ذكره . وتلك مسؤولية وطنية لا بد من التوقف عندها بجدية .

ونحن في حزب الشعب الديمقراطي السوري ، بعد أن اعتذر رفاقنا ( الذين تمت دعوتهم ) عن عدم المشاركة في الحوار الذي دعت إليه السلطة ، إذ نقدم رؤيتنا لمسألة الحوار المطروحة وطريقتنا في مقاربتها والاشتراك فيها ، فإننا نعلن التزامنا الكامل برؤية إعلان دمشق ومواقفه وقراراته ، ورغبتنا بالتنسيق مع جميع أطراف المعارضة التي تشاركنا الرؤية والهم والرغبة بالعمل المشترك .

1 –  ليس الحوار هدفاً بذاته . إنه مدخل لكل مقاربة سياسية مشتركة للأزمة وبالتالي الوصول إلى خيار سياسي لحلها . ونعتقد بأهميته وضرورته ، وأنه الطريق الإلزامي لخروج بلادنا من محنتها مهما طال الزمن . ولذلك فهو يستدعي الاعتراف بوجود الأزمة الوطنية وأبعادها وبفشل الحل الأمني وإيقافه ولملمة تبعاته على الأرض من عنف وقتل واعتقال وتهجير . ويحتاج إعداداً متأنياً وصدقية كما يتطلب توفير مناخات للحوار وأرضية صلبة له، بحيث يتم في إطار مؤتمر وطني للحوار .

2 – مناخات الحوار تستوجب سحب الجيش والقوى الأمنية من المدن والسماح بالتظاهر السلمي لجميع السوريين ، وإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين ، وتأمين عودة كريمة لجميع السوريين من الخارج وإلغاء كافة الإجراءات التي تحول دون ذلك وخاصة القانون 49 لعام 1980 ، ووقف الحملات الإعلامية المغرضة التي تزيّف وعي المواطنين وتشوه سمعة الثورة وشبابها . فالحوار واستمرار العنف في الشارع لا يتوافقان ، يكون أحدهما حقيقياً والآخر زائفاً . والدم عندما يسيل في الشوارع لا يكون زائفاً . وفي ظل استمرار الخيار الأمني يكون الحوار قنبلة دخانية للتضليل وإيهام الداخل والخارج بالاستجابة لمطالب الشعب . أما قاعدة الحوار فلن تكون غير نقل البلاد من صيغة الدولة الأمنية الاستبدادية الفاسدة إلى صيغة الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على مبادىء المواطنة والتعدد والحريات وسيادة القانون وتداول السلطة .

3 – مستقبل سورية مرهون بشبابها الناهض وبقوى المعارضة التي طالما قارعت نظام الاستبداد على قاعدة التغيير الديمقراطي المنشود .وبما أن الشباب الثائر وأهدافهم موضوع القمع والحل الأمني ، فلا بد أن يكونوا موضوع الحوار والحل السياسي أيضاً . وما لم يكونوا في صدر أي حوار يمكن أن يحصل ، فليس بوسع هذا الحوار أن يكون حقيقياً ومنتجاً للتغيير .

4 – الاعتراف الكامل بالأزمة الوطنية والسياسية الشاملة التي تعيشها البلاد ومسؤولية النظام عنها طيلة العقود الأربعة الماضية ، وضرورة الاعتراف بوضوح ودون مواربة بالمعارضة السياسية وأحزابها الحقيقية ، وأن ما يجري في الشارع الآن هو ثورة تعبر عن حركة الشعب السوري بأسره ، وليست من صنع مخربين ومدسوسين ، تنفيذاً لأجندات خارجية .

الكلمة الآن أصبحت للشارع وقواه المنتفضة وهي صاحبة الدماء والتضحيات وبالتالي فإنها الطرف الأساسي في صياغة الحياة السياسية لسوريا المستقبل . وهذا ما أدى إلى فرز سياسي في المواقف والتوجهات في سائر الأطراف والقوى والشخصيات السياسية ، وأنه لا وجود الآن لطرف ثالث أو منطقة رمادية يختبىء خلفها من يريد قطع الطريق على الثورة السورية وأهدافها . وأن أي تلاق مع السلطة تحت أي ذريعة كانت بما يتعارض مع أهداف الثورة وشبابها تشكل خيانة للدماء السورية المهدورة ، وانتقاصاً من حقوقها من إنهاء الاستبداد ومحاسبة من تسبب في إزهاق أرواح الشهداء . وطعناً لمطالب الشعب السوري في الحرية الكاملة غير المنقوصة ، جنباً إلى جنب مع الكرامة والعدالة .

5 – آفاق الحوار الذي تطرحه السلطة ، وكما تشي بذلك محدداتها وسلوكها ، لا تعطي أي دلائل على اقتناعها في ولوج هذا الدرب أو التعامل معه بجدية وصدق . فما زالت تفرِّق بين معارضة داخلية وأخرى خارجية وتتحدث عن” معارضة وطنية ” ، وتشير إلى الإصلاح ” تحت سقف الوطن ” . ذلك السقف الذي طالما حددته على مقاسها ووفق رؤيتها ومصالحها .

6 – إن احتدام الصراع بين الشعب الذي يريد تغيير النظام واستبداله بنظام جديد ، والسلطة التي تريد تجميل صورتها بروتوش مناسب وإكسسوارات جديدة ، وترقيع نظامها بغية إعادة إنتاجه أو تمديد عمره ، يترافق مع عملية فرز واصطفافات جديدة في صفوف المجتمع وقواه المختلفة تقتضيها ظروف المرحلة ، ويستحضرها  طموح قوى جديدة في الدخول بمعترك الصراع السياسي القائم للمشاركة في عملية التغيير . ومن المؤكد أن جهود بعض هذه القوى وأهدافها لا تصب دائماً في طاحونة الشعب .

7 – من هنا نرى أن تستند وحدة المعارضة – من أجل التغيير الديمقراطي بما فيه مسألة الحوار – على جذرية المواقف ووحدة الهدف والرؤية والتصور للمخارج ووضوحها ، أكثر من السعي للتجميع الكمي والمتسرع لملاقاة مآرب خاصة أو جانبية ، تتعدى المصلحة الوطنية العليا وأهداف الشعب الحقيقية .

8– لا بد من تجنب ما من شأنه إضعاف الثورة الشعبية ، والحرص على عدم تشتيت الجهود وإيقاع البلبلة بين المواطنين وفي صفوف الشعب . وذلك عبر الحرص على عدم وقوع الحوار في خانة التضليل أو يوظف لخدمة النظام وأهدافه . فاللحظة السياسية دقيقة وحساسة ، والأخطاء في مثل هذه الظروف المفصلية تكون بالغة الضرر وقاتلة .

لا يجود التاريخ بالكثير من الفرص كالتي تتاح اليوم أمام شعبنا ووطننا من أجل رسم مستقبله بإرادة حرة وبمشاركة الجميع . بحيث تطوي بلادنا صفحة الماضي بكل أخطائه وآلامه ومآسيه ، وتنفتح على وضع وطني جديد جميل وتستحقه .

دمشق في 13 / 7 / 2011

حزب الشعب الديمقراطي السوري

الأمانة المركزية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى