بيانات الانتفاضة

بيــــــــــان إلى الرأي العام

 


تمر بلادنا اليوم في ظروف معقدة، حيث هناك حراك شعبي سلمي واسع يطالب بالحرية والكرامة، تواجهه السلطة بالعنف عبر أجهزتها الأمنية والجيش، وهو ما أوقع أكثر من مائتي قتيل حتى الآن بالإضافة لمئات الجرحى واعتقال المئات، واستخدام كافة السبل لإنهاء الاحتجاج كقطع الاتصالات ومنع وسائل الإعلام من تغطية ما يحدث، بل وشن حملة إعلامية مغرضة على المحتجين تتهمهم بسلسلة واسعة من الاتهامات المزيفة، وهو الأمر الذي يزيد من نطاق الاحتجاجات وحِدَّتها.

في مثل هذه الظروف المعقدة التي تعيشها سورية اليوم، والتي تحمل في طياتها مخاطر كبيرة بحكم اعتماد السلطة آلية وحيدة هي الآلية الأمنية في التعامل مع المطالب المشروعة لشعبنا، قد تنطرح قضية الحوار السياسي بين السلطة والمعارضة في سورية، سواء في النقاش العام أو بين القوى السياسية المختلفة، وقد أكد التجمع الوطني الديمقراطي على الدوام قناعته بمبدأ الحوار وبأهمية التواصل بين جميع ألوان وأطياف الحيز السياسي لمناقشة وحل الأزمات التي تعاني منها سورية، بغض النظر عن النوايا الخلفية للسلطة في هذا الشأن، لكن التجمع يرى في الوقت ذاته أن لكل حوار بيئة يجري فيها، وبوادر توحي بنتائجه سلباً أو إيجاباً، وعلامات أو مؤشرات للثقة أو انعدامها، فضلاً عن طبيعة الآليات التي يجري وفقها وجدول الأعمال أو الموضوعات المطروحة فيه وارتباطها بجدول زمني ما.

ربما يحدث اتصال ما من قبل السلطة مع بعض الشخصيات أو الأطراف المعارضة لإيصال توجهها نحو الحوار، وهذا ممكن في ميدان العمل السياسي، لكنه سيبقى في هذه الحدود ولن يغادرها إذا لم تحدَّد صورة واضحة من البداية لطبيعة الحوار المنشود.

يتعامل التجمع الوطني الديمقراطي مع أية دعوة للحوار بشكل متوازن، فهو لا يرفض أو يدير ظهره من حيث المبدأ، كما لا يقبل دون تبصُّر. التدقيق في مصدر دعوة الحوار أو الطريقة التي تعرض فيها هام وأساسي، والمقبول هنا من طرفه هو تلك الدعوة العلنية أمام الرأي العام من قبل مصادر سياسية عليا في النظام. كذلك يفترض إطلاق الحوار أن تذهب الأطراف ولديها شكل ما من الثقة بجدواه، وهنا يصبح المطلوب من النظام إرسال عدد من الرسائل الإيجابية لتأكيد صدقيته في اختيار مبدأ الحوار، ولعل أهمها في هذه اللحظة السياسية: محاسبة المسؤولين عن ممارسة العنف والقتل ضد المتظاهرين، إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وقف الحملة الإعلامية المغرضة ضد الاحتجاجات والمعارضين، وقف العمل بقانون الطوارئ والأحكام العرفية، والاعتراف العلني بوجود معارضة سورية وبحقها في العمل الحر.

دون هذه المؤشرات لن تخلق بيئة صحية للحوار، وستزداد القناعة بأن دعوة الحوار لا تخدم إلا خروج النظام من أزمته، والإيحاء للداخل السوري والخارج بأنه يسير في طريق الإصلاح. وهنا نؤكد أن التجمع الوطني الديمقراطي قد عاهد نفسه وشعبه، كما سائر قوى المعارضة الوطنية داخل سورية، ألا يساوم على دماء ونضالات شعبنا نحو الحرية والكرامة.

بعد هذه الخطوات المطلوبة من السلطة يصبح للحوار الذي قد يطرح معنى وجدوى، وعندها تأتي الخطوة اللاحقة في تحديد أطراف الحوار. أما أطراف الحوار الممثِّلة للسلطة فينبغي أن تكون شخصيات سياسية مفوَّضة وفي مستويات عليا، وإذا كان غير ذلك فلا يمكن فهمه إلا شكلاً من أشكال التقليل من قيمة المعارضة والاحتفاظ بالقدرة على التنصل من أي نتائج تنبثق عن الحوار.

يأتي بعد ذلك الاتفاق على آليات الحوار وجدوله الزمني، وتحديد موضوعاته. بالنسبة للآليات، كي يكون الحوار مجدياً ينبغي تثبيت عدد من النقاط، فأولاً لابدّ من السماح للإعلام بتغطية مجمل خطوات ومراحل الحوار. وثانياً، لا بد للحوار من أن يكون متكافئاً، بمعنى أن يكون حواراً بين أنداد، بين سلطة ومعارضة توازيها، لا أن يكون بين سلطة ورعايا، وثالثاً، لابدّ للحوار من جدول زمني محدد، فهذا الحوار بين السلطة والمعارضة هو حوار سياسي وليس ندوة ثقافية يذهب أطرافها كل إلى بيته بعد انتهاء الحوار وكأن شيئاً لم يكن، ورابعاً لا بد من الاتفاق على آلية متوازنة لاتخاذ القرارات بشأن القضايا الخلافية.

أما من حيث موضوعات الحوار، فكل حوار بدون موضوعات هو حوار فاشل ولا يتعدى أن يكون مضيعة للوقت، وكل حوار لا يحدِّد الأولويات بشكل منسجم مع الواقع والحقائق ومصالح البشر وحاجاتهم لا يعدو أن يكون تغطية للأزمات الحقيقية التي تعيشها سوريا. هنا نقول: إن موضوعات الحوار يجب أن تتناول جذر الأزمة الداخلية، أي ما يتعلق بالحالة السياسية ونمط وآليات الحكم. هذا يعني أن أحد موضوعات الحوار الرئيسة هو الدستور السوري وضرورة إجراء تغيير دستوري واسع يطال المادة الثامنة من الدستور السوري والنظام الانتخابي في سوريا وآليات تداول السلطة والفصل بين السلطات وتوصيف الحالة الحزبية ومهام رئيس الجمهورية ووظائف الجهاز التنفيذي ومسألة الأقليات القومية في سوريا،. بعدها يأتي قانون الأحزاب منسجماً مع الدستور الجديد، إذ لا معنى للقانون المزمع إصداره قريباً دون إجراء تغيير دستوري واسع يطال النقاط السابقة الذكر، ثم قانون الجمعيات الأهلية، وقانون الصحافة والإعلام، وانتخابات مجلس الشعب وغيرها…

أخيراً نقول: يمكن لأي حوار مستقبلي محتمل أن ينتهي في بداياته أو في أية لحظة من مساره، ويصل إلى طريق مسدود، لكن امتلاك الرأس والقراءة الدقيقة للواقع والمتغيرات من قبل الجميع ووضع مسألة التغيير الديمقراطي كأساس لأي سلوك أو خيار سياسي، هو ما يجعل أي حوار يصب في صالح البلد والشعب السوري.

القيادة المركزية للتجمع الوطني الديمقراطي دمشق في 13/4/2011

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى