إياد الجعفريصفحات المستقبل

“بيلدربيرغ” سوريّ/ إياد الجعفري

 

 

أنوّه بدايةً إلى أن السيناريو الآتي، سيناريو مُتخيّل، لكنه غير مستحيل، وسبق أن حدث شيء من هذا القبيل في تاريخ سوريا المعاصر، وإن كان بحرفيّة أقل، ودون سريّة كاملة، وبترتيبات مختلفة عن تلك التي سنقترحها آنفاً، وذلك رغم وجود المحتل الفرنسي.

ومن ثم أنوّه أيضاً، بأن “بيلدربيرغ” هو اسم للقاء سنوي تعقده نخبة من أصحاب النفوذ الكبير في قطاعات المال والسياسة والتكنولوجيا، في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. يُعقد اللقاء بشكل سنويّ، وتُحاط اجتماعاته بسريّة كاملة، حيث يُمنع منعاً باتاً حضور أي إعلامي للاجتماع، كما يُمنع على الحاضرين تسريب أية تفاصيل. ويُطلق مراقبون على حاضري الاجتماع السنوي السريّ اسم “حكومة العالم الخفية”، ويعتقدون أن تلك الشخصيات المؤثرة تتخذ في اجتماع “بيلدربيرغ”، في النمسا، كل سنة، قرارات مصيرية مؤثرة على العالم بأكمله. وأنهم يُحيطونه بالسريّة، لأن حاضري الاجتماع يطرحون فيه طروحات قد يتعذر طرحها على العلن. ويكون المدعوون من الشخصيات ذات النفوذ والخبرة العملية، والقادرة على استخدام نفوذها في الدوائر الوطنية والعالمية لتحقيق أهداف منظمة “بيلدربيرغ”، بالإضافة إلى أن على الحضور ألا يمثلوا قناعات وطنية أو أحكام مسبقة، والمشاركة في تبني القيم الأخلاقية والثقافية الغربية.

وفي الختام، أنوّه إلى السيناريو المُتخيل الذي سأطرحه لاحقاً، لا يعني دعوة لتبني كل مقومات منظمة “بيلدربيرغ”، بل على العكس، يجب أن يتم التأسيس لحضور شخصيات هذا السيناريو على أساس قناعات وطنية مسبقة، ومُتفق عليها، وبناء على ذلك يتم التأسيس لتبعات هذا التنظيم “المُتخيل”، على الأرض.

***

ينجح رجل أعمال سوريّ في تأمين حضور شخصيات مؤثرة بالساحة السورية لاجتماع سرّي يتم في مكان محايد. وكان رجل الأعمال هذا قد مهّد للاجتماع عبر تشكيل “لوبي” يضم عدداً كبيراً من رجال الأعمال السوريين، تربطهم روابط سرّية، وتجمعهم قناعات متقاربة حول مستقبل سوريا.

الاجتماع يتم الإعداد له في جزيرة معزولة بجنوب شرق آسيا، حيث لرجل الأعمال السوري منتجع هناك. ويتمكن بعد جهود دامت سنة، وبتنسيق مع رجال أعمال سوريين متوافقين معه، من جلب أبرز الشخصيات السياسية والعسكرية والإعلامية والمالية المؤثرة بالمشهد السوري، لحضور الاجتماع.

بلغ عدد الشخصيات الحاضرة، 150 شخصية. وقد علمت أطراف إقليمية ودولية، بهذا الاجتماع مسبقاً، من بعض الحضور، لكنها لم تتدخل، وراهنت على أن يكون لها “أحصنة طروادة” داخله.

دام الاجتماع ثلاثة أيام، في اليوم الأول تمت مناقشة أسس مشتركة يجب الاتفاق عليها لتأسيس سوريا المستقبل، كان أبرز نقاطها: الحفاظ على وحدة التراب السوري، والتأسيس لنظام فيدرالي مع تقديم ضمانات عالية المصداقية حيال عدم نيّة أطراف عِرقية وطائفية سورية، القيام بأي خطوات باتجاه “الانفصال الناجز” عن التراب السوري. وتم الاتفاق على تنويع القوانين التشريعية، باختلاف المناطق والبيئات الاجتماعية السورية، على أسس فيدرالية. واعتماد النهج الديمقراطي الغربي كآلية للحكم واختيار ممثلي الشعب.

وتم التصويت على الأسس المشتركة، ووافقت الغالبية عليها، وبعد جدل ونقاش محتدم، وافقت الأقلية التي سبق أن سجلت اعتراضاتها على بعض الأسس. وكان النقاش مبنياً على قاعدة من الجدل مفادها أن لا مصلحة لأي مكوّن سوري في الانفصال عن سوريا، دون موافقة باقي المكونات. وكان ممثلو بعض الأطراف العِرقية السورية قد اقتنعوا بذلك مسبقاً بعد أن ثبت لهم، بالميدان، أن أثمان فرض أمر واقع بقوة السلاح، باهظة للغاية. كما وافقت قيادات إسلامية على اعتماد النهج الغربي في الديمقراطية، بعد تعهد كل الحاضرين بحق التيارات الإسلامية بالنشاط السياسي والتعبير عن رؤيتها عبر صناديق الاقتراع.

في اليوم الثاني، انقسم الحضور إلى لجان، وكان محور النقاش حول “كيف يمكن استغلال علاقات مختلف الحاضرين بالقوى الخارجية في تحقيق مصالح سوريا الموحدة، وليس العكس”…بمعنى أن يستغل كل الحاضرين علاقاتهم بأطراف إقليمية ودولية للدفع باتجاه القبول برؤيتهم المشتركة لسوريا المستقبل، على قاعدة ضمان أمن المحيط الإقليمي بسوريا، بما فيه إسرائيل، بصورة مبدئية، وفق المعادلات نفسها التي كان حافظ الأسد قد أسس عليها تفاهمه السريّ مع إسرائيل والغرب، مع استثناء، يتمثل بإنهاء العلاقة التحالفية مع حزب الله، مع عدم قبول التورط بالمشهد اللبناني بما يخدم مصالح أطراف إقليمية أو دولية.

وفي نهاية اليوم الثاني، اتفق الحضور على آليات وخطوات محددة يجب إنجازها، وفق لجانهم التي تم تأسيسها على أساس العلاقات بالأطراف الخارجية…لجنة تمثل حضوراً يتمتع بعلاقات وثيقة مع تركيا، وأخرى تتولى ملف العلاقات مع السعودية، وثالثة مع قطر، ورابعة مع إيران وخامسة مع روسيا، وسادسة مع الولايات المتحدة، وسابعة..إلخ.

في اليوم الثالث، ناقش الحضور العلاقة بين مكونات المجتمع السوري، وكان جزء كبير من الحضور محسوباً على أقليات عِرقية وطائفية، وفي الحالة الأخيرة، كان الحضور محسوباً على قيادات دينية، وأخرى اجتماعية تقليدية، وثالثة من داخل مؤسستي الجيش والأمن. تم الاتفاق بين جميع المكونات على أن آل الأسد استنفدوا فرصهم، ويجب حذفهم من المعادلة السورية، بأفضل الطرق المتاحة، وبأقل الأضرار الممكنة. وضم الحضور قيادات لتنظيمات إسلامية، وشخصيات من النظام بدمشق. اتفق الجميع على حرية النشاط السياسي لكل الأطراف، مع التعهد بعدم فرض أي حكم قسري على السوريين.

تمثّل النخبة التي ضمّها حضور الاجتماع، ممثلي أقوى الجهات المؤثرة بالميدان السوري. وقد وجد الجميع في هذا الاجتماع، والإجماع المتحصل في خاتمته، مصلحة ليس فقط للسوريين عموماً، بل للشخصيات القيادية التي حضرت الاجتماع نفسه. فرجال الأعمال شكلوا “لوبي” مشترك لتقاسم نشاطات إعادة الإعمار في البلاد، عبر آلية لتقاسم الأرباح بينهم من جهة، وبينهم وبين القيادات الميدانية المؤثرة في البلاد، من جهة أخرى. وتم الاتفاق على ترك المشهد السياسي العام للشخصيات السياسية والإعلامية، وابتعاد رجال الأعمال، والقيادات الميدانية للتنظيمات المسلحة، عن الأضواء، وتولي ترتيب المشهد السوري، من وراء الكواليس.

***

السيناريو آنف التفصيل، قد يكون فيه العديد من السلبيات، لكن علم السياسة وتاريخ الأمم والشعوب، يجزمان بأن لا استقرار لبلد، دون نخبة تحكمه، وأن البديل عن الفوضى الشائعة بسوريا اليوم، هو إيجاد النخبة المُنتظرة التي يمكن لها أن تحل محل نخبة نظام الأسد المُتهاوي.

ملاحظة: اجتماع “بيلدربيرغ” السوري ضم شخصيات محسوبة على “داعش”، أبدت استعدادها للتعاون مع باقي حضور الاجتماع، لتقويض “دولة الخلافة”، أو نفوذها في سوريا، على الأقل، وذلك بعد جهود حثيثة لاختراق تنظيم “الدولة الإسلامية” لصالح نخبة رجال الأعمال السوريين، وساسة وقيادات ميدانية، بعضها إسلامي.

***

خاتمة: سبق أن حصل شيء من هذا القبيل في التاريخ السوري المعاصر، ولكن ليس بالكيفية المفصّلة آنفاً. حيث تمكن عدد من القيادات التقليدية السورية الفاعلة في عشرينات القرن الماضي، من منع تنفيذ السيناريو الفرنسي بتقسيم البلاد إلى خمس دويلات طائفية. وتمكنت نخبة تلك القيادات في نهاية المطاف، من الحصول على سوريا موحدة، ومستقلة عن الفرنسي، باستثناء خسارة لبنان. وكانت الطبقة البرجوازية الدمشقية والحلبية هي المحور المركزي الذي تمكن من لمّ شمل قيادات طائفية وعِرقية سورية فاعلة، لصالح تأسيس سوريا المستقبل، يومها.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى