صفحات الثقافةفلورنس غزلان

بيني وبين الألف


    فلورنس غزلان

    وقفت أرقبها ، كانت تقف وسط حقل الحروف الملونة..ترفع رأسها بشموخ.وببن فينة وأخرى ترف رموشها نحو الأسفل مبدية حزناً واضحاً…رغم كونها تعتلي عرش الحروف وتتصدر حقلها المتنوع بالألوان والأشكال، أحجام وقامات..تشكيلات وزخرفات ..دنوت منها بخشية ووجل دون أن أحدث ضجة أو صوت…فللغة قدسيتها ومهابة استخدامها..رفعت رأسها بترفع وسألتني: ماذا تفعلين هنا؟ ومالذي أتى بك؟أجبتها بتوجس ..هو حب الاطلاع وإكتشاف أسرار اللغة..ومعالجتها ..تحصينها وعدم استغلالها بما يمج ويعذب ويحط من قدرها..ابتسمت بمرارة وقالت: ألا ترين أن حقلنا بات حقل تجارب…مشرع الأبواب والنوافذ ، يدخله كثيرون ..بينهم المغامر ، والمقامر ، القاريء والهاوي..الطامح والآمل المتعمشق والخطيب…المبدع والمريض…النجيب والغبي…كل يستخدمنا ..نقع طوع بنان الإنسان…ننصاع فلا قدرة لنا على الاعتراض…نفرح حين يمتطينا قلم حار شريف يحسن التركيب والتعقيب ..يبث الفكر النير ..نشرق به ويشرفنا…يدخلنا عوالم غريبة وبعيدة يفتح بنا أبواب المعرفة…يدخل النور لحقلنا ..يدخل كل شموس الكون وأقماره..يحملنا فوق صهوة جواده الفكري..يدخلنا الملفات الساخنة…لنشكل بجملنا وعباراتنا..نقاط تحول كوني ، والكتب التي تقدمنا بلوحات جميلة وزاهية تخرج من ثنايا ريشة رسام محترف شهير…نزين كل الدفاتر بأشرطة وألوان…ونتراقص فوق الصفحات..كراقصات البجع على سطح البحيرة..مسرحنا الدفتر…لمن يقدرنا ويحترمنا…ونحزن وأيما حزن حين تمسك بتلابيبنا يد مقامر..خطيب تافه…يدور ..يصول ويجول …من أجل أغراضه..من أجل مشاريع تهز عروش الحريات وتعصف بمستقبل الانسان الناطق الأول بالحرف..يستخدمنا..من أجل باطل، يغرقنا بظلمة حالكة ويزج بنا في دهاليز وكهوف تجعلنا نتعفن..لانرى الشمس ولا تدركنا الحقيقة..لاتهتز خصورنا إلا كي تعتاش جحافل وطاويطه وكي تتسيد فئرانه كل الصحف الصفراء ..تقرض ما تعبنا فيه مع الإنسان المبدع عبر السنين من أجل تسطيرنضالات الشعوب، وتخليدالروايات والقصص..ورواية الحكايات لكل الأجيال كي تنهض وتتطور ، فأي لغة لاتتطور وتنتعش على يد مستخدميها مصيرها الإندثار والموت البطيء، تسيل دماءنا غزيرة وتطوف النيران في أطرافنا..نحترق نتمزق إرباً ..تُغتال مشاعرنا..فنحن لغة الإنسان…نحن تعبيره عن كل ماينتمي للحياة والكون..مايتحدث عن الماضي والحاضر ومايعد للمستقبل…….فماذا تتوقعين منا حين نقع بين أيدي تحملنا للجنة وأخرى تنقلنا للجحيم؟ ، نجد أنفسنا متورطات…أسيرات لدى دول وأفراد ومؤسسات..تنهض بنا وتفتح أمامنا سبل النجاح والتألق…وأخرى تزهق أرواحنا رخيصة دون أن تأبه لحكم التاريخ….ولا أعتقدك إلا وتفقهين ما أقوله…فدخولك المحفوف بالهيبة والتهيب ..يدل على أنك ستـأخذينا معك إلى عالم رحب ومشرق…أجبت: آمل..وأسعى وأعد أن أبذل كل ما باستطاعتي كي أكون…عند حسن ظن الحروف بي..عند حسن ظن اللغة..بمن يمتشق حسامها

    هذه الصورة جاءت بايحاء من كتاب الكاتب الكبير رفيق شامي ” قرعة جرس لكائن جميل”.

    ـ باريس 6/10/2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى