صفحات سورية

بين أستانة وجنيف/ رياض نعسان آغا

 

 

لم تقبل أكثرية السوريين اتفاقية أستانة التي طرحت تحفيف التوتر، لأن السوريين جميعاً ينتظرون وقفاً شاملاً لإطلاق النار، وهذا ما نصت عليه القرارات الدولية بوصفه أحد بنود بناء الثقة التي ينبغي أن تستند إليها مفاوضات جنيف، ولم تكن ثمة حاجة لاتفاقيات جديدة فهناك اتفاقيات سابقة لم ينفذها الروس إحداها اتفاقية وقف الأعمال العدائية الموقعة مع الولايات المتحدة، وكذلك اتفاقا أستانة 1 و2 اللذان بحثا آليات مراقبة وقف إطلاق النار، وباءت كل هذه الاتفاقيات بالفشل لأن من وقع عليها سارع إلى اختراقها، وكان من المفارقات أن يسارع النظام إلى خرق اتفاق أستانة الأخير لحظة دخوله حيز التنفيذ في هجوم على ريف حمص وحماة.

ويعلم الروس أن فقدان الثقة هو الذي يجعل السوريين يعيشون حالة الريبة والشك والقلق من أية مبادرة يحملها لهم داعمو النظام، وقد كان مثيراً أن تسمى إيران ضامناً وهي الدولة التي تحتل سوريا وتفتك بالسوريين، كما أن موقف روسيا التي تحلق طائراتها في سماء سوريا لا يقنع السوريين بكونها راعية جادة للسلام ما لم تغير سياستها وتتحول إلى موقف محايد على الأقل.

وقد رأى السوريون في اتفاق أستانة ملامح خطة لتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ، وإلى خلق واقع جديد تترسخ فيه حدود جغرافية بين المحافظات. وإلى خطة تجعل هذه المناطق التي يضمنها الإيرانيون والروس مناطق يحكمها النظام، حيث تريد روسيا أن تصنع بيئة جديدة تسهل عملية المصالحات التي يعتبرها النظام حلاً وحيداً يستسلم الشعب فيه للاستبداد مذعناً. ويعلن انتهاء الثورة عبر كبح جماح الفصائل المعارضة المعتدلة التي قد يطلب منها لاحقاً مشاركة النظام في محاربة الإرهاب، ومن يرفض يعتبر إرهابياً، ثم يتم تشكيل مجالس حكم محلي يسيطر عليها الموالون للنظام ويمكن أن يعرض لاحقاً إنشاء مجلس عسكري مشترك يضم بعض المعارضات عبر ترهيب أو ترغيب! وهذه الخطة المحتملة (المنسجمة مع رؤية روسيا لدستور سوري مناطقي وطائفي) تحل محل مفاوضات جنيف وتلغي الحاجة إليها، وتحيل الملف كله إلى أستانة برعاية روسية إيرانية، مستغلة الظرف التركي الراهن الذي يواجه خطر قيام دويلة كردية على الحدود الجنوبية لتركيا قابلة للتوسع.

وقد جاء الرفض لاتفاقية أستانة فور توقيعها من الفصائل العسكرية التي دعيت واستنكرت أن تكون إيران ضامناً وهي الدولة المعتدية، وأصدرت قوى الثورة (الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات) بيانات تعبر فيها عن رفضها لهذا الاتفاق المشبوه الذي يستبعد دور الأمم المتحدة، ويستبق رؤية الولايات المتحدة التي يترقب الجميع ظهورها، وقد عبرت الهيئة العليا للمفاوضات عن رفضها لأي مساس بوحدة سوريا أرضاً وشعباً، وحذرت من أي تفسير للاتفاقية حول ما سمي مناطق «خفض التصعيد» يجعلها بداية لتمرير مشروع تقسيم لسوريا، ورأت في هذا الاتفاق غموضاً حتى في المصطلحات التي تم استخدامها.

وقد أكدت المعارضة حرصها على وقف إطلاق النار، وعلى نشر الأمن في كل أرجاء سوريا، مطالبة بما أقره مجلس الأمن في القرار 2254 في مواده الشهيرة التي تعتبر وقف إطلاق النار وفك الحصار وإطلاق سراح المعتقلين ووصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين إليها حقوقاً تسبق التفاوض وتؤسس له.

كما رفضت المعارضة أي دور أو حضور للنظام في المناطق التي يشملها الاتفاق، فلن تمنحه قوى الثورة والمعارضة المسلحة عبر اتفاقيات من طرف واحد ما عجز عن الحصول عليه في الواقع.

ونستغرب أن تخلو مناقشات أستانة من أية إشارة لجرائم النظام باستخدام الأسلحة الكيماوية مع أن المؤتمر ينعقد فور ظهور تقرير منظمة هيومان «رايتس ووتش» الذي قدم الأدلة على استخدام النظام السلاح الكيماوي، ولا نستبعد إزاء هذا التغاضي أن يقوم النظام مرة أخرى باستخدام السلاح الكيماوي ضد الشعب السوري ما دام يرى تهاوناً دولياً في محاسبته.

ونرى دعوة دي مستورا السريعة إلى جولة جديدة من المفاوضات في جنيف تأكيداً على رعاية الأمم المتحدة وأصدقاء سوريا للعملية السياسية، ومع أننا نفهم أن هذه الجولة لن تحقق الأهداف المرجوة، إلا أن استمرار التفاوض هو رد على من يريدون نسف أسس العملية السياسية من أساسها، ومن ألمحوا إلى أن أستانة هي بديل لجنيف.

ونأمل أن نجد في جولة جنيف السادسة دعماً دولياً جاداً لمناقشة موضوع الانتقال السياسي، وهو جوهر الحل السياسي الذي لن يتحقق ما لم يحدث توازن دولي في دعم المفاوضات.

الاتحاد

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى