صفحات العالم

بين أنان ولافروف


عبدالله إسكندر

مع وصول كل زائر الى دمشق بهدف البحث في الازمة التي تنهي عامها الاول، تتزايد مطاردة المحتجين والمعارضين ويشتد القصف على اماكن تجمعهم. وذلك في رسالة من الحكم في دمشق الى الشعب السوري مفادها بأن لا شيء يفيدكم ولا شيء ترجونه من هذه الزيارات، ولن تنالوا سوى القصف والمطاردة… الى ان تذعنوا للسلطة. ولم يشذ وصول الموفد الدولي – العربي كوفي أنان عن هذه المعادلة. اذ حملت الأنباء معلومات عن مجازر عشية الوصول وعن حشود تستهدف مناطق جديدة تؤوي المعارضة. وحتى خلال لقاء انان الرئيس بشار الأسد كانت المدفعية تدك المدنيين.

ومع كل حديث عن ضرورة الضغط على النظام لوقف قتل المدنيين، تخرج موسكو للتنديد بالتدخل السافر في الشأن السوري. وكأن وقف قتل المدنيين لا يستقيم الا بحرب من الخارج، وليس بقرار وقناعة من الحاكم. وجاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الى القاهرة ليقنع الوزراء العرب بهذه النظرية، ويبرر موقف بلاده من عدم اعطاء الاولوية لوقف القتل، معيداً الى الاسماع «معلومات» بلاده عن عصابات مسلحة وتدريبات في دول عربية.

في هذا المعنى، يأتي التحرك الروسي، كما ظهر من مناقشات مجلس الامن واعتراضات موسكو على مشاريع القرارت التي طرحت عليه وكما ظهر من التصويت في الجمعية العامة، ليشكل درعاً واقية من مهمة انان، على رغم ان الاولويات التي حددها الاخير وما يمكن ان يقترحه غير ملزمة لأحد، خصوصاً للحكم السوري، ما دامت غير مرتبطة بقرار من مجلس الامن.

حتى ربما يمكن القول ان ثمة مشكلة في تعدد اهداف مهمة انان، خصوصاً بعدما بات مسلّماً به ان الحكم السوري ماض في سياسة القتل. ولم تعد اي مهمة اخرى غير وقف القتل ذات معنى، لأن الاستمرار في العمل الحربي يعني نفياً قاطعاً للحوار والسماح بالممرات الانسانية، كما يحاول انان ان يقنع القيادة السورية.

وربما لذلك، استقبلت دمشق الموفد الاممي – العربي بوضعه أمام خيارين: ان يعلن ما كان سبق ان اعلنه رئيس فريق المراقبين العرب الجنرال السوداني الدابي ويتحول اداة في دعاية النظام السوري. او ان يستخلص انان ما يجب استخلاصه من ضرورة وقف القتل فيتحول الى اداة في ايدي «المشيخات الخليجية»، على نحو ما تحذر التعليقات الرسمية السورية.

في اي حال، من غير المتوقع ان تستجيب دمشق لما يمكن ان يقترحه انان اكثر من استجابتها لمهمة المراقبين العرب سابقاً ومهمة فاليري آموس مسؤولة الشؤون الانسانية في الامم المتحدة قبل ايام.

ليظل الحل الامني هو المعتمد، بالاستناد الى موقفين، روسي وصيني، لا يزالان يمنعان اي اجراءات دولية ملزمة للحكم السوري، في شأن سحب جيشه وآلياته الثقيلة من الشوارع. وليظل التعتيم ومنع اي شهادة مستقلة عما يعانيه السكان على يدي جيش بلدهم وميليشياته على امتداد البلاد. واذا كان منع عمل الصحافيين هو القاعدة، فكيف يمكن السماح بعمل فرق انقاذ انسانية، قبل ان تتولى هذه القوات بنفسها تنظيف ما فعلته، كما حصل في حي بابا عمرو في حمص.

وما دام الموقف الرسمي كذلك، كيف يمكن انان ان يقنع الحكم السوري بفتح ممرات آمنة للمساعدات الانسانية؟ وفي هذا الوضع اي حوار سياسي يمكن ان ينطلق وصولاً الى تسوية سلمية؟ وهل يمكن ببساطة القول عفا الله عن قتل اكثر من 8500 شخص واعتقال الآلاف وتشريد عشرات الآلاف داخل البلاد وخارجها؟

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى