صفحات سورية

بين الاحتجاجات ووعود الإصلاح.. سوريا إلى أين؟

 


عارف جابو

بعد نحو نصف قرن من قانون الطوارئ وحكم الحزب الواحد، كسر السوريون حاجز الخوف ونزلوا إلى الشارع في مظاهرات احتجاجية مطالبين بالحرية. ولتحليل الوضع ومستقبل الأحداث في سوريا، استطلع عارف جابو آراء بعض الخبراء والمحللين.

هل تصمد مقولة النظام السوري بأن سوريا مختلفة عن البلاد العربية؟

تعاملت السلطة السورية منذ البداية بمنطق القوة مع المحتجين المطالبين بالحرية، فقمعت الاحتجاجات بقسوة شديدة وقُتل وجُرح العشرات برصاص قوات الأمن السورية، ومدنيين تقول الحكومة إنهم “مندسون”، بينما يقول المحتجون إنهم “بلطجية” النظام ورجال أمن بلباس مدني. ومع اشتداد موجة الاحتجاجات اضطرت القيادة السورية إلى الخروج عن صمتها، فعقدت بثينة شعبان، المستشارة السياسية والإعلامية للرئيس السوري، مؤتمراً صحفياً أعلنت فيه عن جملة قرارات للقيادة القطرية لحزب البعث تتضمن إجراء بعض الإصلاحات وزيادة رواتب الموظفين في الدولة، وبعدها صرح نائب رئيس الجمهورية، فاروق الشرع، بأن الأسد سيلقي خطاباً يعلن فيها عن أشياء “ستسعد المواطنين”، ما بعث بعض التفاؤل لدى الناس والكثير من المراقبين، الذين توقعوا أن يعلن الأسد عن قرارات تتضمن الاستجابة لمطالب المحتجين المتعلقة بالحرية، وأبرزها رفع حالة الطوارئ السائدة في البلاد والتي يحكم بموجبها حزب البعث منذ عام 1963.

ولكن خطاب الأسد أمام مجلس الشعب- البرلمان، جاء محبطاً ومخيباً لآمال من كانوا يعولون عليه في الاستجابة لمطالب المحتجين وقيادة عملية الإصلاح التي تطالب بها المعارضة. إذ أن الأسد، وعلى عكس أنظمة قمعية عربية أخرى تحاول استرضاء المحتجين والإيحاء بالاستجابة لمطالبهم، بدا متحدياً لمعارضيه وللمحتجين، وما قوله: “إذا فرضت علينا المعركة فأهلاً وسهلاً” إلا رسالة توحي باختيار طريق القوة والقمع في التعامل مع المحتجين. وفي هذا السياق يقول الكاتب السوري المعارض ياسين حاج صالح، في حديثه مع دويتشه فيله إن التشخيص المتضمن في خطاب الرئيس بشار “هو تشخيص حربي” حيث تكلم عن “مؤامرة خارجية”، ما يعني أن “العلاج المناسب هو القمع والحل الأمني”. ويشارك هايكو فيمن، الباحث والخبير بشؤون سوريا والشرق الأوسط في المعهد الألماني للسياسات الأمنية والدولية، حاج صالح في رأيه بأن السلطة في سوريا قد اختارت منطق القوة إذ أنه “تم حسم الأمر بممارسة القمع وأن السلطة لن تتسامح بعد اليوم” مع المحتجين.

أزمة ثقة واتساع الاحتجاجات

في حين يرى الأكاديمي والإعلامي السوري، الدكتور نزار ميهوب، أن خطاب الأسد تضمن رسالتين الأولى؛ هي أن “سوريا مختلفة عن الدول العربية الأخرى، والثانية أن سوريا قوية بالتفاف الجمهور السوري حول قائده الذي دعا إلى الإصلاح”. ولكن الخبير ألألماني فيمن، يشكك في حديثه مع دويتشه فيله، بوجود التفاف جماهيري وشعبي كبير حول الأسد، إذ يتساءل عما يمنع “إجراء انتخابات تعددية حرة… وإلغاء شرط حجز ثلثي مقاعد مجلس الشعب لحزب البعث، فلماذا كل هذا إذا كان هناك فعلاً التفاف شعبي حول السلطة والرئيس؟”.

وفي محاولة من القيادة السورية لإضفاء المصداقية والجدية على وعودها ونيتها بإجراء الإصلاح، أمر الأسد في اليوم التالي لخطابه الذي ألقاه يوم الأربعاء (30 مارس/ آذار) بتشكيل ثلاث لجان تقوم إحداها بوضع دراسة وتشريع لمكافحة الإرهاب يحل محل قانون الطوارئ والتمهيد لرفع حالة الطوارئ، ولجنة ثانية للتحقيق في مقتل المحتجين خلال مظاهرات درعا واللاذقية، ولجنة ثالثة لدراسة وضع نحو 300 ألف من الأكراد الذين حرموا من الجنسية السورية بعد الإحصاء الذي جرى في محافظة الحسكة عام 1962.

ولكن خطاب الأسد وأوامره بتشكيل تلك اللجان لم تقنع الشارع ولم تهدئه، إذ خرج الآلاف في مظاهرات يوم الجمعة (01 أبريل/ نيسان) والتي سماها منظمو الاحتجاجات بـ”جمعة الشهداء”، في الكثير من المدن والبلدات في مختلف أنحاء سوريا، بل حتى أن مناطق كانت هادئة حتى ذلك اليوم شهدت مظاهرات. وكذلك الأكراد، فبالرغم من وعد السلطة والأسد بالنظر في منح الجنسية للمحرومين منها منهم، خرجوا في مظاهرات في عدة مدن شارك فيها الآلاف وهتفوا “مطالبنا هي الحرية وليس الجنسية فقط.” وقد قوبلت هذه المظاهرات كالعادة بالقمع من قبل السلطات وتحدثت الأنباء عن سقوط قتلى وجرحى.

ورغم أن الذين ينظمون المظاهرات ويدعون إليها على الانترنت بعيداً عن الأحزاب وقوى المعارضة التقليدية، هم شباب سوريون. والشعارات التي ترفع خلال المظاهرات تدعو إلى رفع حالة الطوارئ وضمان كرامة المواطن وتطالب بالحرية بعيداً عن أي طائفية، فقد صنفها الأسد في خطابة تحت خانة “الفتنة” و ” المؤامرة التي تستهدف الوطن”. في هذا السياق يقول نزار ميهوب في حديثه لدويتشه فيله إن هناك قوى خارجية تستهدف سوريا لأنها ـ أي سوريا ـ “تدعم المقاومة في لبنان وفلسطين”. أما المحلل السياسي الألماني هايكو فيمن، فيرى بأنه “إذا لم تكن هناك نقمة ومشكلة في البلد” فلن تنجح المؤامرة الخارجية، هذا إن وجدت أصلا، كما يقول.

التشكيك بإمكانية الإصلاح

هايكو فيمن: اذا كانت شعبية الاسد فعلا كبيرة لماذا لا تجرى انتخابات تعددية حرة؟ والملفت في الوضع السوري، أن هناك دعوات إلى الإصلاح من جميع الأطراف: حكومة ومعارضة ومحتجين، بل حتى أن الأسد أيضاً أقر بالحاجة إلى الإصلاح وضرورة الإسراع بانجازه. لكن إذا كان الأمر كذلك، فمن يقف إذاً في طريق الإصلاح ويعرقله فيبقيه حبراً على ورق ومجرد كلام؟ على ذلك يجيب حاج صالح، بأنه وخلال حكم حزب البعث منذ نحو نصف قرن “تشكلت طبقة لا تقبل المساواة مع السوريين، لا تقبل فكرة المواطنة، ولا تقبل فكرة أن المواطنين متساوون”، وذلك ـ في رأي صالح ـ هو “العائق” أمام الإصلاح، ولذلك “يخرج السوريون إلى الشارع ويحتجون وينتفضون”.

في حين يرى ميهوب، أن العائق الأساسي أمام الإصلاح في سوريا، هو العامل الخارجي وما شهدته المنطقة خلال العقد الأخير من أحداث مثل حرب العراق وحرب تموز في لبنان وحرب غزة، بالإضافة إلى اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، “حيث كانت سوريا مستهدفة في تلك الفترة”، ولكنه أقر بوجود عوامل داخلية أيضاً منها “عدم وجود الكادر الإداري المؤهل، ووجود البيروقراطية ورجال أعمال وفئات معينة تحاول المحافظة على مصالحها ومكتسباتها”.

ولكن إذا كان النظام السوري يقر بضرورة الإصلاح والإسراع بانجازه، فهل هو مؤهل للقيام بذلك فعلاً؟ هذا ما يشكك فيه حاج صالح، إذ أن النظام وحسب رأيه “متقادم، ولا يصلح لضمان وحدة السوريين ولضمان المساواة والحرية لهم”. ويقول صالح بأن النظام ورغم كونه في الموقع الذي يمكنه من قيادة عملية الإصلاح، إلا أنه “ليس هناك علامة على أن لديه الإرادة والعزيمة والرؤية ليقوم بذلك”.

ومع تسارع الأحداث واتساع رقعة الاحتجاجات في سوريا، يصعب التنبؤ بالمستقبل وأي طريق سيسلكه تطور الأحداث خلال الفترة المقبلة. ولكن ميهوب بدا متفائلا إزاء المستقبل، معللا ذلك بأن الأسد “لديه مشروع حقيقي للإصلاح وخلال أيام سنرى نتائج هذا الإصلاح” حسب رأيه. في حين يرى فيمن أنه من الصعب التنبؤ بالمستقل، وهو لا يشارك ميهوب تفاؤله ويرى أن “النظام السوري سيبقى على سياسته… يعني الكلام عن الإصلاح وإجراء إصلاحات جزئية لا ترقى إلى المستوى المطلوب، وسيبقى محتكراً للسلطة”.

ومهما يكن الاختلاف بين ظروف سوريا ومصر وتونس وغيرها من الدول التي تشهد حراكا ثورياً، يبقى التشابه كبيرا من حيث الظروف الداخلية والأزمات ومعاناة الشعوب من القمع والقهر والفقر، وكذلك في طموح الشباب إلى الحرية والديمقراطية وتطلعاته نحو حياة أفضل بعيداً عن الشعارات القومية والإيديولوجيات التي ولى زمانها.

عن موقع دويتشه فيله 2011

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى