صفحات الناسعلي العائد

بين بيرقدار واللبواني وعفراء جلبي/ علي العائد

 

 

أتى خبر وقوف السورية عفراء جلبي على منبر مركز النور الثقافي الإسلامي في مدينة تورنتو الكندية لإلقاء خطبة عيد الأضحى كإضافة نوعية وجديدة على خبرين كبيرين آخرين أثارا ردود أفعال كثيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، وفي الإعلام عموماً.

الخبران الآخران السابقان هما تخلي الشاعر فرج بيرقدار عن جنسيته السورية، وزيارة كمال اللبواني لإسرائيل.

خطوة عفراء لم تسبقها إليها امرأة سورية من قبل، لكن الأستاذة الجامعية في الولايات المتحدة الأميركية، أمينة ودود، سبقت عفراء حين أمَّت المصلين عام 2005 في نيويورك، ولم تثنها تهديدات بالقتل عن أداء خطبة الجمعة في أكسفورد وسط بريطانيا عام 2008.

أما أشد الانتقادات التي واجهتها ودود فكانت من شيخ الفتنة يوسف القرضاوي، الذي قال إن ما فعلته ودود “بدعة منكرة”.

برر بيرقدار خطوته تلك كون النظام لايزال هو من يمنح الجنسية رسمياً، ولايزال العالم لا يعترف بغير هذه الجنسية السورية التي يمنحها هذا النظام.

أما مبرر زيارة اللبواني لإسرائيل، فهو المشاركة في مؤتمر هرتسليا لمكافحة الإرهاب، مدعياً أنه يمثل “الشعب” في هذه الزيارة.

جلبي عدَّت خطوتها جزءاً من جهادها ضد التطرف، للمحافظة على إسلام تحديه السابق والحالي، هو المساواة.

وعلى غرابة مبررات خطوة بيرقدار، يمكن حتى لمنتقديه مواجهته بنبل.

أما خطوة اللبواني، فأثارت كثيراً من الانتقادات، تراوحت بين اتهامه بالخيانة، وبين تحميل موقفه على المعارضة السورية التي لا ينقصها من أسباب التخبط شيء حتى تضاف إليها هذه التهمة التي أعلنها اللبواني نفسه، وظهر في تسجيلات على التلفزيونات الإسرائيلية وهو يزور جرحى سوريين في مستشفيات إسرائيلية.

موقف بيرقدار بدا مدروساً، واتخذ الطابع الرسمي، حين أعلنه على صفحته في موقع “فيسبوك”، قائلاً: “أنا المدعو فرج بيرقدار، بن خدوج وأحمد، أعلن عن تنازلي عن جنسيتي السورية التي لا يشرفني أن نظام الأسد (الذي ما زال يحتل سوريا داخلياً، ويحتل موقعها في الأمم المتحدة) هو من يمنحها رسمياً”.

وتمنى بيرقدار على متابعيه أن يتفهموا موقفه باعتباره حرية شخصية، وقال لـ “المتصيدين”: “تنازلي عن الجنسية وبطاقة هويتها وجواز سفرها (المعترف بها عالمياً) لا يعني أني أتنكر لشعبنا، بل إني لن أدخر جهداً من أجل انتصار ثورة شعبنا، لعلي أصبح مواطناً حقيقياً”.

وختم بيرقدار، الذي قضى سنوات من عمره في سجون النظام السوري: “للأسف أني تأخرت سنوات عديدة على اتخاذ هذا القرار”.

أما اللبواني، فقال على شاشة إسرائيلية ناطقة بالعربية في لقاء خارج قاعة مؤتمر حول “سياسات مكافحة الإرهاب” (الخميس 11 سبتمبر/ أيلول) “الشعب السوري منسي منذ 3 سنوات، والآن لا يمكن هزيمة الإرهاب من دون مشاركته”، مشيراً إلى أنه في إسرائيل ليقول إن الشعب السوري يقوم بمحاربة الإرهاب والدكتاتورية (في إشارة للنظام السوري) في وقت واحد.

وختم اللبواني تصريحه للقناة الإسرائيلية بالقول: “يجب دعم الشعب السوري الحقيقي الذي أنا أثق به والذي أنا أمثله”.

في تورنتو، وقفت عفراء جلبي إلى جانب الإمام، في مكان شهد وقوف المرأة والرجل جنباً إلى جنب، وقالت أفكارها على منبر الرجال.

وشكرت عفراء على صفحتها في فيس بوك كل من دعمها وشجعها، مضيفةً: “وأما البقية الذين كانوا في حالة صدمة وقاموا بارتكاسات قوية، الله يسامحهم ويهدي قلوبهم، فأرى أنها بسبب محبتهم وغيرتهم على الحفاظ على إرث معين بفهم معين”.

تقول عفراء ذلك كونها تلقت تنشئة دينية على يد والدها الكاتب والمفكر خالص جلبي، وخالها المفكر الإسلامي المعاصر جودت سعيد، ولديها فهم معتدل للإسلام لغته العقل، والتزام بقواعد الدين بحكم تربيتها.

تتقاطع خطوات الثلاثة في جانب سياسي واحد كونهم من المعارضين للنظام السوري. ومعلوم موقف كل من بيرقدار واللبواني من النظام، أما عفراء فعملت منذ عام 2000 في تجمعات سلمية معارضة للنظام السوري، وهي عضو في المجلس الوطني حالياً، فخطوتها ذات بعد سياسي، أيضاً، ولا تقتصر على الجانب الديني الذي يخالف حديث النبي صلى الله عليه وسلم (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة).

قالت عفراء عن خطوتها: “أنا اجتهدت، فإن أخطأت فلي أجر الاجتهاد، وإن أصبت فسأكون فتحت فسحة أمل وتشارك في حل تحدياتنا. الإسلام دين واضح المعالم، وفيه مساحات هائلة تسمح لنا باجتهادات كثيرة، ومصمم أن يكون قابلاً لتجليات عديدة في أمكنة وأزمنة مختلفة”.

وُلدت عفراء جلبي في بلدة بئر عجم في الجولان السوري المحتل عام 1969، لأم شركسية وأب كردي. عاشت طفولتها في بيئة مسلمة تنويرية، وأكملت دراستها في كندا، فحصلت على بكالوريوس بعلم الإنسان والعلوم السياسية من جامعة ماكغيل، ودرجة الماجستير في الصحافة من جامعة كارلتون.

الاهتمام بخطوة عفراء مستمر، بين مؤيد ومعارض لما قامت به، بينما أفل الحديث عن خطوتي بيرقدار واللبواني، وتقادمت مفاعيل ما قاما به في ظل تزاحم الأحداث في سوريا.

أما الغريب في ردود الأفعال حول خطبة عفراء، فكونها اقتصرت على الشكل، وعلى ظاهر خطوتها، ولم يتطرق أحد من المؤيدين، أو المنتقدين، إلى ما قالته في مركز النور الثقافي الإسلامي في تورنتو الكندية، ولم أجد خبراً واحداً نقل نص خطبتها، أو مضمونها على الأقل.

موقع 24

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى